ترجمة خاطئة
بقلم الكاتبة / سميه الزهراني *
أسير في شكلٍ مستطيل على امتداد الصباح, أشعر بوخز في باطن قدمي, كعبي, جزء من خاصرتي وصداع معتاد , ممتلئة بكل الهراء الذي يخبرنا بأن نستمع لأصواتنا الداخلية, فهمها والبوح دون خجل بها -وعند هذا السطر شعرت بأن كل ما سأكتبه لا يشبه ما أفكر به, لذا قررت استخدام الإملاء الصوتي-
قلت مقاومًة بحة بائسة : "كل هذا الهراء الذي يسممونا به" وألقيت نظرة على ماكُتب أسفل عيني لأنفجر ضاحكة "هذا الهراء سامي وينه أبي"
وقرأته مجددًا وضحكت أكثر , هذا الخطأ الصغير الناتج عن ترجمة خاطئة وبهذه اللهجة البدوية التي لا تليق بلساني و "سامي" على وجه التحديد كان مدعاة للضحك .
لطالما كان سامي الشخصية المذكرة مني, الشخصية التي لازمتني منذ الطفولة, المسؤولة عن تصرفاتي الطائشة ولعب الكرة مع أولاد الحي, السرقة من طرف طاولة البقالة والهرب فضولًا لتجربة الصلاة في المسجد, ليجدني أبي بين ذراعي المؤذن ويضحك مخبرًا إياه "هذا سامي" وألتفتُ غاضبة "لا تخرج للشارع يا سامي" يرد الرجل الآخر وأخرجُ لساني في عناد وتجهم.
أذكر أنني كرهته, مقته, لعنته عند تلقي العقاب وبصقته أثناء المشاجرات , دائمًا ما حملت له الكثير من المشاعر السلبية. سامي ذلك الوغد الذي سلب مني الرغبة في حب اللون الأحمر وارتداء فساتين مزركشة واللعب بالدمى , الذي خجلت من طول شعري لكونة يسيطر علي بخشونته وحركاته الصبيانية, الذي عشت سنواتي الأولى أحارب فكرة وجوده فيّ بشكلٍ أو بآخر, الذي استغرقني التخلص منه الكثير من الوقت والجهد والتصنّع.
كبرت وتلاشى, نسوه جميعًا .. الآن كل تصرفاتي تخصني وحدي, كل الأخطاء, الآثام, الذنوب, العيوب واللوم لا يقاسمني فيها أحد , مُجبرة على أن أحملها وأتحملها لأثبت نضجي أو حُمقي. مجبرة أن أكون شخصًا لا يشبهني ولا سامي.
نسوه وتلاشى لكنني أفكر به, أشتاق إليه و لا أجده رغم بحثي عنه, لكنني وجدت أنني أحببته, أحببت ذلك التمرد اللذيذ ونظرات التهكم التي رمقتهم بها. أحببت الجزء الشقيّ الذي كرهه الجميع وأنا.. الآن أنا أريده و أتساءل: سامي وينه.. أبي؟