أبو معتز ؛ كلنا ألم
بقلم الكاتبة / سلوى الجهني
المدرسة دار العلم والتربية , وهي البيت الثاني لأبنائنا من عمر الست أعوام إلى عمر الثمانية عشر عاماً , يقضي الطالب فيها ما يقارب ثلث عمره , يتعلم فيها بداية أبجدية العلوم والتربية والسلوك الحسن , وينهل منها بتدرجه بصفوفها المعرفة والآداب العامة , وفي كل عام دراسي يتعرف على أصدقاء جدد , يتشاركون الطعام واللعب واللهو في الفسحة والحصص العملية .
ومن سنن ربنا في الخلق اختلاف اهتمامات وأفكار وتوجهات كل إنسان عن الاخرين , فقد تكون متوافقة جزئياً مع الاخرين او مختلفة عنهم تماماً , ويُلاحظ هذا أيضا ضمن أفراد الأسرة الواحدة , وهذا التنوع ضرورياً لاستمرارية الحياة , وإلّا أصابها الجمود والموت , فتغير الطباع يعني ديناميكية وإبداع . وأكثر ما يؤثر على سلوك الطفل في سنواته الاولى من عمره , بيئته وخاصة أسرته فيتعلم منها عاداتها وسلوكها , سواء كانت سليمة أو مُعوجّة , وهذا السلوك ينسحب معه إلى مدرسته , لأنه أصبح جزءا من شخصيته , وبسبب ضغوط الحياة والظروف المادية الصعبة لبعض الأسر, فإنها تضطر إلى التغاضي عن بعض الأخطاء والتقصير في المدرسة تجاه ابنها , متوكلة على الله أولا , وعلى أمل أن تتغير الأحوال أثناء العام الدراسي للأفضل , وهذا بلا شك يؤدي إلى تذمر وتنمر بعض الطلاب , وربما يتنامى هذا التنمر مع كثرة الضغوط فتحصل المشكلات , وبإهمالها تصبح عصيةً على الحل وتحصل الكارثة , وهذا ما حصل لمعتز , لذلك يجب أن نبادر من البداية بادراك المشكلة والتصدي لها وحلها ,. فالتنمر , سواء من بعض المعلمين او من بعض الطلاب , يزداد كماً ونوعاً , ولا يشعر به إلا من يقف بالميدان .
فلنُحثّ الخُطى جميعا معلمين وطلاباً وأسراً , لنقضي على مشكلة التنمر لدى المعلمين والطلاب , بتعزيز قيم التسامح والعطاء وبترسيخ الأخلاق الحسنة , لنرتقي بأبنائنا ومجتمعنا إلى مستوى أخلاقنا الإسلامية السمحة القائمة على المحبة والتفاني . لذلك أقدم بعض المقترحات للقضاء على ظاهرة التنمر , وأرجو الله أن يوفقنا جميعاً لما يُحب ويرضى :
1 - تخفيف العبء على المعلم وعدم تكليفه إلا بالمهمة الموكلة اليه , سواء بمجال التعليم أو الادارة , فالمعلم الذي يبقى واقفا أثناء الحصة ويشرح الدرس يكون مرهقاً , وبحاجة الى الفسحة ليرتاح قليلاً , وكذلك الاداري المكلف بأعمال ادارية لا يمكنه اعطاء من وقته للطلبة لأن فكره يكون مشتت بين اعماله اليومية على مكتبة . وتطبيق هذا الأمر يتطلب فرض عقوبات رادعة على أي مَدرَسَة حكومية أو أهلية تخالف تلك التعليمات .
2 – تخصيص بعض الحصص لتعزيز العادات والسلوكيات الحسنة وكيفية التعامل مع الآخرين وتعزيز قيم المحبة والتعاون بين الجميع , وبيان الأثر السيء للمشاجرات على العلاقات الاجتماعية , وضرورة اهتمام الجهاز الإداري بأي شكوى من أي طالب , ويُستحسن منح جائزة أو مكافأة لكل طالب ينهي عامه الدراسي بسجل حسن سلوك خال من أي تنبيه أو انذار .
