نحو مجتمع أرقى.. .
كلنا خطاؤون!!
بقلم الدكتورة / نجوى المري
في قصة العابد الراهب برصيصا أكبر المواعظ و العبر. كان العابد شديد الإيمان بالله حتى أنه قيل أن الشيطان حاول إغواءه عدة مرات ولكن باءت محاولاته بالفشل مما أدى إلى غروره بنفسه و ظنه أنه وصل من القداسة لدرجة أن الشيطان لا يقدر عليه.
و في يوم، مرضت بنت الملك الحاكم في تلك الفترة و قصدوا الراهب ليعالجها ظنا منهم أن مرضها بسبب أرواح شريرة . فطلب منهم الراهب أن تظل عنده لمدة ثلاثة أيام ليتم معالجتها بشكل متواصل. للأسف، زين الشيطان بنت الملك في عين الراهب و نسي قداسته و خوفه من ربه و اغتصب الفتاة و بعدها شعر العابد بجرم فعله فقتلها حتى لا أحد يعلم عن جرمه و حين قدوم الحرس للسؤال عن الأميرة كذب و قال لقد هربت و لم أجد لها أثرًا.
فماذا نستفيد من قصة العابد برصيصا؟!! طبعا سنجد الكثير ممن يقول أن العابد الصالح أغوته الأميرة و يرمي كل اللوم على هذا الكائن البشري و كالعادة تتحول المرأة بما فيها من لحم و دم و إحساس إلى مجرد قالب للعقد و الرغبات و الإحباطات المكبوتة. كما هو معروف في مجتمعاتنا إن المرأة دائما مذنبة و ذلك لأن المجتمع اختزلها إلى أن تكون جسدًا فقط فوقوع الرجل في الحرام سببه الأول و الأخير هو هذا الجسد؛ ولكن نسينا أن الله سبحانه و تعالى قال " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ" فلا يجوز رمي الملامة على المرأة بسبب قيود فكرية لم ينزل الله بها من سلطان للتخفيف من جرم الرجل. هذه النظرة المجتمعية للرجل والمرأة جعلتهم في حرب دائمة فالرجل يحاول السيطرة على المرأة و المرأة تبحث عن أساليب للنصر فتستغل صبرها تارة و ضعفها تارة أخرى لتصل إلى مآربها.
قصة الراهب تعطي كذلك درسا مهما لهؤلاء المتماهين. التماهي هي صفة يسعى لها الإنسان المقهور لحل انعدام شعوره بالأمن و التبخيص الذاتي لبناء هويته من خلال التشبث بأشخاص يكونون المثل الأعلى. فالمجتمع دائما يسقط على بعض من حفظ آيات من القران أو الحديث طابع القداسة وأنه من المستحيل وقوعهم في أي خطأ فيبالغون في محبتهم أو الخشية منهم. و لذلك يكون كلامهم مسموع و حديثهم مصدق كما حدث في قصة الراهب الذي زنا و قتل و كذب و لكن الناس صدقوه لأنهم مؤمنين بقدسيته اللامتناهية. ومن هنا لابد لنا أن نقف لوهلة، فما يحدث في المجتمع من اهتزاز صور بعض رجالات الدين أصبح كصفعة لمجتمع كان تفكيره مقيد بصورة معينة لهم فأصبح شبابنا فاقدين الثقة برجالات الدين لإخفاق أحدهم أو تزعزع الصورة النمطية المجتمعية لأحدهم هذه الصورة التي تصل في بعض الأحيان إلى حد المبالغة "العصمة من الخطأ والقداسة ".
ومن جهة أخرى، نرى الكثير منا يلمز هذا و يقذف هذه و يبالغ في الكلام على أحدهم لارتكابه فعل معين فهذه تظن نفسها مريم العذراء و تسقط أنواع و أشكال الويل و القذف لإحداهن لوقوعها في ذنب ما مغترة بطهارتها و أنها لم و لن تأتي بفعلها في يوم من الأيام و نسيت أننا جميعا خطاؤون و أن نبينا يوسف عليه السلام همٌ بإمرأة العزيز لولا أن رأى برهان ربه. فرفقا بأنفسكم و رفقا بالغير فألله وحده الكفيل بعباده و ما خلقنا لمحاسبتهم بل فقط لعبادته.
4 pings