الثراء الحقيقي
بقلم الكاتبة / تهاني الصمعي *
خرج ذات يومٍ ليستنشق الهواء ، أتعبه جلوس البيت وعصاه مرافقته أينما ذهب ترشده الطريق ، بدأ يضرب الأرض بعصاه وكأنها إنذار لمن يقترب منه خوفا من أن يصطدم بهم، أحيانا لا نحتاج من يرشدنا ما دمنا نحفظ الطريق عن ظهر غيب، نزل من الرصيف رويدا لتلمس قدماه عشبا باردا مختلطا بالمياه ، شعر بالبرود يسري بأطراف جسده حين لامس الأرض كان يرتدي شبه حذاء ممزق من أطراف أصابعه.
سمع أصوات أطفال يلعبون بقربه رمى أحدهم الكرة إليه ثم أنحنى بطرف جسده ممسكا عصاه بيده الثانية إلى أن جاءه طفلا مسرعا أخذها منه بقوة ، لتسقط عصاه أرضا أخذ يلتفت برأسه لعل هناك من يساعده.
ثم جثى على ركبتيه ليبلل بنطاله بالماء والوحل وأخذ يتلمس الأرض حوله لعله يجدها فهي مسنده ولا يستطيع أن يمشي من دونها ، إلى أن جاءه رجل أقترب منه وأمسك بيده وقال له دعني أساعدك وقف شاكرا له وعيناه تلوح بالسماء على وجهه ابتسامة راضيه بما قدره الله له.
فقال الرجل: " لا شكر على واجب لم أفعل شيئا " ، فهم بالرحيل فقال له الأعمى يبدو عليك الثراء ، فالتفت إليه الرجل وكيف عرفت ؟ ضحك الأعمى وقال أشم رائحه عطر فاخر ، وعندما أقتربت مني لامست حذاءك لا يبدو أنها لامست الأرض .
فقال الرجل : " ماذا يعني لك الثراء أيها الأعمى ؟ ".
فقال: اسمي جابر واعمل في تصليح الأحذية منذ صغري
اووه أنا آسف لم اقصد أهانتك أو التقليل من شأنك . فرد عليه : " لا لا عليك " .
فأخذ الرجل يخرج زفيراً طويلا ومملا ، فقال له الاعمى هل مازالت الدنيا تنقص عليك أشياء أم أنك مللت الغنى.
فقال الرجل: نعم يا جابر مللت الغنى إني أملك منها ما يجعلني لا أحتاج أحدا ولا ينقصني شيئا ولكن الدنيا لا تكمل لنا الأشياء لابد من شيءٍ ناقص .
فقال الأعمى : وما الذي ينقصك ؟
ينقصني الحب والاحتواء فلدي أولاد يتشاجرون على هذا المال وينتظرون متى أموت؟ قل لي يا جابر هل لديك أولاد
فتبسم في وجهه وعينيه تلوح في السماء ، نعم لدي ولدان وأشكر الله على هذه النعمة ، فتعجب منه الرجل وقال استميحك عذرا يا جابر ومن تقبل بك وأنت هكذا ، فضحك جابر وقال ألم تسمع أن الحب أعمى " فضحك الرجل ضحكة سمعها كل من حوله " هز الرجل رأسه نعم يا جابر الحب أعمى " حسنا يا جابر سوف أذهب لقد أسعدني الحديث معك، هل توصني بشيء قبل أن أرحل
فقال جابر : ابتسم ودع لكل شيء يوما ، فالابتسامة والقناعة بالحياة هيَ الثراء الحقيقي .