3 – تشجيع المعلمين والمرشدين الطلابيين , على مراقبة الطلاب ومتابعتهم بالحصص الدراسية وأثناء الفسحة بالساحات والملاعب , وإبلاغ الإدارة عن أي طالب يلمسوا لديه تنمرا أو سلوكا عدوانيا , ليصار إلى حل مشكلته وبالتعاون مع أسرته .
4 – ضرورة تفرغ المرشد تفرغاً كاملاً لعمله بالإرشاد مهما كان عدد الطلاب بالمدرسة , وعدم اشغاله بأي مهمة أخرى , وكذلك يُطلَب منه متابعة سلوك الطلاب من خلال تفقد احوالهم بالفسحة , او من خلال استفساره من المعلمين عن بعض الطلاب ممن لديه ميولاً عدوانية , ويتوجب عليه توعية الطلاب بتوجيههم للسلوك الحسن والتصرفات الجيدة , سواء بحصص الفراغ , أو بجزء من أي حصة , أو أثناء الطابور الصباحي , مع التركيز على الطلاب المشاغبين وعلى انفراد .
5 – زيادة عدد المرشدين بكل مدرسة , وتوظيف مراقبين ومتابعين للطلاب من لحظة دخول اول طالب الى المدرسة , إلى لحظة خروج أخر طالب منها , وعدم تكليف المعلمين بهذا الأمر .
6 – تجهيز المدرسة بفريق للأنشطة الرياضية والفنية والبرامج والدورات التثقيفية المفيدة والممتعة .
7 – تجهيز المقاصف بالوجبات الصحية وبالسعر المناسب لجميع الطلاب , وذلك بالتعاقد مع جهة متخصصة بتقديم الوجبات المدرسية , مع مراقبتها من اجل التقيد بالبرنامج الصحي للطعام بعيداً عن المأكولات الضارة .
8 – ضرورة ضبط المعلمين والإداريين لكلماتهم مع الطلاب , وأن تتسم مفردات كلامهم باللين واللطف بعيداً عن السب والشتم والكلمات الجارحة , وأن يتجنبوا التعنيف والضرب حتى أثناء توبيخ الطلاب أو معاقبتهم, بل يتوجب على الادارة والمعلمين رفع معنويات الطلاب وتعزيز ثقتهم بنفسهم , والمساعدة في حل مشكلاتهم سواء المدرسية أو الأسرية , وتطبيق مبدأ ( لا تكن لينا فتعصر , ولا قاسيا فتكسر ) .
9 - لنرتقي بمجتمعنا ورفعته , ضمن رؤية 2030 وليكن شعارنا (لا تنمر بمدارسنا ) , لا بد من تعزيز العلاقة بين المدرسة وأُسر الطلاب عموماً , من خلال الاجتماعات الدورية وورش العمل , والمبادرة سريعاً الى حل أي مشكلة لأي طالب , ويُستحسن التواصل الدائم بين الادارة والأسرة , وخاصة الأُسر التي تعاني من مشكلات , أو الأسرة التي يكون ابنها مشاكساً ومشاغباً .
وأخيراً , , ,
رسالتي إلى أبي معتز ؛ لست وحدك من فقد معتز , جميعنا فقد معتز , فحادثة معتز أوجعت كل أسرة في مجتمعنا , وهذه الحالة الدخيلة والشاذة والغريبة عن مجتمعنا يجب أن نتصدى لها جميعا , لنستأصل جذورها وعدم تكرارها .
فاللهم ارحم معتز واغفر له , وتقبله قبولاً حسناً في الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصديقين , وحَسُن أولئك رفيقاً .
وعظم الله أجركم وأحسن عزاؤكم , وإنا لله وإنا إليه راجعون .