وجع الرحيل
بقلم الكاتبة / نوال الرشيدي *
يُرغمني هذا الليل لعبور بعيد يرحل بي لجهة مُبهمة... وأنا لا أملك عدا محبرة تئن ألم وضياع .. آلمها غمس الأقلام التي تنتحب ظُلمة الليل ووحشة الشوارع البعيدة هجرتني بيوتها شوارعها .. ولم يتبقى عدا بقايا كلاب جائعة وقطط تبحث عن مأوى .. شوارع مُمتدة كُسرت أضواءها وتناثر زجاجها شظايا صغيرة ملأت ذلك المنحنى الذي كان يُداعب النور .... أسكن بخطواتي كائن ما باق يُزيل وحشة القلوب التي آلمها التعب ... كائن ما يحاول أن يُعيد ملامح مدينة ما كانت مُلونة كانت مكتظة بمشاعر فرح تسترجعني الذاكرة ملامح ذلك الفرح الذي كان الدكاكين المُتناثرة في ذلك الشارع ... الذي أعلن وفاته برحيل ساكنيه .. تُعيد ذاكرتي مقاهي تلك الردهة .. عربة الورد الخشبية وبائع مبتسم يهديني وردة بلون الحب وعقد من الفل أُطوق به كفي ... إلى أصوات الأطفال وصدى ألعاب المراجيح التي كانت بالزاوية وعربة الأيس كريم ... والأُرجوحة التي كانت تنتقل بي من غيمة إلى غيمة ... فراشةٌ مُلونة تُداعب هذا الكون تملأه فرح أتأمل زوايا الكون المضئ الذي كان وذلك الفرح الراحل وابتساماتي التي تتطاير تُرادف طيور الحب ... ودفاتري وأحلامي وقصاصاتي ووشاحي الفوشي المُعلق ... هنا .
أُعيد التمعن أكثر ... تُبحر بي خيوط الليل إلى ذلك الميناء بنهاية هذا الممر الطويل .. تعبر بخيالاتي للجزر الحالمة ... مدائني الوردية تسترق أسماعي صوت شلالات تهطل أنهاراً تعكس ألوان الطيف وذلك السقف الخشبي الذي تتدلى منه عناقيد عنب ... تقتطفهُ أناملي لون يُشبه النبض الذي بأوردتي ... مُؤلمة تلك الهجرة الأبدية ... التي أحالت تلك المدينة إلى كهف موحش له بداية لكنه بلا نهايات .
* كاتبة كويتية