أحمد حسن قباني!!!
بقلم الأستاذ / خالد حمد العبيد
عددنا في الصف الخامس (ب) في مدرسة الثقافة الابتدائية بمحافظة بقعاء ثلاثة وعشرون طالباً كان ذلك في العام الهجري 1408هـ موادنا كثيرة ومعقدة حيث كنا نتناول جرعات تعليمية ثقيلة ومفيدة في نفس الوقت ولكن هناك مادة التربية البدنية والتي اتفقنا كلنا على حبها بالإضافة إلى حب معلمها الخلوق الأستاذ (عبدالله) فهو يشاركنا اللعب في الملعب وكان كل طالب يحصل على الكرة يمررها باتجاه المعلم لا من أجل الدرجات ولكن لكي يقال عنه أنه ( فنان كرة ) ولا يتعامل إلا مع الكبار.
بعد مادة التربية البدنية والتي نقضيها بلا شك في الملعب نتجه جميعاً إلى الفصل ويعود كلٌ إلى كرسيه وطاولته بأمن وسلام وأدب ويستمر اليوم الدراسي منتقلين فيه بين مواد الدراسة المختلفة.
من أكثر الأسئلة التي سمعتها وسئلت بها وأنا صغير هو سؤال واحد يكرره معلمونا وهو :
ماهي أمنيتك مستقبلاً؟!
أو بالأحرى وبلهجة عامية :
وش ودك تصير لا كبرت؟!
كان (بعض) المعلمين يسألنا هذا السؤال وقلت (بعض) لأن الأغلبية لا يعيرون أمانينا وتطلعاتنا أي اهتمام و (مايعطوننا وجه ) أصلاً.
وكانت إجابة 99% من الطلاب على أمنيته المستقبلية أن يكون (طياراً) ربما لأن المدرسة ضاقت بهم فيريدون الطيران بعيداً عنها وللأسف لم تتحقق أمنية أي طالب في بلدتي ومن جيلي وأصبح طياراً لقد كانت بالفعل أمنية لا يمكن تحقيقها وإن كانت قد حققت لعدد لا يتجاوز أصابع اليد في بلدتي وكان للواسطة الدور الكبير بل كل الدور في إنبات ريشهم حتى طاروا عن الأرض.
بالمناسبة كانت المدرسة في ذلك الوقت وفي نظر الطلاب وخاصة المهملين كالمعتقل ودائماً ماتسمع الصراخ تحت الجلد في (الفلكة) ذلك الجهاز المخصص لمعاقبة الطلاب الكسولين ومن فضل الله لم أعلق في الفلكة وإنما كان العصا يداعب راحتي في بعض الوقت فيدفي راحتي شتاءً فأبكي.
لا أريد الوقوف طويلا عند الذكريات كي لا أبلل الورق بدموعي فينمسح حبر ما كتبته فالماضي بالنسبة لي سعادة فلقد عشت مع أناس فيه أتمنى عودتهم الآن وعلى رأسهم أمي وأبي ولو أن لي من نعيم الجنة أن أعيد الماضي لاكتفيت بهذا النعيم.
مرت السنون تلو السنون والتحقت بجامعة الطيران عفوا جامعة الإمام في عاصمة وطني و وصلت من فضل ربي ثم دعاء أمي إلى المستوى الثامن والأخير ونظام هذا المستوى في الجامعة يختلف عن المستويات الأخرى ففيه نطبق في المدارس لنعيش أجواء التدريس ونهيأ له قبل أن نخوض غماره.
قسمنا إلى مجموعات كل مجموعة خمسة طلاب كان زملائي في التطبيق:
-خالد الزهراني.
-خالد المليفي.
-خالد الهذال.
-خالد الحازمي.
وكنت أنا خامسهم وبالصدفة كان المشرف على المجموعة هو الأستاذ (خالد الصقيران) لذا سمينا أنفسنا بـ(المجموعة الخالدية) وكان تطبيقنا في مدرسة أبي سعيد الخدري في حي السليمانية بالعاصمة الرياض.
وفي أول يوم للتطبيق وأثناء وقوفي في الطابور ولأول مرة منذ أربع سنوات كان يقف بجانبي زميلي خالد الزهراني والمعلمين الاساسيين ينظمون صفوف الطلاب استعداداً للتدريب الصباحي وكنت أقف أمام أحد الصفوف وكان يتقدمهم ويقود زمام صفهم طالب يرتدي (جاكيت) أصفر اللون ويبدو من ملامحه أنه من إخواننا العرب الشوام وكان يقف وراءه طالب يزيد عنه في الطول ويبدو أيضاً أنه من نفس جنسية الطالب ذو (الجاكيت الأصفر) وكان نقاش صامة بينهما ربما كان من أحق بأن يكون في مقدمة الصف المهم لم أسمعه فنظر إلي صاحب الجاكيت الأصفر بسرعة وأثناء نظره لي قام الطالب الذي يقف وراءه بضربه من الخلف وبلا شعور منه نظر إلي وقال بلهجة شامية:
استاز ليكو عماد بيضربني!!
نظرت إليه مستغرباً وغير مصدق أنني أنا المقصود بكلمة ( إستاز) تنبهت وعدت لنفسي بعد أن كررها..
وبنفس اللهجة وماكان مني إلا أن أنظر لزميلي خالد والذي اكتفى بالصمت ولم يعلق فالتفت إلى الطالبين وقلت بلا شعور:
هيييه هيييه أعقلوا!!!
لم تعجبهما ردة فعلي فلقد كانت غير منصفة ولم أقتص لأحد من أحد ولكن هذا ما استطعت أن أفعله وكأن ردة فعلي كردة فعل أمريكا على عدوان إيران في المنطقة.
صمت قليلاً وكلمة (إستاز) تدور في خاطري مابين نشوة الفرح وعدم التصديق أني إستاز فعلاً على كلام صاحب الجاكيت الأصفر..!
صورة الطالب في ذلك اليوم وإلى اليوم لازالت عالقة في ذهني فقلت في نفسي لابد أن أعرف اسم أول طالب ناداني بكلمة طالما سعيت لتحقيقها وهي (أستاذ) فقررت البحث عنه بين الفصول التي لم تكن كثيرة وبالصدفة وجدته في أول فصل أدخله فقد كان في الصف الخامس فرمقت الجميع بنظرة سريعة وكان مميزاً بينهم بجاكيته الأصفر ناديته وقلت:
تعال إلى هنا..!!
فوقف أمامي باستغراب وقلت له:
ما اسمك؟!!
فقال بطلاقة وأدب:
أحمد حسن قباني
فقلت له :
ماشاء الله عاشت الأسامي يا أحمد ارجع إلى مكانك..!!
نعم هو أول من قال لي ( أستاذ) ولا أدري أين حطت به الأقدار الآن ربما يكون طياراً وربما غير ذلك وبكل الأحوال لا سبيل لي إليه سوى الدعاء له وأن يوفق الله :
أحمد حسن قباني!!!