كيف أعفو؟
بقلم الكاتبة / أبرار القحطاني*
هذا السؤال الذي يختلف فيه الكثير من الناس وهما فريقان في هذا الباب:
الأول : وهم من جعلوا حياتهم شقاء وغِلاً و بُعدًا عن العفو وتجدهم أظلم الناس لأنفسهم ضيعوا أنفسهم خلف قضبان سوء الظن مع الناس وتتبع زلات الآخرين في الصغيرة قبل الكبيرة .
الثاني : من ضيع حقوق نفسه وتسامح بسذاجة وحقر من ذاته وأعطى الناس فوق مقامهم ظنا منه أنه ينبغى أن يتسامح حتى لو كان على حساب حقوقه .
وكلا الأمران مرفوض ؛ و لأجل أن الله اصطفى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلها أمة وسطا ، ينبغى أن نهتدي بالوسط الذي ينير قلوبنا ويرفع قيمة أنفسنا بلا تضييع لحقوقنا وبلا تدقيق يُهلك راحة بالنا ، فشرع لنا قيمة وكرامة كرمنا بها فلا يحق لأحد أن يقلل من شأن غيره .
وهنا أجيب على سؤالي كيف أعفو!
هل أتسامح مع الجميع ؟وهل أدّعي الطيبة والغباء كي انتظر الأذية في كل مرة؟!
لاشك أن الله سبحانه أعلم بعباده وأعلم بشؤونهم جل في علاه ، ومن علمه أن جعل حقا من حقوق المظلوم الانتصار والبحث عن النصرة وحث على ذلك فقال سبحانه: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) فمدح الله سبحانه المنتصرين لأنفسهم الذي ذاقوا الأذى ممن ظلم وبغى ، لذا لا يعني أن كل منتصر لحقوقه هو إنسان سيء بل هذا حقٌ شرعه الله ، والعيب على من يجهل ذلك ، ولكن هناك نفوس كبيرة وعظيمة تريد العفو وتفهم الفهم العميق لقوله سبحانه (فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) فهي تريد ما عند الله سبحانه.
ومواطن العفو تكمن في القدرة بمعنى أنك أيها المنتصر تنتصر لنفسك وتريد أخذ حقك وأنت تقدر على أخذه ممن ظلمك ولكن تعفو ، وتصفح، وتصلح ، عكس من يفهم أن العفو ما هو إلا ذل وضعف وهؤلاء فكرهم محدود ، فحين تضعف عن أخذ حقوقك وتعجز عن مواجهة الخصم تقول في نفسك عفوت وأنت تتألم ليل نهار ، لا أنت الذي واجهت ولا أنت الذي انتصرت فهذا لايسمى عفوا وإنما نقصا وضعفا تحتاج لتقوى ، لأن العفو مربوط بالعز والتمكين ، وينبغي تحكيم العقل ومعرفة قيمة هذه النفس حتى لاتهان ولاتستهان كن قويا ، عارفا قدر نفسك واضعا حدودا لغيرك .
تفهم الفهم العميق لشعيرة العفو التي تتمثل في موقف محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة يوم العز والتمكين تمثلت في(اذهبوا فأنتم الطلقاء) بنفس كبيرة متأملة عزيزة منتصرة عارفة قدر نفسها ، تمكنت من العفو وهي قادرة في هذه اللحظة أن تضع أولئك في أحرج المواقف ولكنها أبت رغبة بشيء أعظم وأكبر من أن ترى عدوها يتألم فشفت غليلها بالأجر الكبير والثواب العظيم.
هذا هو العفو الذي لا إفراط بحقوقنا ولاتفريط بركضنا خلف زلات الآخرين.
5 pings