رمضان ريَّان الروح
بقلم الكاتبة / فوزية النمر *
يعود شهر رمضان على من أكرمه الله ببلوغه لينال من ريّانهِ ما يهذّب النفس وينقيّها، ويعيد برمجتها على كل سلوكٍ حميد ليعود عليها بالخير الكثير والنفع العميم، فهو يعين النفس على تزكيتها من الشوائب التي علِقت بها ودنّستها ،فتستعيد صفاءها ولمعان بريقها .
فرمضان يأتي في كل عام يرسم لنا الطريق مرّة أخرى لنرى المسار الصحيح؛ لتستقيم النفس بعد اعوجاج اعتراها.
رمضان يعلّمنا،ويهذّبنا،ويرشدنا ،ويحثّنا على التغيير ويخبرنا بأنه ممكن .
فمنذ نزول الوحي من السماء إلى خير البشر ،وذلك قبل انطلاقِ الهجرة باثنتي عشرة سنة تقريبا ،وكان الوحي يحمل معه النور ونبراس الهدى فنزل بأُولى آيات القرآن الكريم {اِقْرأ}.
وكان هذا الحدث المبارك في شهر مبارك وفي ليلة مباركة هي خير من ألف شهر .
وكانت هذه الآية التي نزل بها الروح الأمين بأمر من ربّه ليبلّغها إلى خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه تبيّن لنا بكل وضوح الصلة القويّة والوثيقة جدا بين الدين والعِلم
.
فبعد مجيء الوحي وبعثته صلى الله عليه وسلم انطلقت الرسالة المحمدية "رحمة للعالمين"
وكانت هذه الرسالة السامية وما تزال رحلة التغيير الكبرى إلى قيام الساعة، التي نقلت الناس من غياهب جبّ الجهل و دياجير الظلام إلى أنوار العِلم بزِمام الإسلام.
رمضان فرصتك فهو مدرسة تعليم وتهذيب النفس وتزكيتها فهو بوابة رحلة التغيير. فالصيام جُنّة. عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : "الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ" .
رمضان يعمل على تعديل السلوك ورباطة الجأش والتّحلي بمكارم الأخلاق الحميدة والبعد عن سيئها ؛ليجني الإنسان بعد صيامه الثمرة المرجوة ، وتكون له المغفرة الموعود بها من رب العالمين " الصيام لي وأنا أجز به" .
فهو ينمّي عادة الصبر التي تساعد على ضبط النفس ،والقدرة على تأجيل المتعة .وهذه العادة تُحدِث بالغ الأثر في تشكيل شخصية الإنسان ،فالصيام يعلّم النفس الصبر ويجعلها عادة وديدن حياة ؛لتحدِثَ التوازن ، وتجدد العزيمة ،وترفع الهمّة ،وتقوي الإرادة فتجعل النفس لديها القدرة على تأجيل المُتعة إلى وقت لاحقٍ.
وهذه العادة مهمّة جدّا في بناء شخصية الإنسان ؛ليعرف كيف يضبط ذاته ويرتّب أولوياته، ويعرف أيضا كيف يوازن ويتوازن مع أمور الحياة.
رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحمًا مُعلقًا في يد جابر بن عبداللهرضي الله عنه فسأله عمر ما هذا يا جابر؟ فقال جابر: اشتهيتُ لحما فاشتريته ،فردّ عليه عمر قائلا:" أوَ كلّمَا اشتهيت اشتريت ؟! ".
هذه المقولة تجعلك تقف مع نفسك قليلا لتتأمّل في سلوكك ؛لتعيد ترتيب أولوياتك لتتّزِن وتنعم في حياتك.
ينقسم الناس في شهر رمضان إلى فريقين:
فريق يسارع في الخيرات وهو الذي يرى أن رمضان فرصة للتغيير ،فيستعدّ لهذا الموسم يرتّب
الأولويات ،ويرمم شعَث التشتت ،فينهل ويستقِ من ريانه ويتزوّد من الغنائم ،وينجز فيه الكثير من الانجازات، ويتّخِذ من غنائم رمضان ديدن حياة له.
أمّا الفريق الآخر فهو فريق الظالم لنفسه يرى أن رمضان كمثل بقية الشهور لا يحدث له تغيّر في الشخصية تجده يهدر الكثير من الوقت بلا غنيمة و بلا أي فائدة مرجوّه تعود عليه بالنفع ، ثمّ إذا ما انصرم رمضان أخذ يردد لم أشعر برمضان هذا العام!
هذا لأنك لم تغنم ولم تستقِ من ريّانه ريٌّ يذكر.
إن لم تزكِّ نفسك وتسمو بها
سيكون نصيبك من رمضان الجوع والعطش والله غني عنك
"وليس لله حاجةٌ في أن تدع طعامك وشرابك".
أحب أن أخبرك بأن الفرصة في متناول يديك وأنت في الميدان الآن فتنافس مع المتنافسين ،ولا تكن من المثبطين،فرمضان ريّان الروح وهو فرصتك لرحلة التغيير .
هذا هو الشهر المبارك جاء يرفل بالخيرات فيه ليلةٍ خير من ألف شهر ..يالها من بشرى ..ويالها من طيب مغنم!!شهرٌ وفيه ليلةٍ خير من ألف شهر !!
هل تحرّك هذه العبارة مشاعرك؟ هل تُشعل فيك فتيل الحماس المُتقد ؛لتقتبس من نورها ،وتنال شرف القيام بها؟
أم أنها ستمر مرور الكرام وكأن هذا الأمر لا يلزمك ولا يعنيك ؟!
هيّا أفِق من غفلتك وأروِ روحك العطشى من ريّانه وانهل منه و أكثِر من السُّقيةِ ولا تزهد.
فرمضان ريّان الروح وهو شهر مُتْرعٌ بالخيرات جدّد روح الهمّة و انوِ التغيير "فلكل امرئ ما نوى".
وكأن الروح عطشى وجاء رمضان ليروِ ظمأها ويزكّيها.
كل عام وأنتم أزكى وأرقى .
* كاتبة سعودية