الغريب
بقلم الأستاذة / سلوى الضلعي *
قال: صلى الله عليه وسلم (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) ، وفي هذه الوصية النبوية يوجهنا النبي عليه الصلاة والسلام إلى الاكتفاء من هذه الحياة الدنيا بما يكتفي به الغريب وعابر السبيل إذا مر على بلد لا يقيم فيه إقامة أبدية أي يأخذ على قدر حاجته ويمضي مكملا رحلته .
وليأذن لي القراء الكرام في الوقوف قليلا مع شخصية (الغريب) التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام ولنتأمل وضع هذا الغريب لو أنه أراد طول المكوث في البلدة ونسى موضوع الغربة وأراد المكوث قليلا في البلدة الغريبة عليه ليزرع فيها خيرا ويصنع لأهلها معروفا ويبلى بلاء حسنا في سبيل أن يترك أثر قبل الرحيل من البلدة ليكمل مشواره إلى بلده الأصلي في جنة عرضها السموات والأرض بإذن الله .. يا ترى ما هي العقبات التي ستواجه هذا الغريب التقي النقي ؟
بطبيعة الحال سيواجه عقبات اجتماعية فهو شخص غريب وتسيج مختلف عن مجتمع البلدة وسيظل هناك توجس كبير منه لاسيما من قبل الشخصيات النمطية المتمركزة حول نفسها فقط وإن كان هذا الغريب يملك المواهب والامكانيات العالية سيزداد التوجس والتخوف منه على مكانتهم الاجتماعية وربما يخشون أنه إن استمر هذا الغريب سيغلق عليهم مصالحهم الأخرى فيصبح وجود هذا الغريب مصدر قلق كبير لهذه الفئة الموجودة في كل زمان منذ عهد النبوة حتى تقوم الساعة ، وربما سعت هذه الفئة لتشوية سمعة هذا الغريب للخلاص منه إما عن طريق التشكيك في أمانته وكفاءته الشخصية فإن لم يجدوا ربما لجأوا إلى رميه بتهم لا علاقة له بها مثل فساد أحد قرابته أو التجسس على حياته الشخصية لعلهم يجدون ما يعيبه ليذيعوه في البلدة وينفروا منه الناس ومن أعماله الصالحة .
هذا هو حال الدنيا وهذا هو حال الغرباء المخلصون ... وهذه الابتلاءات التي يواجهها الغريب مع هذه النوعيات من البشر تجعله يستحضر في ذهنه دائما حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن الدنيا كلها بما فيها يجب أن نعاملها كغرباء ولا نتأثر بما قد يواجهنا من صعوبات واتهامات ومنغصات لأن الدنيا جبلت على النكد وليس الأنس والسعادة ، إننا يجب أن نتعامل مع الآخرين بروح الغريب ونحذر من الأدعياء والمنافقين كما يقال في المثل الشعبي ( يا غريب خلك أديب ) يعني لا تحاول أن تثير المشاكل بل اصبر واحتسب حتى لا يتضرر مشروعك الأخروي وحتى لا تقع ضحية لتلك الفئة السلبية التي تضخم أخطاء الغرباء وتتغاضى عن أخطاء الأقرباء .
أيها الغريب التقي يا من قررت المرور من هنا لتغرس خيرا وتمضي ، اجعل عملك لله ، وفي رضا الله . فعما قريب سنرحل جميعا عن هذه الدنيا وستجازى بعملك إن خيرا فخير وإن شرا فالله حسيبك وحسيبهم ...أيها الغريب استعن بالله ولا تعجز ..وتوكل على الحي الذي لا يموت .
* مشرفة تربوية و مدربة معتمدة ومستشارة أسرية