قارورة نحاس
بقلم الأستاذ / خالد العبيد*
تزوج في العام الذي أعدم فيه الرئيس العراقي صدام حسين بل في نفس الليلة أقصد ليلة الثلاثين من ديسمبر لعام 2006م.
كان زواجه مكلفاً كزواجات أقرانه من أهل الشمال حيث التكاليف الباهضة والتكلف في كل شيء بداية من المهر ونهاية بمراسم الزواج فالعادات والتقاليد والكرم بالدرجة الأولى هي من تفرض عليهم ذلك.
لم تكن موضات شهر العسل في ذلك الوقت السفر إلى خارج المملكة كتركيا و ماليزيا وإندونيسيا موجودة لأن الثقافة في ذلك الوقت لاتتجاوز حدود جدة عروس البحر مرورا بأخذ إطلالة من طريق الهدى بالطائف رجوعاً إلى عش الزوجية حيث الاستقرار إلى ماشاء الله.
في بداية الحياة الزوجية لأي زوج وزوجة لابد أن تكون البدايات (تقريباً) سعيدة مليئة بالفرح والسرور لدرجة أن المثل العامي يقول (أول أيام العرس ملس) أي أن أول أيام الزواج تكون ناعمة سلسة سهلة سعيدة لايشوبها أي منغصات وأيضاً من الأمثال الشعبية العربية والتي ليس من الضروري أن نؤمن بها قولهم (الزواج أوله عسل ووسطه كسل وآخره بصل) وأيضا
(الزواج أوله تدليل وآخره تذليل) المقصود أن الحياة الزوجية في البداية تكون كما أسلفت جميلة لسبب واحد وهو أن الأوراق لم تكشف بعد فكلا الزوجين يصطنع شخصية المحب المتيم فالزوجة جولييت والزوج روميو إلى أن تستيقظ المشاعر وتنتبه الحواس فيعودان كما كانا قبل الزواج وتعود شخصيتهما الحقيقية عندها تبدأ هناك حياة جديدة.
عندما يمر الزمن وتستمر الحياة ويعود الزوجان لطبعهما قبل الزواج تتولد المشاكل وتكثر النقاشات ولكن بطل مقالنا (الزوج) كان يؤمن كثيراً بسياسة (رفقاً بالقوارير) في التعامل مع زوجته وإدارة حياته الزوجية فكان كثيراً ما يعالج مشاكله الأسرية بتفهم وهدوء تام وكانت الزوجة تزيد من تغنجها وتدللها على حساب هدوء وتفهم زوجها والذي يتضايق كثيراً من عش زوجيته فيخرج مع أصدقائه إلى النزهات البرية ليروح عن نفسه ويفضفض لصديقه (المتدين) والذي يمتلك أربعة من القوارير فكان كثيراً ما يواسيه ويعيد ويكرر عليه (رفقاً بالقوارير) وكانت هذه المقولة هاجساً يزور الزوج كلما ضاقت بها الدنيا ذرعاً من زوجته فيتذكرها ويهدأ..
تكررت المشاكل على زوجنا وتكرر عناد زوجته واعتدادها برأيها وقساوتها وصلادتها ولم يحاول أبداً أن يقتني قارورة أخرى فهو مؤمن بأن القوارير ليست بالضرورة أن تكون من زجاج فالقارورة التي بين يديه من نحاس ولربما سقطت على رأسه في يوم من الأيام لتؤذيه فقارورة واحدة تسقط عليه خيراً من قارورتين حتى لايتضاعف الأذى.
مع كل ماحدث لهذا الزوج المسكين من مشاكل وحينما قابله صاحب الأربعة قوارير ناصحاً إياه أن يقتني قارورتين وثلاث وأربع قال الزوج بصوت عالٍ:
(يا أخي لست مستعداً أن أعيش حياة أخرى مع قارورة ثانية لا أدري إلى أي معدن تنتمي؟!)
ففضل أن يبقى مع قارورته النحاس إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا..