التيار الواحد وحافة الهاوية
بقلم الدكتور / أحمد بن محمد الجلعود
تخيل نفسك في غرفة مظلمة لا نور يتسرب إليها ولا تيار هواء يمر بها فيجدد الأنفاس التي احتبست داخلها! تخيل نفسك في هذا الوضع مدة ليست بالقصيرة، ماذا تتوقع أن يحدث لك؟ ردة الفعل الطبيعية لجسمك هي التكيُّف مع الوضع الواقع والذي لا تستطيع تغييره. ستألف الظلام وسيتشبَّع جسمك بنفس الهواء، سيكون يومك كأمسك لا جديد. مع الوقت ستشعر بأنك تفقد حواسك التي لم تعد حقيقة تستخدمها ولم تعد هناك حاجة إليها! حتى مخك سيتقلص لأنك لا تستخدمه كثيرًا لعدم حاجتك في التفكير في الكثير فما حولك لا يستحق ولا يحتاج. ستعيشُ مابقي من عمرك داخل مساحة ضيقة مظلمة حتى الهواء لا يتجدد فيها. هكذا نعيشُ إلى حد بعيد عندما يجبرنا الآخر أيًا كان على تيار واحد يفكر عنك ويصادر حريتك في التفكير! يخطط كيف تعيش ويصادر حريتك في طريقة العيش التي تناسبك! عبر العصور مرّت البشرية بمثل هذه الغرف المظلمة التي حبس فيها أصحاب التيار الواحد غيرهم من البشر! فسلبوهم الحرية بجميع أشكالها، وصادروا حقهم في التعبير حتى في أصغر الأمور التي تمسّ مصيرهم في هذه الحياة. ولا شك أن القوة والنفوذ عندما تكون بيد بشرية تنزع إلى البطش واستعباد غيرها ما لم تكن القوى متوازنة داخل المجتمع الواحد. التاريخ مدرسة نتعلم فيها ومنها الكثير؛ بعض هذه الدروس تقول أن فرعون قال {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى} وهلك ومن معه عندما استكبر.
وبعده وقبله تكررت أحداث متشابهة قادت الأمم إلى الهلاك من وراء التيار الأوحد والرأي الواحد. والتاريخ الحديث يشهد كذلك بأن هتلر قاد العالم أجمع إلى حافة الهاوية عندما اعتقد لوهلة أن بإمكانه أن يحكم العالم وحده، بتيار وفكر ومعتقد واحد لا ندّ ولا شريك له!