عناق سماوي
بقلم الاخصائية النفسية / خلود الحارثي
نحب دائماً الحديث عن الأشياء التي هي قريبة منا كثيراً ،وربما يتفق معنا الكثير في محتواها وربما تصل لقلوب الآخرين وتلامس احساسهم ،لأنها من داخل القلب توصف كما أنها مراءة عاكسة لخواطر الكثير..
لطالما كنا هواة الطبيعة وكل ما يجول في رحاها.. وهذا ما اثبتته فرحة الكثير منا في الاجواء المطرية التي قضتها مدن بلادي خلال هذه الايام بعد الشوق الكبير له ولله الحمد والمنة.
هناك لحظات نتأمل فيها بعجب من لا يحب المطر! ،وله مبرراته التي عاشها مع الحالات المطرية وقد يكون انذار بكوارث في عديد من المدن نظراً لتضاريسها وبنيتها الأرضية ،وهناك من يخشى العواصف التي تسبق سقوط المطر فيهاب صوت الرعد ويختبئ من ضوء البرق ،وهناك من يقوم بجولات ميدانية متحدياً فيها نفسه لعيش المغامرات بين دوامات الأعاصير والرياح كتجربة فريدة يهوى خوضها ،وهناك من يرى أن المطر ضرورة الأرض للحياة الطبيعية للكائنات الحية ،وهناك من يبكيه وقع المطر على الأرض كأنما يغزوها حرباً لا تهدأ تذكره بأيام خلت مملوءة بالدموع والأسى..
والبعض يراها الرحمة من السماء والعذاب لأهل الشر ،اختلفت الرؤى وتباين المعنى بين كل نفس والأخرى وبين القلب والعقل.. لا ترجيح بينهما فلكلاً واديه ،والحكم الأول لذلك هو الخبرة الشعورية التي عشناها في كل موقف.
أرى أنه على وقع المطر نمت اطراف حُب لا ينتهي بداخلي حب لا يتزامن في نبضه إلا في صوت المطر ،وانتعاش رائحته بأنفاسي..
حين سقط المطر ..
تغنى الكثير بلحن المطر ..
ابدعوا برسمه دون صوت في لوحات الفن ..
التقطوا الصور بسريانه على النوافذ والزجاج وعلى المنازل والاشجار..
كتبوا القصص وسردوا في انغامه لعب الابطال..
نسجوا منه رثاء يبكي على اطلاله من رحل..
جعلوا له سداً يحاصره فيبقى لهم نهراً..
علقوا عليه قناديل الأمل..
سلموا له حرائق الأرواح التي بعد انصبابه تغدو برداً..
اصبح رمز الرسائل بين الاصدقاء.. لقد اخبرت صديقي ذات مرة أني أحب المطر وهو كذلك ،فتعاهدنا إذا هطل المطر والآخر لم ينتبه له ليخبره فوراً ،وإن كانت برنة هاتف بعيدة! رغماً عن كل شيء بيننا ،وكأنه حلقة وصل لا تنقطع بالذاكرة..
هو عناق سماوي يلامس الجسد فيطير به كالجناحين بالحرية ونشوة السعادة ..
هو عناق سماوي يحتضن الأرض بعد فراق اللقاء فيختلط بأحشائها وبذورها ويعدها بالبقاء..
لا نجد شوق كشوق المطر ..ولا نجد خوف كخوف وقع المطر!
تناقض يعيش بأقطابه مختلف البشر!
هناك سر يخبرنا به المطر كلما وقع.. أنه في كل مره يأتي مختلفاً في شكل لقائه..
* كاتبة، عضوة برابطة كاتبات الغد