كورونا المراهق!!
بقلم الأستاذ / خالد حمد العبيد*
كانت ولادة فايروس كورونا في عام 2003م واستمر بالظهور والاختفاء عام 2004م و2005م و2012م أي أنفايروس كورونا ليس غريباً على البشر بل تربطه صلة عداوة حميمة منذ سبعة عشر سنة وأظن كوروناحينما كان طفلاً كان أكثر أدباً وضعفاً منه الآن والذي بلغ سن المراهقة وأصبحت تصرفات هذا الكورونا مثلالتصرفات اللامسؤولة للشاب المراهق طائش عنيد سريع الانفعال لا يولي الأمور اهتماماً بحيث لم يستوعبرحمة الصغير واحترام الكبير فحمل كورونا في سن مراهقته هذه الصفات.
نعم لقد عثى هذا الكورونا المراهق والذي اشتد عوده في الأرض الفساد فأهلك الحرث والنسل وأرعب الجميعبسبب ازدياد الإصابات وازدياد أعداد ضحاياه بعد أن استطاع القفز من سور الصين العظيم وبالتحديد منمدينة (ووهان) الصينية ليفتك في الأرض ويهلك البشرية والتي لم تتعرف أصلاً على ملامح وجهه إلا بعدفترة ليست بالقصيرة وإن كانت ملامح كورونا لم تتحدد بعد بل لم يعثر على العلاج الذي يستطيع كبحجماح كورونا المراهق.
في بداية سنة 2020م ظهرت أولى حالات كورونا المراهق والذي هو أصلاً جرثومة لا ترى بالعين المجردة فيووهان الصينية ومنها انتشر للعالم بأسره.
لم تكن الدول تعيره أي اهتمام في بدايته بل إن الشعوب لم تعره أي اهتمام ولم تتوقع الحكومات أن يصلبهم هذا البلاء إلى حظر التجول في الشوارع إلا بعد أن انتشر انتشاراً جعل قلب الأرض يخفق خوفاً علىمن يعيشون عليها.
العالم الآن لا أقول أصبح قرية صغيرة لا لا بل أصغر من القرية بكثير فهذه المقولة قديمة وقد أكل الدهر عليهاوشرب وقد ماتت هذه المقولة مع موت آخر شاشة تلفزيون عادي لا يستطيع حمله رجلين أشداء.
لقد أصبحت حدود العالم لا تتجاوز إطار هاتفك المحمول في ظل التواصل السريع من خلال منصاتالتواصل الاجتماعي المعروفة (فيسبوك,تويتر,واتساب,انستغرام,سناب) وغيرها من مواقع التواصل الكثيرةوالمتعدد إذاً نستطيع أن نقول بأن العالم أصبح حجمه بحجم هاتفك الذكي النقال فالحدث يصوره رجليتزلج في الثلوج السيبيرية يصادف الأيائل وشجر الصنوبر ويصل هذا الحدث بنفس اللحظة لبدوي يسكنبيت شعر في قلب الربع الخالي يحلب ناقته فتصله نغمة رنين معين فيفتح جواله ليتمتع بمناظر الثلوجالباردة وهو فوق الرمال الحارة إنه انفجار تيكنولوجي عصف بالأرض فأصبح سلاح ذو حدين.
كما أسلفت لم تكن الشعوب ولا الحكومات تعير كورونا المراهق أي اهتمام في بدايته إلى أن انتشرت مقاطعلسكان ووهان الصينية وقد تساقطوا في الشوارع وانتشرت مقاطع لأطفال وكبار سن يصارعون الموت منأجل البقاء بسبب هذا الفايروس القاتل وتكررت مقاطع الفيديو كثيراً وتنوعت وأعلنت الصين حالة الطواريءالقصوى فحظرت التجول في مسقط رأس كورونا المراهق مدينة (ووهان) الصينية وأصبحت الشوارع خاليةتماماً وانتشرت مقاطع لأشخاص من دول عربية يصورون ويوثقون خلو ووهان من البشر عندها وضعالعالم يده على قلبه فانتشرت شيئاً فشيئاٍ إلى أن تم حظر التجول في أصغر دول العالم.
انتشر فايروس كورونا في الأرض انتشار النار في الهشيم ولم يسعف بعض الحكومات أن تتخذ الاحترازاتمن هذا الفايروس فوقع الفأس بالرأس نتيجة التنقلات البشرية في المنافذ البرية والبحرية والجوية فأخذالبشر يتبادلون هذا الفايروس فيما بينهم بالتصافخ والتقبيل والملامسة وبسبب القرب من بعضهم مما كانله الأثر الأقوى في انتشاره.
