ثقافة الوجع
بقلم الكاتبة / خلود المري *
عندما تحرضنا الأشياء من حولنا على الكتابة.. يكون بداخلنا شيء يتحرك يريد أن يخرج للسطح ليشاركنا به الآخرون.
قد يتفق الجميع على أن لا شيء يحرضنا على الكتابة مثل الوجع.. هذا القاهر الذي يجبرنا على تشويه الورق الأبيض بالحبر الموغل بالألم والوجع.. فهو يكسر قيود الصمت ويبدأ بضخ الحنين لتصوير الوجع الساكن أوردتنا إلى كلمات، يتحول بعده إلى مائدة دسمة للقارئ يترنم على صوت الوجع المحلق بين السطور ويحاول كشف أسبابه.
فثقافتنا هي ثقافة الوجع والاحتجاج، فإذا كان الوجع حاضراً ودائماً يكون حاضراً نحاول أن نتغلب عليه بالاحتجاج لننفس عن أرواحنا، فالإنسان العادي الذي يقرأ ولا يكتب ، حين يجد ألمه بين السطور مكتوباً وظاهراً للعيان سيحب كاتبه وكل أطروحاته ولك أن تتخيل كم عدد الكتاب المحبوبين سواء في العالم العربي أو الغربي أو غيرهما، قرأت الكثير من الروايات ذات الوجع فأحببت الكاتب الذي يصور الألم الإنساني بسهولة ويضرب أمثلة في منتهى الروعة لكي يضمن وصول ثقافة الوجع إلى المتلقي، ونحن نكتب عن الوجع صفحات، تستنفذ قدراتنا ولا تشبع الصفحات من وصف الوجع ولا يمل القارئ من قراءة وجعه أو وجع الكاتب وإن كان نادراً ولا وجع الضمير الإنساني الذي لا يتطرق إلى لون أو ثقافة.. الوجع وما أدراك ما الوجع؟
هناك من يقول إن الوجع يحس ولا يكتب، ولكني هنا أكتب الوجع بكافة صوره وأقول إن الوجع يكتب بحجم إمكانية تأثيره في النفس ولكل منا القدرة على التعبير عن الوجع سواء بالكتابة أو الدموع أو الصمت أو أي شكل من الأشكال ومستحيل أن نفي الوجع حقه لأنه أكبر من قدرات الإنسان ويتجدد بين لحظة أو أخرى، فالوجع كائن حي لا يموت أبداً والتعبير عن الحي يفتح أفاق عدة للتعبير لا أحد منا لا يشعر بالوجع والكل منا يقرأ الوجع فالثقافة لا تأتي إلا بالوجع وبالوجع يبدع المبدع في التصوير .
ومن هنا يصح لنا أن نقول إنَّ الوجع والألم الإنساني قادر بدرجة كبيرة على صناعة اللحظة الإبداعية، أو هو المحفز الرئيس لها، وهو المحور الذي تولد في حضنه لحظات الإبداع، ولكنه ليس الوحيد، أو ليس الحاسم والمستبد، وإنما قد تكون الغصة أكبر من الحلق، والدمعة أوسع من العين، ومن هنا تتأجل لحظات الإبداع الشفهي، ويعيش المبدع داخل وجعه إلى أن يُتيح له الوجع الخارجي رؤية الوجع الداخلي.
ويمكن تلخيص ثقافة الوجع في كونها تلك الثقافة التي تثير الألم في النفس، وتحرك المشاعر، وتدفع إلى الإبداع، وإلى الخروج من حالة الهزيمة واليأس. نجعل من الوجع ثقافة حين نُحوله إلى نصوص إبداعية تخفف من أعراضه.. وتحرك مشاعر الناس نحو مواجهة أسبابه والقضاء على مصادره.