غصة الربيع
بقلم الكاتبة / نورة محمد الحربي*
في ربيع مارس من 2020، توقف ضجيج الحي, وغابت ضحكات الأطفال ، الشوارع باتت صامتة تخلو من صخب أبواق سيارات، وهمهمات المارة ، خَفَتَ أزيز الباعة في الدكاكين المجاورة ، سكنت حركة الطائرات ، خلت المطارات من المسافرين، القطارات خاوية على عروشها.
الحرمان أصبح فارغا من الزائرين والطائفين والعاكفين والركع السجود، صدحت المساجد أن صلوا في بيوتكم ، اعتصرت منها قلوب المؤمنين ألم وحسرة.
أغلقت المدارس والمعاهد والجامعات هدأ ريح العلم، جثت مقاعد المقاهي على ركبتيها في وجه روادها، نسوة المدينة غادرن متكأهن متلفعات بثياب الهجر.
اعتذر الكريم عن استقبال ضيافته فضلا عن اقرائهم ، ارتفع صوت الوعي أن ابقوا في منازلكم محافظين فيها على تباعد كم ، فلا مصافحة ولا أحضان ولا قُبل .
الحياة أصبحت في حالة من سكون مرتبك، وعلى شفرة من الترقب ، تتعقب ذلك الضيف الغير مرحب به الذي تسور جدران المدينة بشراسة، قادم يحمل رائحة الفقد الألم و الحمى ،كوفيد 19.
لا تسمع لأحد همسا هنا، سوى حراك وضجيج ينبعث من المشافي هنالك، حيث الأرواح الملائكية تبذل ما بوسعها لتنقذ البشرية من شهقة الهلاك.
هذا التوقف المفاجئ هدنة اجبارية منحتنا إياها الحياة ، هي صرختها في وجه الضمير البشري أن توقف عن اللهث خلف القشور.
ياه ...كم كنا نرفل بوابل من النعم ،كما قال الأول :"وبضدها تتبين الأشياء" ماكنا لندركها لولا هذه الأزمة، كم كنا نركض خلف كماليات تبين لنا لاحقا أننا استطعنا أن نعيش بدونها.
لكن لا ينكفئ الإنسان عن إيجاد البديل كخليفة استخلفه الله في هذه الأرض ، فهو يحسن التعايش مع تغيرات الدهر ،فخدمات التقنية كفته من مباشرة الأعمال والمعاملات والتسوق والاجتماعات والدراسة والعلم ، ومن النعيم أن تعيش في أرض جعلت الإنسان أول اهتماماتها ، ومادتها الوحيدة في هذا الظرف ، فلنحمد الله على هذا الفضل والعطاء.
1 ping