الطفل العربي في اليوم العالمي للطفل ،، يَنتظر منّا الكثير
بقلم الدكتورة / ناهدة الزهير*
حين يَحتفل المجتمع الدولي بيومِِ للطفل يُحدّده و يُخصّص له أجِندة عالمية من أجل طرحِ قضايا تلعبُ أدوارًا فاعِلة في تشكيل حاضر و مُستقبل الطفل في العالم بأسره، يستوقفني حاضِر الطفل العربي دون التركيز على كيف سيكون شكلُ المُستقبل الذي يَنتظره.
إنّ الطفل بحاجةِِ إلى الإحتفال به و الإحتفاء في كلّ يوم بلا استثناء. الطفلُ العربي على وجه الخصوص يُعاني من تقلّبات الكِبار على جميع الأصعدة و المستويات الجماعية والفردية. الطفل العربي لا يأبَه بالشعارات و الندوات و المؤتمرات لأنّه ببساطة لا يَفهمها و لا يَعرف كيف يستثمرُ فيها.
إنّ واقع الطفل العربي الواقِع بين الحُروب و الفقر و الأمراض و التشرّد و الخوف المُلاصق لهذا كلّه، يَجعل مِنه واقعًا لا يُبشّر بالخير لمستقبلِِ واعدِِ بتحقيق طموحاتِِ عالية الهمّة تُبنى الأوطان عليها و بتَحقيقها.
إنّك لتجدُ الطفل العربي حتى في احسَن حالاتهِ يَتخبط حين يَنسلخ عن هَويته العربية بالتغريب الذي هو مُتاح أمامهُ بمجرّد أنْ يَتصفّح العالم و هو ثابتُُ على كرسيّه، واضعًا يديه على جهازهِ الذّكي الذي يَشعّ من شاشتِهِ كلّ مُباح أو غير مُناسب. أصبح ظهوره في مواقع التواصل الإجتماعي مُنفردًا أو مع آخرين من أقرانه، أصبح ظاهرةً مُقلقة و تَحتاج إلى جهود صادِقة لإبعاده عن هذه المواقع التي يُساء إستخدامُها من الكبير فما بالك بالصغير.
الطفل العربي اليوم يُعاني مِن أمراض لم يَكن مُتعارف عليها في الطبّ قبل عشرين عام إلا عند الكبار، كسرطان العظام و الأمعاء و الدِماغ و حتى أمراض الدمّ و العيون و المناعة و سُكري الدّم و السُمنة.
الطفل العربي بحَاجة إلى الإحتِواء العاطفي و النفّسي من أجل النموّ السليم و ليس فقط حاجته إلى الطعام الصحّي و المَلبس النظيف. إنتشار التوحّد و العُزلة عند الأطفال أمران بحاجة إلى دراسةِ أسباب إنتشارهما و ترجيح الأسباب إلى أبعد من عوامل بيولوجية.
المجتمع و المدرسة و الأسرة، هذا المُثلث المُؤثر في الطفل، يُواجه تُهمًا كثيرة تنصبّ في دائرةِ رعاية و حماية الطفل من تحدّيات تواجه الكبار لكنّها تنعكسُ أيضًا على الصغار بشكل سَلبيّ في مُعظم الأحيان.
المجتمع ينفتح على العالم من خلال التقنية المُتاحة للجميع في كلّ الأعمار، و عليه فإن الرقابة على ما يُنشر أو يُعرض أمام الطفل شبه معدومة، و لا سبيل إلى ضوابط في العرض و الطلب إلا من خلال الإجتهادات الفردية.
شاهدتُ تقريرًا مصورًا عن دار مسنين في فرنسا كلّ من فيه سُعداء، بسبب ضمّ الدار لروضة أطفال شاركوا كبار السن حياتهم النهارية بكلّ عَفوية و بَساطة و نشروا البهجةَ في المكان.
المدرسة العربية لازالت تَنتهج نهجَ التلقين و لازال التلميذ و الطالب يجدُ الفرحةَ في أيام العُطل الرسمية و الإضطرارية، حتىّ أنّك تَجده يَفرح بالسيول الجارفة حين تتعطّل المدارس لتُغلق أبوابها أمام يومِِ دراسي جديد.
التعليم و التربية متلازمة منهجية بحاجة إلى إعادَة نظر في أركانها التي تَجعل منها ركيزةَ سعادة و ليس سَخَط عند الطفل.
في اليابان يُحدّدون شروطًا صعبة لقبول المُعلم في مهنة التعليم، لأنّهم يَرون أنّ مهنة التعليم جديرٌ بها فقط من يَستحقّها لينهضَ على يَديه الوطن.
الأسرة العربية في مُنحدر، و هذا المُنحدر يَجرف كلّ أفراد الأسرة بما فيه الأطفال. الهويّة العربية في خطر و القيَم العربية في تحلّل و الثوابت التي كانت خطًا أحمرًا لم تعُد كذلك.
إنّ انشغالَ الأبوين و بقية أفراد الأسرة من الكبار عن الطفل، جعله يَعتزل و يَتجنب الإحتكاك بالعالم الخارجي ( خارج مُحيط حُجرته أو رُكنه) إلى درجة إهمال الرياضات المتنوعة و اللعب مع الأقران و الأصدقاء في الطبيعة، مِن أجلِ مُمارسة حياة أشبه بحياة الكبار. أهيّ أحَد ضرائب التقنية!؟
تَفكّك الأسرة أيضًا يُشكلُّ ضغطًا على الطفل و على قُدرته على تحمّل أيامه المُثقلة. لا ننسى أنّ الطفل عجينة طريّة كما يحلو للكثير تسميتَه، و هنا علينا الإنتباه إلى وسائل تشكيل هذه العجينة بما يَجعل منه صلبًا قويًا و قادرًا في المُستقبل.
لستُ مُتشائمة بل إننّي أرى تفاؤلا إنبعثَ اليوم من تاريخ تزامَن مع مولِد خاتم الأنبياء و المرسلين صلوات الله وسلامه عليه. لستُ مُتشائمة لكنُني أدعو بكلّ أمانة أن نَجعل من أيام الطفل العربي القادِمة أيام خيرِِ و جمال، فهو يستحّق الرعاية الأسرية و التعليم المُتطور، يستحقّ الصحّة و العافية لبدَنِه و الفَرح و الإنطلاق لطفولته.
الطفلُ العربيّ هو الأملُ العربيّ
و هو الغَد الذي ننتظرُ توَهُجه في سَماء العالم . العَصر الذهبي لأجداد الطفل العربي و الطفل المُسلم سَيعود بفضل الله تعالى على أيدي الأجيال القادمة.