حين توفى والدي
بقلم الكاتبة / عابده الخرمي*
حين توفى والدي نعم هكذا ابدأ حديثي دون رتوش أو بكائيات فقد نلت من البكاء ماهو كافيًا لآخر حياتي ففي اليوم الذي رحل والدي اثر حادث مروّع سقطت من داخلي نجمة الحياة شعاعها جمالها ألقها ضحكها وفرحها بل وحتى الزعل أو الغضب أو القلق كلها سقطت فلم أعد أشعر أو احس في ذلك اليوم تحديدا اتفقت مع والدي على جلسة شواء ماتعة وحددنا أدوارنا فلقد كان أقرب إلى من كل شيء أقرب من أمي ومن صديقاتي وأخواتي وخططنا لكل المقالب التي سنحدثها في باقي أخوتي وضحكنا طويلًا ضحكنا ضحكتنا الأخيرة الفاتنة المجلجلة فيا لتلك القهقهة المسكينة أكانت تدري فشفقت علينا وأطالت المكوث ؟ نعم في ذلك اليوم الأخير أخبرني سرًا أنه كان مولعا بفتاة في قريته جاء والدها ليعمل عند جدتي ففتن أبي بها وضحكنا كذلك كيف أنها رفضته واعتبرته ليس جميلًا إنها والله لحمقاء فلم أرَ أجمل من عينيه اللامعتين دائمًا ! حبيبي أبي حين رحلت فقدت جزءًا من ذاكرتي وفي اليوم الثالث على رحيلك بالتحديد بدأت أركض في ممرات منزلنا واقفز هنا وهناك وأتلمس الجدران وكأن للجدران أعين تنظر إلي وكأن فيها رسمات أمرر أصابعي بينها وفي كل هذا لم أكن أسمع بكاء من حولي على فقدان عقلي ولم أشعر أبدًا بما اخبروني به لاحقا بأنهم أضطروا ليربطوا كفيّ وقدميَّ فالنساء بدأن يأتين لرؤية جنوني وبالطبع كلهن يحزنّ أو يتظاهرن لم يعد يهمني ولكن أتذكر شيئًا واحدًا فقط متى فقدت عقلي ! اتذكر أنني وقفتُ قبّالة المرآءه محدقةً في عيوني ومتأملةً بين الدمعات فنظرت ونظرت حتى سقطتُ داخلها فرأيتك! رأيتك تتوسّد فيها مادًا إليَّ يدك.. انتهى