الحجر الفكري والنفسي
بقلم الأخصائية النفسية/ خلود الحارثي*
الحقيقة التي لا تنكرها البشرية هي حقيقة الموت والفناء!
لا تتعجب ولا يضيق صدرك بما يقولون إن شاء ربك وّحد أسباب النهاية وإن شاء ربك جعلها متعددة كما سبقتنا الأمم..
لِما الجزع والخوف ،وبث الرعب في القلوب ،وزرع الهلع في عتبات الروح!!
أين نحن حماكم الله من الانبياء والصالحين وهم صفوة الخلق ،تأمل بعضاً مما يدهش العقل والروح والمنطق والمعرفة التي يدعون في فكرهم العلمي والبحثي.
أيوب مضى في مرضه سنين طويلة وكان حجره الصحي قاس ومؤلم ..
ابراهيم أُلقي في نار ملتهبة تتسارع ألسنة النار لحرقه ..
موسى قُذف باليم خوفاً عليه ؛وتلقاه عدو الله ..
يونس ابتلعته ظلمات حالكة بعضها فوق بعض لا يعلم هو بأي مكان ولا أي حال عليه..
مريم العذراء تخلّق بجوفها طفلاً! كانت عفيفة متطهرة فشاء ربي ذلك أن يكون في بطنها ..
زكريا اشتعل رأسه شيباً دون ذرية وكان في محرابه مازال يتضرع وامراءته ذات عُقم ..
هاجر ركضت مراراً بواد غير ذي زرع، وضعها زوجها فيه وبين يديها رضيع دون أي معطيات للحياة في هذا المكان ..
ويوسف رُمي في غياهب الجُب كيداً وتدبيراً فمره بعض السيارة وامتلكوه لهم ..
ومحمد عاش يتيماً وطرده ونبذه قومه في كل مكان يريد أن يقيم دعوته ..
ابتلاءات العباد مستمرة وفيها من الحكمة والخير ما لا تستطيعه عقولنا فهم وادراكه. فكم بلاء كان واقعاً اهلك الحرث والنسل وأجدب الأرض وذهب فيه مئات من البشر! على مر التاريخ والوقائع مازالت مرصودة ومعظمها مجهولة المصدر ،السبب ،المآل أيضاً حتى الفائدة أو النتيجة التي تكونت لا تظهر كما نرغب بل كما يشاء رب العالمين ومعظم ما أورده في القرآن كان برهان على ذلك.
كان رد فعل الانبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أنهم ايقنوا بالله وصدقوا وعده وصبروا ونالوا خير الدنيا والآخرة. فمحمد كان مكمل الرسالة ومتمم لمكارم الأخلاق وهو سيد المرسلين وخاتم الأنبياء وبه الشفاعة يوم الدين ..
وأيوب رُزق العافية والشباب وكأن لم يكن مريضاً قط!
وابراهيم كانت ناره التي تلتهب جسده برداً وسلاماً عليه!
وموسى رُد إلى فؤاد أمه بتسخير عدوه له!
ويونس في ظلماته يُحال على عقل البشر الآن بتطوراتهم وأدواتهم حال نجاته إلا أن أمر الله نافذ لتلك الظلمات وأنجاه!
ومريم العذراء تحركت احشائها بروح من أمر الله فتخلّق بشراً يحمل لقومها البراءة والحق لها فلم تهن ولا تحزن وقرة عينا!
وزكريا بمحرابه يدعو ليلاً نهاراً يقيناً بربه فرُزق بما رجاه من الله رغم عقم زوجته واشتعال شيبة رأسه من الكبر!
أما هاجر انبثق تحت رجل طفلها سعياً منها بئر زمزم وهي راوية لظمأ الناس إلى هذا اليوم ،وامتلأ ذاك الواد من كل بقاع الأرض شرقاً غرباً جنوباً شمالاً والكل يهوي إليه بالخير!
ويوسف حكاية الحياة والترحال والافتراء والكيد ليكون ملك مصر!
