القانون من حيث الزمان
بقلم الكاتبة / عبير العامري*
كل قانون يحكم الوقائع التي تمت في نطاقه زماناً على وجه الخصوص، ذلك أن الأصل في مبدأ تنازع القوانين هو عدم رجعية القانون ـ أي عدم سريان القانون الجديد على الوقائع التي حدثت قبل نفاذه، ما لم يرد نص صريح يتضمن سريان القانون الجديد على الوقائع السابقة لنفاذه ـ لهذا كان من الأهمية بمكان أن تفرد مادة في القانون الجديد؛ لتحديد نطاق نفاذه من حيث الزمان على وجه الدقة؛ تحسباً ومنعاً للتأويل والجدل.
وللتوضيح نورد الأمثله الأتيه:
إذا كتب شخص ما وصيّة تتضمَّن نصف تَرِكَته في الوقت الذي أتاح له القانون ذلك، ثمّ صدر قانون جديد قبل وفاته ينصُّ على أنّ الوصيّة لا يجب أن تتجاوز ثُلث التَّرِكة، فإنّه بعد وفاة الشخص ستظهر التساؤلات عمّا إذا كان للورثة الحقُّ في تنفيذ الوصيّة ضمن حدود ثُلث التَّرِكة؟ أم أنّ المُوصى له يحقُّ له أن يُطالِب بحقّه في نصف التَّرِكة؟.
إذا وضعَ شخص ما يده على عقار، أو مال مملوك للغير لمدّة عشر سنوات؛ بهدف تملُّكه، وأتاح له القانون حينها بأن يتملَّك العقار بعد 15 سنة من بدء التقادُم، ثمّ صدر قانون جديد يُمدِّد الفترة إلى 20 سنة، فإنّ التساؤل هنا، هل يُطبَّق القانون القديم (15 سنة)؟ أم القانون الجديد (20 سنة)؟.
إذا تزوَّج شخص ما تحت ظلّ قانون يُتيحُ له تطليق زوجته بمَحض إرادته المُنفرِدة، ثمّ صدر قانون جديد (قَبل طلاق الزوجين) يمنع طلاق الرجل من زوجته إلّا بحُكم شرعيّ من القاضي؛ حينها يظهر التساؤل عمّا إذا كان للزوج الحقُّ في أن يُطلِّق زوجته بإرادته المُنفرِدة؟ أم أنّ الطلاق يجب أن يتمّ بحُكم القاضي؟.
مبادئ تطبيق القانون من حيث الزمان إنّ التنازُع الناشئ بسبب القانون القديم المُلغى، والقانون الجديد الذي بدأ تطبيقه، دفعَ الفقهاء إلى إيجاد حلول من شَأْنها حلّ هذا التنازُع، ولا بُدَّ لحلِّه من النظر إلى الموضوع من عدّة زوايا، منها: ضرورة استقرار العلاقات القانونيّة بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى حماية المصلحة العامّة، واحترام الحقوق المُكتسَبة، وهذه الحلول جميعها ترتكز بشكل أساسيّ على النظريّة الحديثة التي تعتمد على التفرقة بين مبدأين من مبادئ تطبيق القانون من حيث الزمان.
مبدأ عدم رجعيّة القوانين ويُقصَد بمبدأ عدم رجعيّة القوانين: أنّ القانون الجديد لا يَسري بأحكامه على الماضي، سواء بشأن القوانين العامّة، أو الخاصّة، أو أنّ القضيّة تخصُّ الوقائع، أو المراكز القانونيّة؛ فالقانون الجديد لا يسري إلّا على الأحداث الواقعة في المستقبل بعد اتّخاذه، ولا يُوجَد له أَثَر رجعيّ؛ فنفاذه يُعتبَر الحدّ الفاصل بين نهاية سريان القانون القديم، وبداية سريان القانون الجديد.
يُعتبَر مبدأ عدم رجعيّة القوانين ذا أهمّية كبيرة من الناحية القانونيّة؛ ولذا نصَّتت معظم الدول على هذا المبدأ ضمن تشريعاتها، ومن الاعتبارات، والمُبرِّرات التي دَعَت إلى ضرورة وجود هذا النصّ ما يلي:
*اعتبارات قائمة على أساس العدالة.
*اعتبارات قائمة على أساس المنطق.
*اعتبارات قائمة على أساس عمليّ.
يُستثنى تطبيق مبدأ عدم رجعيّة القوانين في حالتَين رئيسيَّتين؛ فتطبيق هذا القانون ليس مُطلَقاً، وهاتان الحالتان هما:
*في حالة القوانين غير الجزائيّة.
*في حالة القوانين الأصلح للمُتَّهم.
* محامية متدربة