كيف يكون الأكثر ذكاءً ؟
" نظرةٌ في جانبٍ من النفس الإنسانية " *
بقلم الكاتبة / عابده الخرمي
في رواية الأبله .. كان لدوستويفسكي وصف مفصل عن العديد من الشخصيات وكل شخصية بما تحمل من أفكار وحالات نفسية ودوافع مختلفة من واحدةٍ لأخرى..
حين تطرّق إلى الشخص العادي وكلّ ما على الأرض يضجّ به وتكاد لا تمتلئ إلا بالأشخاص العاديين لذا من المستحسن على كتاب الروايات ألّا يغفلوا عن جانبٍ كهذا ويختزلوا كلّ الصفات الحسنة والسوية في نفسيّات أبطال رواياتهم حينئذ تصبح الرواية بعيدة كلّ البعد عن الواقع
في الأشخاص العاديين الذين تتّسع الأرجاء بهم هناك فئتين
أولاهما فئة الأفراد المحدودين والأخرى الأكثر ذكاءً
أما الأولى فإن نفوسهم مطمئنة وخطراتهم آمنة غالبًا وقد تصل لأوج السلامة مع نفسِها ما إن تحسّ مجرد إحساس أنّها قامت بعمل حسن واحد فهي ترضى بالقليل
وحتّى لو أدلت برأيٍّ ما وغلب على ظنّها أنّه نابت من فكِرها وفي الحقيقة ربّما قرأته في كتاب ما
وأنّها تملك عاطفة طيبّة إذًا فهم مطمئنون لذلك
ويرى نفسه أنه إنسان فذٌ وأصيل
مثلما تضع الفتيات عدسات لاصقة زرقاء على أعينهنّ ويعتنقون مذاهب شتّى
حتى ترتفع نظرتهن لأنفسهم كالأزاميل الرهيبة ..
أما الأخرى الأكثر ذكاءً فكان جانيا في هذه الرواية ينتمي إليها وهم الأشخاص الذين يعلمون علمًا أكيدًا أن في عقولهم شيء من العبقرية بل قدرٌ كبيرٌ منها لكنّ الشك يأكل نفوسهم مثل دودة تظلّ تأكلهم من الداخل لذا فهم أشقى بكثير من الفئة الأولى وهؤلاء يظلون طول حياتهم يبحثون عن التفرد والأصالة وحتّى قد تهوي بهم في حقارات تلو أخرى فلا يرتدعوا عنها أبدا ما دامت تحقق لهم مآربًا ترقى بهم .. لكنّهم كما قال عنهم دوستويفسكي : " على الأغلب حياتهم ستنتهي بمرضٍ في الكبد"
ومما في هذه الفئة أيضًا لو عملوا شيئا حسنًا وجميلا لا يطمئنهم كالفئة الأولى التي ترضى بعمل القليل بل بالعكس يجعلهم يغضبون أكثر ويرون أنهم قد أضاعوا كلّ حياتهم دون الوصول لشيء .. وهؤلاء ما يميزهم هو أنهم يظلون طول حياتهم يبحثون عن هذا الشيء الذي لم يتوصلوا إليه وتحرقهم الرغبة لبلوغه
بل يقولون :" لو أننا ملكنا وقتًا لكنّا نحن من اكتشف البارود أو أمريكا "
* قراءة من رواية الأبله ، للصفحات ( 256 _ 255 _ 254)