ألقاب ومُتسلِّقون !
بقلم الكاتب/ عبدالله بن عبدالرحمن العبّاد
راجت في الآونة الأخيرة، ومع تنوّع وسائل التواصل الاجتماعي بعض الأسماء التي هي في واقع الأمر تنتمي إلى تخصصات ومِهَن أكاديمية في الأصل، إلا أن بعض المجتمعات إستساغت وعلى نطاق ضيّق إطلاقها على ذوي الخبرة ممن مارسوا بعض هذه المِهن دون دراسة أكاديمية.
فعلى سبيل المثال تُطلِقُ بعض المجتمعات لقب "مهندس" على الميكانيكي المحترف، ولقب "دكتور" على من يقوم بالإسعافات الأوليّة، ولقب موسيقار على من يعزف دون علم بالنوتة الموسيقيّة!
إن إطلاق مثل هذه الألقاب على غيرِ مُستحقيها تجده دائمًا في المجتمعات الأقل تعليمًا والتي تسودُها البساطة أكثر من المعايير والتي يسمّونها في مجتمعاتهم " تعقيدات " ويتحكّم في ذلك عُرفٌ سائدٌ ينطوي على مجاملة من يقوم بمساعدة أفراد المجتمع الصغير، فتجد أفراده يفخّمون له الألقاب ويُطلقون عليه التسميات نظير مايقدمه من خِدْمَات في مجالٍ مُعيّن.
ولكن ظلّت المجتمعات الأكثر وعيًا محافظةً على حق إعطاء اللقب لمن يستحقّه، فلاتجد مثلًا في المجتمع الأكاديمي من يُسمّى بالمهندس دون شهادة علميّة، ولن ينادي الناسُ أحَدَهُم بالدكتور دون شهادة أكاديميّة.
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المليئة بمختلف الثقافات والعادات، أصبح مجالها خِصبًا لمُستحِقّ اللقب وغيره.
ولكن التخصصات التي تشترط الشهادة الأكاديمية للدخول فيها ظلّت محميّةً ضد أيّة إدعاءات تُلصِقُ اللقبَ بمن لايستحقه، مثل الدكتور والمهندس والمحامي والقاضي والصيدلي ... الخ
أما لقب ( إعلامي ) فقد أصبَح وبكل حزن وأسف مشاعًا لكل من يريد التسلّق على سُلّم الشهرة طمعًا في الضوء المُسلّط على أصحاب هذه المهنة، وإيمانًا بأن الإعلام هو أحد الأسلحة التي تمتلك القوّة الناعمة ( والضاربة أحيانًا ) لأي دولة، وأيضًا هي المتحكّم في توجيه أو تعزيز أو تغيير الرأي العام للشعب.
وفي الواقع إن استمرّ هذا الاجتياح من كل من هب ودَب ليسمي نفسه بالإعلامي لمجرد الممارسة دون أن يحصل على شهادة أكاديمية في مجال الإعلام، فسينتج عن ذلك إغراق الوسط الإعلامي من غير المتخصصين وتكدّس أعداد المتخصصين في الإعلام دون محضَن وظيفي يُنمّي تخصصاتهم في سوق العمل.
بالإضافة إلى أن هذا الأمر يضعف بل يطيح بهيبة المهنة، والتي كان لايجرؤ أيُّ دخيل غير مؤهل على الانخراط في أوساطها المليئة بالوَهَج من جانب، وبالقوّة من جانبٍ آخر .
إن فرض الرقابة على كل متسلّق للألقاب باتَ أمرًا مُلحًّا حتى تظل هذه المهنة شامخة يشرف كل جدير بالانتساب إليها.