التبولة!!!
بقلم الأستاذ / خالد حمد العبيد*
لم أكن أتوقع أن (التبولة) بكل أناقتها ونعومتها تعتبر من أقدم أنواع الأكلات على وجه الأرض بل توقعتها من اختراع أحد مطاعم حي الروشة في بيروت!!
صدمتني معلومة عن (التبولة) حيث عرفتها البشرية أيام الكلدانيين وهم أحد الشعوب السامية والتي عاشت في بلاد مابين النهرين وذلك في الألف الثالث قبل الميلاد.
ولم يعرف اللبنانيون (التبولة) والذين اشتهروا هم فيها واشتهرت هي فيهم إلا بعد الفتوحات الآشورية.
وتعود كلمة (تبولة) إلى جذرها الثلاثي للفعل (تبل) وتأتي بعدة معاني حيث أن (تبَل) بفتح الباء بمعنى خلط الشيء أما (تبّل) بتشديد الباء فهي بمعنى أضفى و وضع يقال (تبّل الطعام) أي أضفى عليه التوابل لتحسين مذاقه وتعزيز نكهته كذلك يقال (تبّل الحديث) أي أضفى عليه شيئاً من المتعة والطرافة لجذب انتباه المستمع والمتلقي.
ونقول في العامية (بهّر السالفة) بمعنى كذب وأزاد فيها ماليس فيها وبهّر لايختلف كثيراً عن تبّل في المعنى.
ولمن لا يعرف (التبولة) فهي سلطة شرقية متوسطية شامية تعتبر من أطباق (المزة) أو (المقبلات) أكثر من اشتهر فيها هو المطبخ الشامي بوجه عام والمطبخ اللبناني بشكل خاص والذي نقلها إلى البرازيل والدومينيكان فاشتهرت هناك بسبب المهاجرين.
كانت (التبولة) سابقاً و في تلك العصور الأولى (الكلدانيين) لاتقدم إلا في بلاط الملوك ولكبار القوم فقط إلى أن أصبحت في القرن العشرين طبقاً عادياً بل ليس رئيساً إنما يعتبر (مقبلات) تقدم على طاولات طعام الفقراء فهذه عبرة لكل متكبر فما طارت (تبولة) وارتفعت إلا كما حلقت وقعت!!
فحذاري من الكبر والغطرسة كي لاتسقط في غياهب التاريخ مثل (التبولة).
*مكونات التبولة:
•المكون الأول:
(البقدونس)
وهو الأهم في تكوينها ولا يمكن أن يستبعد عنها أو تستغني هي عنه فلا يمكن أن نسمي (التبولة) (تبولة) إلا بوجود (البقدونس) وهو بالضبط مثل الدين عند الإنسان حيث أنه الأساس في تكوينه فلا يمكن أن نسمي (الإنسان) (إنساناً) إلا بالدين.
•المكون الثاني:
(الطمامطم)
والذي يشكل الجزء الثاني المهم في تكوين (التبولة) مثله مثل الكرم في الإنسان يأتي من وجهة نظري بعد الدين مباشرة.
•المكون الثالث:
(النعناع)
وهو مايضفي على (التبولة) الرائحة الطيبة والزكية وأرى أن مثله مثل الكلمة الطيبة عند الإنسان فالكلمة الطيبة عند الإنسان تعبر عما بداخله وتظهر ما يجول في أعماقه لتكتشف ذاته أمامك فإن كان طيباً كانت كلمته طيبة وإن كان خبيثاً كانت كلمته خبيثة.
•المكون الرابع:
(الليمون)
والذي يعطي (التبولة) الطعم الحامض والمميز ويوازيه عند الإنسان الغيرة فالغيرة من أهم ما يكمل معالم الإنسانية ويضفي عليها طعماً آخر حامضاً لكنه مهماً.
•المكون الخامس:
(الملح)
وهو ركيزة مهمة لمساندة بقية المكونات مثله مثل النخوة عند الإنسان فالنخوة والتي توازيها الشهامة لايمكن أن يتجرد منها الإنسان أبداً فالإنسان بلا نخوة إنسان ميت روحيا حي جسدياً.
•المكون السادس:
(زيت الزيتون)
وهو من المكونات المهمة أيضاً ومثله مثل لين الجانب عند الإنسان فالإنسان إذا كان لين الجانب تقبله الناس وأحبوه وأطاعوه فلين الجانب من الصفات التي تميز بها الأنبياء والرسل صلوات ربي وسلامه عليهم.
•المكون السابع:
(البرغل)
وهو ماتم إدخاله من ضمن المكونات مؤخراً ولا يعرف أحد بالضبط متى تم إدخال البرغل إلى خلطة التبولة ويرجح أنه تم في العصر المملوكي في سهل البقاع بسبب انتشار زراعة القمح فيه ويوازي البرغل جمال المظهر ونظافة الجسم والملبس فبهما تكتمل الإنسانية خاصة إذا كان الإنسان نظيفاً من الداخل وخالياً قلبه من الحسد والحقد.
إذاً وآخراً لو افترضنا أن نقتبس من التبولة المكونات التي ذكرنا ونجعلها صفات للإنسان فالدين والكرم والكلمة الطيبة والغيرة والنخوة والشهامة ولين الجانب ونظافة الجسم والملبس فهذه الصفات إذا اجتمعت في شخص واحد حتماً سيكون (طبق تبولة) لذيذٌ جداً!!