لقد أثبت كورونا المراهق في حلته الجديدة وتغيره الملحوظ وتطوره أن العالم بأسره مهما كانت قوتهوتطوره العلمي والتقني والتكنلوجي والطبي ضعيف جداً جداً أمام قدرة الله تعالى الرب العظيم الملكالجبار بل كل العالم وقف مكتوف الأيدي لا يدري ماذا يفعل؟! ففايروس لا يرى بالعين المجردة استطاعوبفترة وجيزة أن يغلق أكبر صالات القمار في لوس أنجلوس وفي كل الدول التي تسمح بذلك.
لقد أغلق كورونا أكبر الملاهي الليلية في العالم والتي يتمايل فيها الرجال مع النساء ولم تغلق في تاريخهاأبدا فهي تدر مليارات الدولارت يومياً واستطاع كورونا المراهق إغلاق أفخم الحانات والخمارات على مستوىالعالم واستطاع كورونا إيقاف أفخم الحفلات الغنائية والمواسم الترفيهية على مستوى العالم أيضاًواستطاع كذلك أن يغلق أفخم المجمعات التسوقية فأصبحت خالية على عروشها واستطاع هذا الكوروناالمراهق أن يغلق حدود الدول البرية والبحرية والجوية بل لم يكتف بذلك إنما أرغم الدول على الإعلان رسمياًعن حظر التجول الكامل فأصبح الناس يترقبون ماذا سيحل بهم وجندت الحكومات كل طاقاتها في سبيلالقضاء على هذا الفايروس فأغلقت المدارس و المساجد ومنعت الجمع والجماعات إلى أن يكتب الله أمراً كانمفعولا.
لقد أثبت كورونا المراهق جشع (بعض) التجار فالارتفاع الملحوظ والذي شاهدناه وعايشناه في أسعارالقفازات والمعقمات والكمامات خير دليل على هذا الجشع والطمع فهذه القفازات والمعقمات والكمامات قدأرهقها الغبار على طاولة المتاجر وبالأصل (لم تكن شيئا مذكورا) وبعد تفشي الفايروس ارتفعت أسعارهاوأصبح لها سوق سوداء إن صح التعبير فقفزت مبيعاتها وخلت المحال التجارية منها وأصبح الحصولعليها نادر وقليل وتشترى بأي سعر والتي تعدت أربعة أضعاف سعرها السابق.
لقد تعرف العالم على أجود أنواع المعقمات وأفضل القفازات والكمامات بعد أن كان الكثير منا يظن أن هذاالمعقم نوع من أنواع الشامبو ولا يستعمل القفازات إلا بتقطيع البصل ولا نرى الكمامات إلا على الأطباء فيغرف العمليات.
لقد أجبر كورونا المراهق النساء والرجال على ارتداء الكمام والقفاز والابتعاد عن بعض بمسافة لا تقل عنمتر ونصف نعم لقد جعل من محاربي النقاب من الرجال والنساء يرتدون النقاب قسراً ورغما عن أنوفهم ومنكان يسخر من قفازات النساء المحتشمات يرتدي القفازات خوفا وهلعاً وقام كورونا المراهق بمنع الاختلاطبين الرجال والنساء .
كورونا المراهق قطع كل أواصر الترابط بين المجتمع فالأعراس التي كان يصرف عليها الملايين توقفت و العزاءالذي يستمر ثلاثة أيام بلياليهن مابين عشاء وغداء توقف فاقتصر العزاء في المقبرة وحفلات التخرج التيما أنزل الله بها من سلطان أجلت بل ألغيت ولن تقام.
كورونا المراهق كشف لنا مدى سذاجة (بعض) المشاهير (مشاهير الغفلة) في السنابشات وغيره فخرجوا لنابوجه آخر يحاربون الأنظمة بكسرها ومخالفتها بل إن الذين حجروا أنفسهم من بعض المشاهير قبضعليهم في مدينة عربية مختلطين رجال ونساء يحتسون الحشيش احتساءً.
لقد عرى كورونا المراهق (بعض) هؤلاء المشاهير والذين يتابعهم الملايين ويلهثون وراءهم فيكسبون المالونكسب الخسارة.
لقد أسقط كورونا المراهق آخر ورقة توت كان (بعض) المشاهير يواري بها سوأته.
