حين فقدتُ حروفي
بقلم الكاتبة / عابده الخرمي*
بدأ راشد كما لو أنه يفتح عينيه على الحياةِ للمرّة الأولى فحين نهض من فراشه ذات يوم فاغرًا فاه فإذا هو لا يستطيع نطق حروفه بشكلها المعتاد ورأى أنه بدأ يتلعثم عند كلّ حرف سين إنه بالضبط استحال في نظر نفسِه فمٌ وشفتان متحركتان واعين الآخرين مصوبةً بمنظارٍ وبعدسةٍ مكبّرة عليها فكلما أراد مغالبةً أذنه وسماعِه وجد أن أغلب الحروف تنثال عليه وتلطم وجهه في كلّ كلمةٍ بلثغةٍ جديدة كان يحاول التملّص والهرب بنفسِه والركض بعيدًا ولكن الآيادي تشيرُ عليه والآخرين كلّهم يطالبونه بالمكوث بينهم ويلّحون بالأسئلة عليه وهاهو في كلّ مرةً يتباهى بأن العزلةً حبيبةً إليه وأنه آن له البقاء بعيدًا و وحيدا ولكن لا فهنالك من دعاه على كوب قهوة وهنالك من أراد مشورته في أمرٍ طارئ ومهم وكل هذه الفوضى في نفسه جعلته مريضًا ومتهالكًا ولا يُبدي من ذلك شيء حتى إذ فتح باب بيته أراد من زوجته ترميم تمزيقه ومدارة ما جرى له وأن تسعفه فورًا فهو يردد عندها الكلمات ويسمع اللثغات ويشعرُ بالنغزات وأما هي فتقول : لا أنا لا أسمع أي ثين مكان الحرف سين ولا أجدُ أن الزاء أنقلب ذالًا وهكذا يبدأُ مزمجرًا وغاضبا ومنطرحًا باكيا!