وراء كل حمار عظيم أتان..!
بقلم الأستاذ / خالد حمد العبيد*
يا الله الوقوف على الذكريات والرجوع إلى أطلالها شيء جميل وخاصة إذا كانت هذه الذكريات جميلة وسعيدة.
مما أذكره وحينما كانت بلدتنا بيوت طين ولا يوجد إلا (عيال النعمة) من يسكن ببيت شعبي أو مسلح كانت تلك الأيام هي قمة الترابط الاجتماعي بين أبناء البلدة وكان عبق (الكرمة )(لفظة حائلية بمعنى مأدبة العشاء..!!)
كان عبق رائحتها يفضح من قام بتجهيزها وكانت الرائحة تنتشر في أرجاء المدينة لتتوجه البطون والأيدي نحو ذلك البيت بلا هوادة أو استحياء لأنك ضامن أنك ستدعى للمأدبة ولأنفك الدور الأكبر في ذلك ..!!
في السابق كان الناس يستنشقون كل شيء بنقاء ويعود السبب في ذلك إلى صفاء ونقاء الجو وعدم وجود كوابح السيارات بالضبط قبل الانفجار التكنولوجي، وللأسف فالتطور الآن أخرس الأنوف وشل حاسة الشم عندها بحيث أننا أصبحنا لانفرق بين رائحة(( السنكرس )) و رائحة (( المارس))!!!
من الذكريات العالقة في ذاكرتي كانت الحمير وكم من حمار رأيت في صغري داخل حوش بيتنا وكأنه بلبل مغرد ومنظره اعتيادي جدا في البيوت لأن أغلبها بدون أبواب وإن وجد الباب فإنه ينفتح بمجرد توجيه النظر إليه.
نعم كانت أبواب الخشب المتهالك تسمح للحمير بالدخول في أي وقت على الرحب والسعة وكانت الحمير تتجمهر بالقرب من حاويات النفايات الفارغة متخيلة أنها نفايات بيل جيتس ...!!
كان التجمهر الاعتصامي للحمير يشبه إلى حد كبير تجمهر القطط في هذا الوقت وخاصة عند الزبالة والفرق بين القطة والحمار
أن القطة من آكلات النبات والحمار من آكلات اللحوم والعكس هو الصحيح..!!
وفي تلك الحقبة الزمنية الحميرية كثرت أعداد الحمير فأصبحت تشكل خطرا وخاصة أن بعضها كان ((يصقل)) بمعنى يركل بقوة بقدميه الخلفيتين، ناهيك عن التعذيب المستمر لهذا المخلوق الرائع الصبور فالشباب أذكرهم في ذلك الوقت يقومون بتعذيب الحمير فعاقبهم الله مستقبلا بعقاب أشد لأنه بهيمة والبهيمة كما تعلمون بهيمة...!!
في ظل هذه النتائج السلبية للحمير وما فعلته من فوضى عارمة وما فُعل بها أيضا قامت البلدية مشكورة في ذلك الوقت بحملة ضد الحمير أبادتها إبادة شاملة لا أدري كيف؟!
كانت طريقة تلك الإبادة وربما كان الحمار يؤخذ وتربط عينيه ويرمى في الصحراء أقول ربما حتى لايعود مرة أخرى ولايفكر إطلاقا بالرجوع إلى المدينة..!!
ذكر لي أحد الأخوان أن سعر الحمار الواحد هذا الوقت وصل في بعض المناطق التي لايوجد بها حمير إلى (( 1000 )) ريال كسعر أدنى.
أتمنى أن يكون هناك سوق يسمى سوق الحمير ..!!
أعزائي القراء لا أقول لكم إني من أشد المعجبين بالحمير وإنما هي من مخلوقات الله التي يجب أن مرفق بها فيكفيها فخرا أن الحصان من سلالتها حيث قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة )) وأيضا لاننسى أن الحمار ذكر في القرآن قال تعالى: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ))
وتفسير الآية أن بنو اسرائيل حينما نزلت عليهم التوراة لم يعملوا بمضمونها بل أهملوها فشبههم الله بالحمار يحمل كتب الفقه والعلم على ظهره مسافات ولايعلم عن محتواها أي شيء ...!!
وأيضا قوله تعالى:
(( اقصد في مشيتك و اغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير)) والحمار يتميز بالصبر على الجوع والعطش وعلى الأمور الصعبة كلها وله القدرة على التحمل وعدم الملل، فتجد صاحب الحمار يحمّل عليه ماشاء من الحمول الثقيلات ولايكل الحمار
ولايمل بل لربما مكث أيام بدون أكل في حظيرته بكل إهمال ومع ذلك فهو يصبر وإلا لما ظهرت مقولة :
من استُغضب ولم يغضب فهو حمار...!!
فهذا دليل صريح على صبر الحمار اللامحدود...!
وقد أخذ الحمار نصيبه أدبياً وسياسياً فمن ناحية الأدب فقد اهتم عدد من الأدباء والمثقفين بالحمير فكتب توفيق الحكيم (( أنا وحماري )) و (( حمار الحكيم )) كذلك كتب محمود السعدني (( حمار من الشرق )) ناهيك عن الخواطر والمقالات الأدبية الحمارية التي توضح لنا مكانة الحمار الأدبية..!
أما من ناحية السياسة فلا تخلو أي دولة من حزب يسمى (( حزب الحمير )) ويعتمد في سياسته على الديموقراطية ففي أمريكا (شرطي العالم) أتُخذ الحمار شعاراً للحزب الديموقراطي والفيل شعار للحزب الجمهوري وكل أربع سنوات صراع على كرسي الرئاسة بين الحمير والفيلة..!
معلومات عن الحمار :
-كنية الحمار أبو صابر وأبو زياد.
- أنثى الحمار تسمى أتان وأيضاً الحمارة و أم نافع، وأم تولب، وأم جحش، وأم وهب،
يقال (( استأتن الحمار )) أي صار الحمار أنثى ..
- مدة حمل الحمارة 11 شهر
- يعتبر يوم 6 أكتوبر من كل عام هو يوم الحمار العالمي .
* قال أحمد شوقي عن الحمار:
سقط الحمار من السفينة في الدجى * فبكى الرفاق لفقده وترحموا
حتى إذا طـلـع النـهـار أتت به * نحو الســفينة موجة تتقدم
قـالــت خذوه كما أتاني سـالما * لم ابتلـعـه لأنـه لا يهضم
أخيراً أتمنى أن يكون المقال قد حاز على رضاكم وأن تكون نظرتكم للحمير قد تغيرت..!!
واعلموا :
أن وراء كل حمار عظيم أتان عظيمة ..!!
لا أقول إلا :
بحبك ياحمار ..!!
همسة:
وللكُتّاب فيما يكتبون مذاهب...!!