نحو مجتمع ارقى
أحرار أم عبيد؟!
بقلم الدكتورة / نجوى مرضاح المري*
أصبحت قنوات التواصل الاجتماعي تضج بأفكار و اتجاهات مختلفة مابين النسوية و الليبرالية و افكار لم نعهدها من قبل حيث اصبح الشعب يقسم نفسه الى وهابي و نسوي و ليبرالي و رافضي و سني في الوقت الذي لابد لنا ان نتحد لنواجه الأعداء المتربصين بِنَا في الداخل و الخارج. ماذا حدث لنا ؟ اصبحت مبادئنا مهزوزة و اصبحنا مع الخيل يا شقرا سويعة مع هذا و سويعة مع ذاك. المؤسف ان نرى البعض ،ان لم يكن معظم، المطالبين بهذه الأفكار كحرية المرأة وإسقاط الولاية و من قبلها قيادة المر أة للسيارة يسبون كل من خالفهم و ينعتونهم بالوهابيين المتزمتين و نسوا ان الدين قد يكون بريء من بعض القوانين وأنها وضعت لحاجة المجتمع و تقاليده. اصبح ديننا الذي من المفترض ان نكون فخورين به و نذب عنه و نقف في وجه كل من أراد تشويهه او المساس بِه شماعة لهؤلاء اصحاب الأفكار و التوجهات الجديدة. فهذه تعلن الحادها لانها كما تدعي لم ينصفها الاسلام و آخر يلحد لانه لم يقنعه الاسلام و أخرى تعاند مجتمعها و قبيلتها بشربها الحشيش والخمر وممارسة المنكر لانها شعرت بالاضطهاد و العنف من اسرتها و نسيت انها تتمرد أيضا على تعاليم دينها.
ما ذَا حدث لنا؟ لماذا أصبحنا نخلط الحابل بالنابل و اصبحنا هشين ليس لنا مباديء ثابته و قيم نعتز بها و نعتبرها خطوطا حمراء يصعب لأي احد مساسه؟ فكرت كثيرا في جذور هذه المشاكل و التخبط الذي نراه من حولنا و وجدت ان سببه هو العقلية المتخلفة التي اثارها احد الكتاب في كتاب تناول التخلف من سيكولوجية الشعب المقهور. أوضح الكاتب ان من سمات العقلية المتخلفة اضطراب منهجية التفكير و قصور الفكر الجدلي الذي يسبب عجز عند الانسان (المقهور خصوصا) تجعله يتمسك بكل ما يناقض واقعه و يتمسك به. الذهنية المتخلفة تغرق في التخبط و العشوائية عاجزة عن الخوض في تحليل الظواهر عمقا و اتساعا و من ثم تواجه صعوبة ربط جوانب الظاهره بعضها ببعض و تراها فقط من جانب واحد قطعي تحيزي.
فلماذا نحن نعاني من العقلية المتخلفة؟ نوعية التعليم في الوطن العربي له دور فعال في نشر العقلية المتخلفة فاصبح التعليم قشره خارجية تبطن العقل المتخلف و يمكن ان تتساقط هذه القشرة في اي وقت اذا تعرض الشخص للاهتزاز. فالتعليم قائم على التلقين إجمالا فالطالب يجهل كل شيء و يفرض عليه دور التلقي فقط دون مناقشة او تشجيع على التفكير النقدي او الجدلي. انها حلقة من حلقات القهر التي تُمارس على الشخص على مستوى المدرسة ناهيك عن الاسرة و المجتمع الخارجي. و لا ننسى ان ننوه ان التعليم يعاني من الانفصام بين لغة العلم و لغة الحياة اليومية فليس هناك ربط مابين ما يتعلمونه و حياتهم اليوميه. و على ذلك تكون النتيجة قصور منهجي و جدلي في التفكير مع الشعور بالتسلط و القهر الذي يولد تغلغل الاٍرهاب حتى اعماق النفسية كأسلوب وحيد لتصور العالم المحيط و هذا ما يولد مقاومة عنيدة و خطيرة للوضع الراهن و تشبث باي فكر مضاد تجد فيه العقلية المتخلفة حلا لكسر القيود و التحرر من القهر. فالبعض يرى من النسوية الخلاص و البعض يرى من الليبرالية المنقذ و البعض رأى من الاٍرهاب الطريقة المثلى للتصدي للعالم من حوله.
فيجب علينا ان لا نلوم شبابنا فنحن نعاني من قصور في تربيتنا و في طريقة التعليم و المناهج التعليمية التي لم تربط التعليم بالواقع و لم تعدهم الى انفجار المعلومات في مواقع الانترنت و كيفية التمييز بين الصالح والطالح؛ لم نعدهم لمواجهة الأفكار الدسيسة المسيّسة المنتشرة في قنوات التواصل الاجتماعي لتغيير شبابنا و هدم اهم موارد المجتمع، لم نعدهم على التفكير الجدلي المنطقي لمواجهة هذه الأفكار فنجدهم مسيرين غير قادرين على الدخول في اي نقاش جدلي الذي بدوره يوضح قوة فكر النظير و ثبات حجته. معظم هذه الأفكار تظهر من قشورها انها تخاطب حقوق المجتمع والمرأة لكن حين تغوص بها تجد الغرض منها هو استئصال قيمنا، فمنها من يدعو بطريقة غير مباشرة الى الإلحاد و منها من يدعو الى التمرد و العصيان على المجتمع و الاسرة والدين. و لهشاشة العقليات و عجزها عن التحليل و تعودها على كونها متلقية فقط نراهم ينغمسون بسرعة و يتأثرون بمن حولهم خاصة اذا الموضوع يمس جرحا كان وليدا لقهر تم ممارسته عليهم بشكل مباشر اًو غير مباشر.
اخيراً أقول لكل من رأى في هذه التوجهات الخلاص و يشيد بحريته في اعتناق ما يراه صائبا ان يراجع نفسه فالمسألة ليست بكونه حرا في اعتناق ما يريد و لكن في عبوديته و سيره اعمى وراء أفكار و توجهات من غير تحليل او تنقيب لهدفها. فيا من ادعى الحرية راجع نفسك فقد تكون عبدا تعاني من عقلية متخلفة وانت لا تدري. مجتمعنا بحاجه الى احرار معتزين بقيمهم مهمتهم بناءه و محاربة الأفكار الهدامة بعقلية حره، واعية متفتحة قادرة على التحليل و التمييز و التوليف ليس بالانسياق كالعبيد.
1 ping