من أوجد هذه المعجزات والآيات لا يعجزه ذرة لا تُرى أصغر من جناح تلك البعوضة التي جاءت مثلاً مقارب لإدراك عقلنا ومستواه البشري في أن تكون من جنود الله التي لا تعصي له شيئاً سُخر لها الأسباب وتهيأت لها الظروف لتكون شيئاً غامضاً يعجز الكرة الأرضية في أن تصيب من تشاء وتترك من تشاء بأمر الله تعالى.. فمن أوجد هذا الداء هو رب الدواء سبحانه .. فمن كان موقناً بتلك الحقيقة وواعياً بحتمية النهاية لن يضره شيئاً وسيسعى في الأرض للإصلاح والعمل كما أمره الله تعالى بإعمارها بالطاعات والخيرات لا أن تبادر في جحد آيات الله وتكذيب أقوال الرسول ولا أن تنزل من قدر وهيبة علماء المسلمين ولا أن تطعن وتقذف في الناس ولا أن تأول الأمور وتقلبها كيفما تشاء وكيفما تهوى،ولا أن تتوقف عن التناصح والتذكير بالخير!
خلال هذا الحجر الفكري والنفسي الذي يسبق الحجر المنزلي ويقي من الحجر الصحي. دعوة بأن توقظ عقلك على مكامن الخلل وعلى أمور فرطت بها كثيراً وانجرفت وراء تيارات الحياة الجديدة وعُميت عن رؤية معنى وجودك بالدنيا!
كم بيت هُدم دون راعي ورعية ،واصبح فارغ من المعنى الحقيقي لكلمة (بيت العائلة) امتنعنا عن الاجتماعات ليردنا الله لإجتماع اصغر بيننا كان مفقود. ليرى كل شخص راع لرعيته ،ولتقر اعينكم بما يسعدكم بشكل واقعي وحقيقي. تفقدوا احوالكم الآن داخل بيوتكم: حولكم ابناءكم منعمين بالخيرات والخدمات ،وسيكفيكم الله شر الوباء بقيادة وحكومة عظيمة لتشعروا بنعمة الفخر والولاء لبلدكم عقب الضخ الإعلامي لتشويه دولتنا وشعبنا وعاداتنا وتقاليدنا ؛حتى نجسد لبقية العالم أننا لسنا بعلاقة رئيس ومرؤوس إنما علاقة عائلية يتكاتف افرادها لحمايتها في شكل عناصر مصغرة داخل البيوت انتظمنا بشكل إيجابي نحو التعليمات واستقرينا بين بعضنا البعض لنرى هذا الشيء كلوحة إنسانية ترمز إلى أن الحياة مستمرة وإن توقف كل شيء ضدك وإن حُرمت فأنت قادر على أن تتكيف وفق ما تجده لا ما يفرضه غيرك. أنعام تتوالى رغم هذا البلاء والوباء فتراجع الناس لمقاعدهم الحقيقة وليلعبو الدور المطلوب منهم ،ولتحقيق المعنى الحياتي وتعزيز العلاقات الأخوية وإظهار رابط الدين والدعوة لله على نحو اسمى مما تتصوره المنظمات والهيئات. واستغلالكم لهذه الفترة بالخير ،العمل ،النظرة الإيجابية هي تلك النافعة من كل ضارة اصنعوا الحُب بمنازلكم وعوائلكم تفقدوا سائر تواصلكم مع ارحامكم ،اجتهدوا بالدعاء والإلحاح فيه ليرفع الله هذا البلاء والوباء وأن يكون كاشفاً الله به كل سوء وفساد وأن يكون مصدر خيراً ورزق للعباد. ينزعج البعض من تفاؤل وأمل البعض رغم التحذيرات وقدرته على احتواء البلاء بشكل أكثر يقين وصدق بما يخبره إيمانه بالله أن الله قادر على كل شيء وهو اللطيف الخبير فتشعر أن كل المخاوف وتلك الوساوس والإشاعات ومشكلات الحياة والهموم بل المستحيلات! كلها تثبت لك مدى عجز الانسان وتوقعه أمام كائن لا يُرى بعينه المجردة إن الله فعالاً لما يريد.. أي عظمة وطمأنينة تشعرها الآن !؟
ختاماً تذكر أنك المسؤول الأول عن حياتك ووقايتها فكن مطمئن بقدر الله ثم طرق الوقاية،ثم استمتع بجلوسك المنزلي في استرجاع تلك الأنشطة والممارسات التي غيّبتها التطورات السريعة. حان دور التأني والتأمل والاسترخاء ،وتعديل ما يمكن تعديله من أساليب في المعيشة والتربية وكل ما تراه يستحق الإعادة والتجربة. هكذا تكون إدارة الأزمات فعّالة وناجحة في تفعيل الوعي والتوجيه الصحيح.
حفظنا الله وإياكم من كل مكروه
* كاتبة ،وعضوة برابطة كاتبات الغد