اللصة (لمّا)
بقلم الدكتورة / نادية الخالدي *
في ساعة متأخرة من العمر، تحديدًا عند دهاليز فكره الثري ورغباته العجوزة والعنيدة.
سألته حفيدته :
جدي لم لم تكتب روايات أدبية بعد ؟ فأنت تملك فصاحة تحتاج أسطرا للكتابة ؟
ولديك من الفكر ما نحتاجه للقراءة ،
فأنا أسافر معك لكل العالم بحوار بسيط، كيف إذا إن قرأت كل خبرتك في رواية ؟
سأرى عالما آخرا وجديدا .
كان صامتًا، يستمع لها بتمعن، وحائرًا
كم يلزمه من الكذب ليواصل هذا الحوار معها؟ أما آن أوان الصدق أن يأخذ مقعدًا في إجاباته؟
وبين هذين الصراعين، استجمع خجله من نفسه وهروبه المستمر منها
- إنها كلمة (لمّا) يا ابنتي، تلك اللصة البارعة،
فعندما كنت شابا كنت أقول : سأصل لأحلامي (لمّا) أنهي الثانوية العامة ،
وأنهيتها لأؤجل فرحتي بالتخرج، (لمّا) أتخرج من الكلية العبقرية، وبعد أن تخرجت من الكلية العبقرية، قلت : (لمّا) أسافر لتلك المدينة الناطقة بالجمال سأسرد كلماتي ، وعند ذهابي لها، قلت : (لمّا) أعود لوطني سأكتب عن هذه التجربة الجميلة الكثير، وعدت لوطني فقلت: (لمّا) اتزوج وأستقر سأتفرغ لكتابتي، وتزوجت فقلت : (لمّا) تنجب زوجتي سأكتب لا محالة عن جمال ابنتي ، وجاءت أمك وقلت: (لمّا) تكبر قليلا بالعمر سأكتب بجدية لتكون حصيلتي بالذكريات ثرية معها ، وبين (لمّا) المتصلة بالرغبة و(لمّا) التي أبرر بها هروبي ضاعت السنوات، ومرت الأيام، ووجدت نفسي أمامك الآن .
كنت سأرد عليك بـ (لمّا) لكنني وجدت أن لا (لمّا) تكفي بعد الآن للتبرير.
ابنتي العزيزة احذري (لمّا) وما يقابلها بالفصحى (عندما)، قرري في كل لحظة ونفذي ما قررتيه مهما ضاق الوقت، اخلقي لك وقتا جديدا، احذري تأجيل فرحك، أو تأخير أحلامك، احذري أن يهرب عمرك وتشيب رغباتك .
قامت فأحضرت له قلما وورقة
وقالت اقتل (لمّا) في أول السطر ،هنا يا جدي،
كانت أحكم منه بكثير.