أشــراف الــعرب
بقلم الكاتب / فارس عقيل بن عجل*
أستوقفتني هذه القصيدة كثيرًا !! يا أشراف العرب؛ عندما أشاهد ما يحدث من مشاهد يندى لها الجبين والخزي والعار!!
وعندما أستعرض هذه الأبيات وأقرأ وصية
الشريف الرضي، وكيف يوصي أشراف العرب في ذلك الزمن الغابر ويناشدهم، وكأنه يسلط الضوء أو يستشرف وقتنا السحيق في هذه الأيام العربية، إذ ينادي ويوصي بقوله:
((إذَا أَنْتَ أَفْنَيْتَ الْعَرَانِينَ وَالذُّرَى...
رَمَتْكَ اللَّيَالِي مِنْ يَدِ الْخَامِلِ الْغَمْرِ
وَهَبْكَ اتقَيْتَ السَّهْمَ مِنْ حَيْثُ يُتَّقَى...
فَمَنْ لِيَدٍ تَرْمِيكَ مِنْ حَيْثُ لاَ تَدْرِي))
فالعرانين والذُّرى هما أسياد وعظماء وأشراف الـعرب، لله درك أيها الشريف، وأية أمة لا تحترم سادات قومها ومشايخها وأعيانها؛ هي أمة آيلة للانحدار والسقوط في مستنقع آسن لا محالة، وهو ما نشاهده في هذه الأيام من ذبح للعرانين والذرى، وهم أبناء هذه الأمة المجيدة!!
أرى بأنَّ رسالة هذه القصيدة كانت مغيبةً تمامًا عن أذهان مُعظم أسياد هذه الأمة ! وأنَّ مراجعتنا لمسيرة تاريخ النهضة العربية المعاصرة الخجولة نحو نهضتها ، أثبتت كل الدراسات والتطلعات والتقارير بأن أعظم وأشرف تاريخ للعرب الذين يحكمهم أشرافهم هي التي صمدت أمام الرياح الصفراءالعاتية!! والدليل على ذلك كانت المملكة العراقية من أرقى وأعظم الدول بالوطن العربي، وكانت مثالًا للرقيّ في ذلك من العصر الذهبي ، حتى أستحقتهم اللعنة لقتل أشرافهم!! ومنذ ذلك الوقت، رأينا كيف وصلُوا إلى الحضيض !!
وشاهد وانظر واقرأ التاريخ بتمعن، وأنصف بالقول، وانظرأن مؤسس هذه البلاد.
(طيب الله ثراه)أرسى منهج إستقبال وإحترام سادات القبائل وأعيانها وهكذا سار كل أبنائه ونحن نرى جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود حين كان يشرب حليب الأبل ويتناول (تمرة)حلوة الجوف أو خلاص الأحساء من كل مساء، بعد العمل وبدون حرس أو فرقة كوماندوز تحرسه، ويستقبل شيوخ القبائل وأعيان البلاد بكل مودة وحب واحترام، ويسأل عن صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويسألهم عن أحوالهم، ويتبادل الآراء وأطراف الأحاديث معهم، وتأخذهم الحكمة إلى آفاق عليا. ويسيرون أعمالهم بكل سلاسة، ويعملون معًا لتصبح مملكة الخير صرحًا من صروح العلم والمعرفة، ومنارًا للفكر العربي والإسلامي، وقلعةً للشعوب الحرة في العالم الثالث.
وانظر ما حلَّ ببغداد الرشيد؛ كيف سالت الدماء الزكية أمام أنظار العالم!!.
واقرأ عن شيوخ وأمراء الخليج العربي، كيف وصلوا ببلدانهم من التطور والتقدم، وبناء الإنسان، مما جعلها واحةً للاستقرار.
وكذلك سيرة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حيث كان يدعو شيوخ القبائل، ويستقبل من كل حدب وَصوب ضيوف المملكة في منتزه (روضة خريم)ليشرب القهوة العربية الساخنة، ويقدم الولائم لضيوفه بعد عودته من عناء العمل !!
وهذه الأمة تخطط بكل طاقاتها لتحقيق نهضتها الكبرى، وتسابق ساعات الزمن على أسس قوية .
ثم اعتلى عرش المملكة الملك سلمان بن عبد العزيز، خلفًا لأخيه الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز وفقه الله ورعاه، وسدد خطاه، وأعانه. إنه ملك الحزم والعزم؛ يواصل مسيرة البناء والشموخ لوطن المجد، حكومةً وشعبًا، وستظل سندًا وعونًا لكل العرب، ضد أصوات النشاز الطائفي الفارسي المجوسي والإخواني الخبيث!!
لم أقرأ ولم أسمع شعرًا عربيًا أكثر صدقًا وإيمانًا بهذه الأمة وقدرتها على الصمود في وجه الأهوال المخيفة؛ من شعر العراقي مظفر النواب وهو مُتخفيًا في دارٍ طينية أو كوخٍ عديم في قرى إمارة الأحواز المحتلة بعيدًا عن الوطن، وذلك في أواخر الستينيات من القرن الماضي وبعد نكسة يونيو الأليمة قائلًا:
((لا الحكومات... لا الراجعون إلى الخلف/
لا الأطلسي ولا الآخرون وان ضحوا فلسفة/
لا تخف...إننا أمة..)).
مثل هذا الشعر الأصيل والصادق هو الذي يستنهض وجدان وغيرة الشرف العربي لهذه الأمة المجيدة منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا، إنها أرض الرافدين التي علمت وكتبت أول حرف أبجدي أنار للبشرية طريقها، وكتبت لرعاة الأبل حداءهم، وللفلاحين أهازيج حصادهم، واللبحارة أجمل وأروع الألحان والأشعار والحماس، ومن فوق رمال برقة وسرت حتى جبال الجولان حتى جبال زاجرس الماجوسية الفارسية!!.
ماذا إذاً تبقَّى لنا من عرانين وذرى في هذا الزمن الموحش .
أفيدوني بآي تلة حررت من بعد الغزاة!! لأضع عليها رأسي المتعب في هذا الوطن العربي، المثخن بالجراح من سواحل الخليج العربي حتى جبال الأطلسي الحزين!!
1 ping