فُضول الدَماغ ... بين الحاجَة والإدمان
بقلم الدكتورة/ ناهدة الزهير*
يُقال "أنّ المعرفة هي القوة". و نحنُ في كلّ يوم ( على مواقع التواصل و الفضائيات ) نتعرّض إلى كمِِ هائلِِ من المواد المعرفية و الحياتية العملية و المعلومات الغير مُفيدة و الضّارة في أحيان كثيرة. السؤال الذي يُسقَط على هذه الحقيقة : هل نحنُ حقًا بحاجةِِ ماسّةِِ إلى كلّ هذا الكمّ الهائل من المعلومات و الأخبار ؟ و إلى أيّ مدى تصِل مَقدرة العقل البشري على استيعاب هذا كلّه حين يُعرض عليه ؟ وهل أصبحت الأدمِغة مُشوّشة غير قادرة على التوقف عن طلب المزيد من المعلومات؟
مِثل هذه الأسئلة بَحثتُ فيها فوجدّتها مَطروحةً في بحثِِ (باللغة الإنجليزية) من جامعة برينستون و ستانفورد معًا في دراسةِِ بعنوان" البحث عن المعلومات الغير مُجدية و سوء استخدامها " و كانت الدراسة قد شَملت فريقين من المتطوعين عُرضت عليهم نوعين من المعلومات؛ نوع مُفيد و صاحبَه أسئلة حول المعلومات، و نوع آخر غير مُجدي ولا يُساعد على الأسئلة المُصاحبة له (تُراهات)
خلاصة الدراسة تؤكد الآتي:
العقل البشري يَكره عدم اليقين، و لا يُرحّب بالشكّ في تلقّي المعلومة، فالمعلومة الناقصة أو المشكوك فيها حين تَصل إلى الدماغ يتوقف مُستنكرًا "إنّ البيانات غير واضحة". هنا يَبرُز فضول الدماغ لمعرفة الحقيقة كاملةً. هذا الفضول الفطري مُفيد لإعادة صياغة المعلومة. لكنّه فضول مَشروط بعافية الدماغ و سلامته من التشويش.
عندما تكون البيانات مفقودة فإننا نُبالغ في تقدير قيمتها الفعلية. نحنُ لدينا هوس لنملأ فراغ المعلومات لتكتمل الصورة حتى و إن كان على حساب مبدأ أو قيمة أو وقت .
تُعرّف عصبية المعلومات بأنها "الإدمان" من أجل الوصول إلى كمال المعلومة. و التعلّم مُرتبط بإفراز "الدوبامين" و هو مثل "الكوكايين" القويّ المفعول. لذا فاستمرار الإفراز يُعتبر السبب في أننّا مدمنون و بشدّة على تَصفّح الأخبار على مواقع التواصل الإجتماعي و الفضائيات و شبكة الانترنت، لأننا في بحثِِ مُستمر عن الخبر و المعلومة، بغضّ النظر عن نوعية المعلومة أو أهمية الخبر.
كلّ "نقرة" على موقع أو قناة ستجلبُ لنا إجابة مُعينة عن أمرِِ ما و اكتشاف جديده. و لهذا تجد من أدمنوا على تتبّع أخبار فنان أو مشهور على برنامج السناب مثلًا أو تويتر، أو من أدمنوا مُتابعة كلّ صغيرة و كبيرة حول أحدث صرعات التجميل.
العقل البشري في وقتنا هذا يمتصّ قدر كبير من "هراء" المعلومات و يستوعب الأفكار الغير مجدية و الغير مفيدة، و ربما على حساب ما هو ثمين و مُجدي و مهمّ كالوقت و الصّحة.
السؤال: هل نحتاج حقًا كلّ هذا الكم الهائل من الأخبار و البيانات ؟ و هل من وسيلة آمنة يتخلص بها الدماغ من حالة إدمان البحث إلى عقلانية المعرفة ؟
خُلاصة الخُلاصة: البيانات المعرفية المُفيدة و النافعة و التي تُنشّط الذاكرة و تُنمي المهارة، ستكون للدماغ صحّة وعافية و يستقبلها تاركًا الإنسان في حالة ثابت. أمّا البيانات الفارغة من المضمون و التي لا تُضيف المُفيد و النافع لذات الإنسان فإنّ الدماغ يستقبلها و يتعامل معها بعصبية (إدمان) لأنها تترك الإنسان في حالة عدم إتزان، يُواصل البحث عن المزيد من المعلومات .. و هَلُمّ جرًا.