الختمة و غيمة الشعور
بقلم الدكتورة / الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف*
الشعور السامي الجميل الذي ينتاب روح المؤمن، ويتملّك وجدانه حين يختم القرآن في رمضان خاصة -أو يقترب من ختمه- شعورٌ يفوق شعور التلاوة المعتاد خلال أيام السنة، وأيضا مختلف نوعًا ما؛ حيث تكون فرحته أكبر، ودهشته به أقوى، كما إن معجزة القرآن البيانية تمثُل وتتجلى أمام قدرات القارئ الإدراكية المحدودة من جديد..
ذهنه يستحضر مباشرةً وبلا استدعاء مدى عَجبَ الجن من الآيات التي سمعوها، وشهادتهم بأنه أعجوبة لم يسمعوا مثلها من قبل:
{ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ [الجن: ١]
لقد شهِدوا بقولهم {قرآنا عجبًا } أنه كلامًا مُعجِبًا في بيانه وفصاحته.
كما يستحضر ذهنُه أيضا خبرًا تلقاه حين طفولة، ولم يستوعب أبعاده حينذاك.. لكّنه -كلما كبُر وتوثقت صلته بالقرآن- صار يستوعب ويقدّر سبب انبهار الأنس به، وبالذات وصف الوليد بن المغيرة أحد رؤوس قريش وفصحائهم حين سمع آياتٍ منه فقال:
"والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه ، وما يقول هذا بشر "!
ولا عجب..
فالقرآن كتاب الله العزيز الذي { لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، معجزة محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة، كلام الله الذي هزّ قلوب أهل اللغة أنفسهم وأذهل عقولهم.. أهل العربية الذين يدركون أسرارها، ونتيجة ذلك أدركوا بحق تميّزَ القرآن؛ فلا فصاحته ولا بلاغته من جنس ما اعتادوه من فصاحتهم وبلاغتهم؛ فشهدوا له راغمين أنه أعلى مقامًا وأسمى من كلام البشر.
يحكى أن أعرابيًا سمع رجلا يقرأ:
{فلما استيْئَسوا خلصوا نجيّا }
قال: أَشْهَدُ أنّ مخلوقًا لا يقدرُ على مثل هذا الكلام.
وأختم بقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله، عز وجل، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبداً، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وما ذاك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبداً".
رزقني الله وإياكم فضل تلاوته على الوجه الذي يرضيه، ورزقنا تدبره والعمل بما فيه، وجعله شاهدًا لنا لا علينا..
وأسأله أن يكتبني وإياكم وأهلينا فيمن يقال له عند دخول الجنة: "اقرأ وارْتَـقِ ورتّل، كما كنت تُرتّل في الدنيا!"
آمين !
1 ping