جُرعة مُسكن
بقلم الكاتبة / تهاني الصمعي *
خرجتُ ذاتَ يوم مسرعاً الى إحدى الصيدليات القريبةِ مني وانا ممسكاً برأسي من شدةِ الألم، والغضب يملئ وجهي ولا أتحمل كلمةٍ من أحد، وصلت الصيدلية وفوراً طلبتُ علبةَ دواء فتحتها على إستعجال أخذت منها حبتين ثم جلستُ على الكرسي
فقال لي يبدوا عليك الاجهاد ، ماذا تعمل؟
لا تقول لي إنك كاتب ، قلت " قد اصبت انا فعلاً كاتب لم أنتهي من روايتي قد تتأخر قبل الوقت المحدد لها ، فقال لي:" اادمنت علب الصداع فهي لا تكون الا مسكناً يعاود عليك الألم، ثم ماذا جلبتم من رواياتكم سِوى الألم والصداع " أثناء الحديث دخل طفلاً بعمر الثامنةَ يبدو عليه الفقر من ملابسه وشحوبَ وجهه.
قال: أريدُ هذا الدواء لو سمحت ، فذهبَ الصيدلي ليجلبَ له الدواء وأثناء المحاسبةِ، كانت نقوده ناقصةٍ، فقال له الصيدلي: لا تستطيع شراءَ الدواء أذهب واجلب نقودأ ، فأخذ الطفل يترجاه وأنه لا يملكُ غيرها ، أرجوكَ يا عمي أني محتاجً له، أعدك أنني سأجلبُ لكَ بقية النقود ، فبدأ الصيدلي بالغضب عليه والصراخ بوجهه ، والطفلُ مازال واقفاً يطلبه الدواء ، أخذت أساله" ياصغيري الا تملك غيرها ، فردَ علي" لا يا عمي فكما ترى حالي، ثم لو كنتُ أملك غيرها لما وضعت نفسي في هذا الموقف ، الفقر ياعمي يذلً صاحبه ، فسألته من مريضُك؟
قال لي: أمي منذ عدة أيام أتاها صداعاً شديداً ولم أستطيع أن أخذها للطبيب فتعيش على هذه المسكنات يخففَ عليها الألم قليلاً
فقلت له: أرشدني الى أمك .
فذهبَت معه للبيت لإرى حالاً من كل حالات الذلِ والتشردِ، نوافذَ مكسورة مغطاةً بقطع قماشٍ بالية وجدرانً متشققةٍ يدخل منها نور النهار
وأبواب شبه مغلقة على ساكنيها
حالاً يرثى لها
فوجدت الأم ملقاه على السرير متعصبة الرأس
هزيلة الجسد ممزقة الثياب
فقلت لها: هيا يا أختي سأخذكِ للطبيب
كادت لا تقوى على المسير من شدة الجوع والألم
أثناء الطريق سألتُ الطفل من أينَ تجلب قوتَ يومك
فقال لي: الجيران ياعمي يرسلونَ لنا بقايا طعامِهم فأجد بقايا لحمٍ ورز وبعض الفاكهه وخبزً مفتت
لا بأس ياعمي مازلنا على قيد الحياة
أي حياة ياصغيري ؟!
وعندما وصلنا للطبيب وبعد أطالته الفحوص وشكوكه حول حالتها وتغير وجهه
قال الطبيب: يجب ان أعملَ لها طبقً محوري حتى أتاكدَ من حالتها، فقلت هل هناك شي ؟
فردَ علي أتمنى أن لا يكون الذي شككتُ فيه
وبعد الفحوصات والتحاليل وساعات الآنتظار
خرج الطبيب وملامحه لا تبشر بخير
قالَ لي: إنها مصابه بسرطان الدماغ بالدرجة ماقبل الأخيرة وقد أنتشر المرض أنحاء جسدها
لعدم علاجها منذ البداية
وإن العلاج الكيماوي لا يجدي نفعاً فجسدها لا يحتمل الجرعات
دعها هنا وأطلبوا لها الشفاء والرحمةِ
سمعَ أبنها حديث الطبيب ولم يتمالكَ نفسه فأجهش بالبكاء
وأنا أخذتُ أفكر بصداعَ رأسي كيف لم أتحمل الألم دقائق
كيف هذه المرأة تحملته أياماً و شهوراً وصرفت على تلكَ المسكنات بدل الخبز، ليخفف عليها الألم قليلاً ،
عندما يكون الألم تسكينه جُرعات تموتُ فينا لقمةِ العيش.