كفيف القلب يتيم القلم
بقلم الكاتبة / تهاني الصمعي *
خطى الراحلين لملمت أشياءها وهمت بالرحيل
حقائب الغائبين وثقل همومها وتكدس ذكرياتها
رحلة اللاعودة إلى بيتي المهجور المليء بغبار السنين
ونوافذها المكسور والمتشققة من أثر واقعٍ ما
ستائرها المعلقة التي تشتكي الهم لسنوات مازالت تحمل رائحتك
مازالت الأشياء تحمل رائحتك
تخبرني أنك مازلت ولا زلت هنا وهناك
وضعت حقيبتي لأرتب أغراضي لأجد خزانتي مليئة
وقفت برهة أنظر من حولي
فتحت النافذة لأطل على شيء جميل
لم أرَ سوا أوراق الأشجار يلفحها الهواء ، تارة تطير ، وتاره تتراقص بحفيف يعجب من يسمعها
لاسترجع ذكرى كانت خضراء كالعشب كالشجر بربيعه
مازالت الأرجوحة معلقة تتأرجح بفعل الهواء أو ربما أرواحهم مازالت هنا
ألتفت يميني لدرج يحمل ذكريات عمري والأمه
وأخذت أقلبها تارة أضحك لأنها أضحكتني يوما جعلتني سعيدة
وتارة أبكي على ما فرط مني وما ذهب ولم يعد .
أرواح حية مازالت تسكن الصور
المضحك في الأمر أنني تغربت في زمن كنت بحاجه لبيتي
وأحاكي أماكن استصعب عليها النسيان ؟
تذوق قلبي من الذكريات ورشة ملح نازف مع كل ذكرى
جمعتها لأحرقها بنار الوجع ويبقى رمادها يتناثر مع كل هبة ذكرى
صحوت على شجرة الياسمين التي كانت هنا أو ربما لم تكن
أوجعني منظرها يابسة قاحلة ليس فيها حياة ولا روح
من سلب منك الحياة من كان يسقيك حتى تمرد عليك وسلبك الحياة آخر قطرة ماء
سأضحك ذات يوم بقدر ما أبكي الآن .
تركت صورها بمكانها تتقلب صفحاتها بفعل الهواء
مشت حتى وقفت على عتبه منزلها بالفناء الخارجي
زجاجة مكسورة لم يلملمها أحد وكأنه يخاف أن ينجرح
جثت على ركبتيها وأخذت شظايا منها جرحتها بدون قصد دمعت عيناها لتسقط كما سقطت قطرة دم
حملت نفسها وهي تتذكر لما أنكسرت تلك الزجاجة
الذكرى أحيانا تؤلم صاحبها بمجرد الأشياء التي حوله
على ماذا أبكي وماذا أبقي ؟
حل مساء كئيب موحش بقدر وحشته موجع بقدر ألمه
أشعلت شموع العمر التي كانت تطفئها بلحظة فرح وعمر انقضى
كيف يمكن أن نبتسم لعمرا ذهب ونحتفل به.
لا أدري ربما الأرواح التي ذهبت ذهبت بفعل الشموع هم من اطفؤوها.
مر الليل بصعوبه وهي مستيقظة مع كل ذكرى لتوقظها من حلم أطال عمرها
مع أول أشراقة صبح وأول خيوط الشمس دخلت عليها من ثقوب الحزن .
عزمت على الرحيل وما زالت حقيبتها في مكانها لم تسع خزانتها بكثرة أوجاعه
حملت حقيبتها وأغلقت بابا لم يكن مقفلا
ضحكت بقدر البكاء بقدر الدموع التي جرت ولم تعد لها مجرا تركت أثرا بالغا على وجوهنا
مازالت صورها في مكانها وكأنها تستغيث من لهب أوشك عليها
وقفت فوقها ونظرت على صوره غيرت مجرى ذاكرتها
كانت تحمل دموع الندى في صبحه
لملمت أشياءها وجفت دموعها ووضعتها في حقيبتها وتخطت دجى الراحلين .
التفتت وراءها بآخر نظره لبيتها
وقالت بصوت تخنقه العبرة (لابأس أنها الحرب)
أرواح تسكن هذا البيت
أرواح مازالت تسقي الورد
وأرواح مازالت تلعب لعب الطفولة
وأرواح مشاكسه
وأرواح معلقه فكرها بين الكتب والروايات
وأرواح شاب الشيب في رأسها
.
وأرواح"وأرواح"وأرواح
.
أنها الحرب يا سادة لم تبقي أثر فينا ورغم ذلك مازالوا يسكوننا
.
الحرب التي أنهكت أجساد وأبكت عيون وأوجعت قلوب من فقد الاحتضار
.
الحرب يا سادة ليس لها مسمى آخر
اكتب يا تاريخ واشهد يا سطر