قصتان قصيرتان
بقلم الأستاذ /خالد حمد العبيد*
(رحمة أب)
كان يغط في نوم عميق بعد رحلة سفر طويلة بصحبة ابنه الصغير والذي كان ينام بجانبه استيقظ الابن وقال بصوت متقطع:
أنا جائع يا أبي!
كانت هذه الكلمة كفيلة بأن توقظ الأب من مضجعه فما كان من الأب إلا أن يخرج من الغرفة وهو يردد:
أبشر..أبشر..ياولدي..!
خرج الأب مسرعاً يجوب شوارع المدينة بحثاً عن طعام يسد به رمق جوع ابنه أثناء البحث والدوران سرح تفكير الأب ورجع به إلى الماضي البعيد فأخذ يتساءل في داخله:
لو أني في بيت شعر وسط صحراء قاحلة واستيقظ ابني من نومه جائعاً وطلب الأكل ماذا سيكون موقفي؟ وماذا بوسعي أن أفعل في وسط بيداء لا أملك فيها حبة أرز أو قطعة خبز؟!
يا الله موقف صعب للغاية يا إلهي كيف عاش أجدادنا وكيف تحملوا العذاب الجسدي والنفسي ؟
ماذا لو كنت مكانهم....!!!
أقتل نفسي لا لا ففي القرآن يقول تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) ففي الآية نهي من الله عن قتل الأولاد خوفا من الفقر فمابالكم أن أقتل نفسي أنا الأب فأموت منتحراً تاركاً خلفي أبنائي يتضورون جوعاً فما كسبت الدنيا ولا كسبت الآخرة...
أثناء تفكيره وسفره مع خياله مر على أكثر من مطعم في تلك المدينة يقدم أكثر من نوع من الطعام...
وقف وقد أغرورقت عيناه بالدموع حامداً الله على نعمه وشاكراً له...
فلقد احتار:
ماذا يجلب لابنه من طعام؟!
وسابقا كان الرجل يبكي:
كيف يجلب لابنه الطعام؟!
(تعب أم)
كان بصحبته صديقه في السيارة فجأة رن هاتفه النقال فإذا بأمه تتصل رد مسرعاً:
أهلاً أمي...!
قالت له:
أأنت قريب من البيت؟
قال:
لا يا أمي أن بعيد خارج المدينة معي صاحبي ولكن ماذا تريدين؟
قالت الأم بتردد:
أنا تعبانة قليلاً وأريد المستشفى.
قال بلا تردد:
أخي الأصغر محمد في البيت نائم في غرفته أيقظيه ليذهب بك.
قالت الأم:
لا لن أوقظه فقبل قليل خلد إلى فراشه فأخاف أن أزعجه في نومه فيتعب جسديا ونفسيا.
وقفة:
أم آثرت أن يتعبها مرضها وتتعب دون أن توقظ ابنها فيتعب!
أي تضحية كهذه!
كم من الليالي أيقظك محمد وهو تعبان وكم من إشراقة شمس أشرقت عليك وأنت سهرانة لم تنمي لأن محمد تعبان...
لقد صدق المصطفى حينما سأله أحد الصحابة قائلاً:
من أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله؟!
فكان معنى جوابه صلى الله عليه وسلم أن كرر الأم ثلاثاً:
أمك...أمك...أمك..!