هذا على الصعيد الإنساني أما على الصعيد البيئي فقد نقى كورونا المراهق الهواء من عبث محركاتالسيارات فأصبح الجو نقياً خالياً من ثاني أكسيد الكربون وقد قرأت أن قرية في الهند قريبة من جبالالهمالايا لم يشاهد أهلها جبال الهملايا إلا بعد حظر التجول الكامل فأصبح الهواء نقياً وتجلت جمالية تلكالجبال.
لقد أوقف كورونا المراهق عجلة اقتصاد العالم ولست مختصا بمجال الاقتصاد وإن كنت أتساءل ماهي خططالعالم لإنعاش رئة الاقتصاد العالمي التي قتلها وباء كورونا؟!!.
لقد علمني كورونا المراهق كيف أبقى في المنزل مع أهلي في أجواء عائلية لم أعشها رغم أني بينهم (منذ أنعرفتهم) فأصبح أفراد الأسرة تارة يجتمعون على وجبة العشاء والغداء والفطور وتارة أخرى يجتمعون علىطاولة (الكيرم) وقد عم المنزل رائحة المعقمات و رائحة بودرة الأطفال .
لقد علمني كورونا المراهق كيف أعتزل الناس اعتزالاً إيجابياً أعيد فيه ترتيب أوراقي الحياتية والعلميةوالمعيشية.
لقد حد كورونا المراهق من السمنة والتي غالبا ما تأتي من أكل المطاعم فألغى كورونا بروستد وشاورماوهمبرغر العصر لبعض الناس وجعلهم يكتفون بأكل المنزل.
لقد قلة المصاريف الثانوية بعد كورونا المراهق وأصبح اقتصاد الأسرة مرتفع نوعا ما.
أما على الصعيد الدولي فقد فضح كورونا دولاً كنا نظنها في السابق عظمى فدول أوربية أعلنت (طبالحروب) وأخري أصيب رئيسها وثانية صرح رئيسها (بأن حلول الأرض انتهت وبقي حلول السماء) نعم لقدانهارت دول عظمى وانكشف ضعفها وقلة حيلتها.
في حين أثبت لنا كورونا المراهق أن هناك دولة عظيمة يقودها رجل عظيم بولاية عهد شاب عظيم و وزارةصحة متمكنة ورجال أمن مخلصين نعم لقد أثبت هذا الفايروس للعالم عظمة المملكة العربية السعودية علىالمستوى الصحي والإنساني ومدى حب الملك سلمان لشعبه حينما طمأنهم بكلمة أبوية نابعة من القلبدعى فيها المواطنين والمقيمين بل حتى ومخالفي الأنظمة بالتوجه لأقرب مستشفى في حال الشعوربأعراض كورونا وأي ملك كملكنا هذا أسأله تعالى أن يمتعه بالصحة والعافية .
لقد أثبت كورونا مدى اهتمام ولي العهد السعودي الأمير محمد -رعاه الله- بصحة أبناء الوطن من خلال كماقلت وزارة الصحة ورجال الأمن ففي حين اختفى من على الساحة (بعض) المشاهير ظهر لنا مشاهيرالإنسانية الحقيقيين ظهر لنا كل رجال الصحة في الخط الأمامي في مواجهة مميتة ومخيفة مع هذاالفايروس فشاهدناهم يعملون ويكافحون ليل نهار من أجلنا وفي الجانب الآخر مشاهير الرجولة أبطالرجال الأمن فكلهم في الميادين العامة يكافحون التجمعات الخطرة ويحاولون مجابهة الفايروس ليسبالسلاح الناري إنما بسلاح التوعية والنصح والإرشاد فقبلة إجلال أطبعها على أبطال رجال الصحةوأبطال رجال الأمن دون استثناء.
لقد أثبت كورونا للعالم بأسره أن السعودية فعلا عظمى فقد اهتمت برعاياها العالقين في الدول الأخرىوأسكنتهم بفنادق الخمس نجوم وفتحت لهم مطاعم تلك الفنادق وحرصت عليهم صحيا وجسديا ونفسيافيالك من عظيمة يابلادي الذي أسأل الله جل وعلا أن يحفظها ويحفظ ولاة أمرها ويحفظ شعبها العظيم.
فايروس كورونا جعلني أفتخر بانتمائي لهذا الوطن الذي أفديه هو ومليكي بالروح والدم والمال والولد.
نعم لقد قلب كورونا المراهق كل المفاهيم وكشف الكثير من الأمور وغير عندنا بعض المباديء وأستطيع أيضاًأن أقول رغم خطورة هذا الفايروس إلا:
أن كورونا المراهق طهر كوكب الأرض!!!
* كاتب سعودي