المشكلات ودور الإيجابي في حلها
بقلم الكاتبة / سلوى الجهني*
قال الله تعالى في علاه “لقد خلقنا الانسان في كبد “.. ، وهذه سنة الله في خلقه ، ان جعل حياة الانسان في كبد ومكابدة الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، فكل انسان يتعرض في حياته للمشكلات والمنغصات ، ولكن البشر يتفاوتون في نظرتهم للمشكلة ، فمنهم الايجابي العصامي القادر على مواجهة مشكلاته وحلها مهما عظمت ، ومنهم العظامي الانهزامي والضعيف امام اصغر مشكلة يواجهها ، دائم التذمر وكثير الشكاية وتكبر في نفسه لسعة النملة ، قال الشاعر : وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم .
ان الزمن لن يتوقف ان اوقفنا عقارب الساعة ، والحياة ستستمر سواء واجهنا مشكلاتنا وعالجناها ، او انكفانا على انفسنا وتركناها لتتراكم . فمشكلات الحياة التي تعترض الانسان كثيرة وملازمة له في حياته , ويمكننا تشبيه ملازمتها للإنسان كظله ، فالظل غير ملازما للإنسان دوما ، وقد يكون اكبر منه او اصغر ، ومستقيما واحيانا اخرى متعرجا ، وقد يستطيع الانسان اخفاء ظله ان اراد ذلك واجتهد باختيار التوقيت او المكان ، وكذلك المشكلات ، فإنها ليست دائمة وقد تكون كبيرة او صغيرة وقد تكون واضحة واحيانا مبهمة وغامضة ، فجميعنا تعترضه المشكلات وقليلنا من يواجهها ويتعامل معها بالعقل والمنطق .
فالمشكلة تعني وجود خلل او ثغرة في حياة الانسان لم ينتبه لها او تجاهلها وتكبر وتستفحل ، والبشر في ذلك صنفان :
1 - الايجابي الفطن ، الذي يعالج مشكلاته بموضوعية ولا يدعها حتى تكبر وتصبح عصية على الحل ، ويجتهد لعدم التعرض مستقبلا لأي مشكلة ويكون مستعدا لمواجهة أي مشكلة بثبات وعلى بصيرة من امره فتمر عليه ويتجاوزها بسهولة ويسر .
2 - السلبي اللامبالي ، الذي لا يبادر لحل مشكلاته فتتراكم وتصبح ثقيلة على الحمل وعصية على الحل , حينئذ يسيطر عليه القلق والتوتر ويفقد توازنه الفكري فتتشتت افكاره ويعجز عن حل المشكلة فتكبر ويبدا بالبحث عن الحلول لدى اصدقائه او اصحاب الاختصاص في تحليل وحل المشكلات ، وتصبح حياته كئيبة حزينة .
ان مواجهة المشكلات الحياتية ومعالجتها ، تجعل الانسان عظيما قادرا على مواجهة صعوبات الحياة ، لا تهزه نائبات الزمن .
ما المشكلة ؟ وما أسبابها ؟ ومن هم أطرافها ؟ :
المشكلة : هي عقبة او موقف في العمل أو الحياة الخاصة للفرد تحول دون تحقيق المراد ، وتنشأ من وجود مسافة بين ما يفترض ان
يكون وبين ما هو كائن ( بين المفترض وبين الاقدار ) ، وهذه المسافة بين الفرضيات والأقدار يتردد صداها عن المعاناة
الإنسانية في العديد من الكتابات والأدبيات. وهذا ليس دقيقا كفاية !
فالمشكلة ليست موقفا مغلقا بل مفتوحا على الألم والفرصة معا .
أسبابها : 1 - سوء الفهم للأمور ، وعدم حسن التصرف في بعض المواقف .
2 - سوء تقدير الموقف وما ينتج عنه من التسرع بردة الفعل واتخاذ القرارات الخاطئة .
3 - ضعف الشخصية والتردد وعدم الثقة يؤدي الى اتخاذ القرارات بمنظور الاخرين .
4 - الغيرة والحسد يولدان الحقد وتجييش النفس للانتقام .
أطرافها : 1 – السبب او المتسبب : هو من خلق المشكلة او افتعلها .
2 – الضحية : هو من وقعت علية نتيجة المشكلة . والضحية قد يزيد من حجم المشكلة ان تعامل معها بعصبية وتوتر ، واحيانا تتولد مشكلات أخرى اكبر واعمق من المشكلة الأساسية .
3 – البيئة : قد يكون للبيئة المحيطة دور في استمرار المشكلة و تفاقمها وتوالد مشكلات اخرى ، وتوجد عدة عوامل بيئية تؤجج المشكلات وتفاقمها ، اهمها :
- تدخل الاهل في المشكلات بين الزوجين .
- وجود مستشار مالي لا يفقه بالتخطيط .
- العمل مع الاقارب و الدخول بشراكات غير مخطط لها بدقة وغير واضحة التفاصيل .
- عدم فصل علاقات العمل عن العلاقات الشخصية .
- ومن أخطر ما يواجه الضحية هو المستشار الخائن او الفاشل .
أنواع المشكلات التي يواجهها الانسان :
1 - مشكلات نفسية شخصية : هي المشكلات التي تؤثر على الشخص نفسه كالتأخر بالزواج او عدم توقر فرصة عمل ، او التعرض لوعكة صحية او الاضطرار للتنقل من مكان لآخر حسب ظروف العمل .... الخ ، ، فتجده يتذمر ويتضجر ان لم تستقم له ظروف الحياة ولن تستقيم لاحد ، وتسيطر عليه النظرة السوداوية للحياة ، فالإنسان لو فكر بإيجابية وحاول استثمار الوقت المتاح بالمطالعة وحفظ القران والتسجيل بالدورات المتخصصة لتطوير القدرات واكتساب الخبرات وتنمية المهارات لتبدلت احواله للأفضل ، بل افضل مما كان يتوقع .
2 – مشكلات مالية : وتنشا من محدودية الدخل وزيادة المدفوعات ، وتتمثل بعدم المقدرة على تلبية الحاجات المطلوبة بالحد الادنى . واسبابها : عدم التخطيط للمشتريات ، والاندفاع بالشراء دون حسبان ، او شراء كل ما نرغب به وهذه المشكلات يمكن معالجتها ب : وضع خطة للمصروفات , وعدم شراء الكماليات وغير الضروري .
3 – مشكلات اسرية : قلّما تخلو اسرة من المشكلات صغيرة كانت او كبيرة ، علما ان اغلب المشكلات الاسرية تكون صغيرة وتتراكم بتأجيل معالجتها مما يجعل منها مشكلات كبيرة وعصية على الحل ، فالإيجابية بالمشكلات الاسرية تعني ، التغاضي والتغافل للوصول الى التراضي ، ولا تسمح بتراكم المشكلات وتجتهد لمعالجتها بروح رياضية لا غالبا فيها ولا مغلوب ، ، وتجعل الاسرة سعيدة تغمرها العواطف الجياشة والفياضة ، شعارها ( نحن ولا ل الانا الخبيثة بيننا ) ، لا علو فيها للوالدين على بعضهما ولا تمييز فيها بين الابناء . واما السلبية بالمشكلات الاسرية تعني ، تعظيم المشكلات البسيطة والتشبث بالراي والحلول ، وتحيل مشكلاتها الى ساحة حرب ضروس تحرق الاخضر واليابس ، وتجعل منها اسرة فاشلة مفككة تسيطر عليها الانانية وكثيرا ما تنتهي الحياة الاسرية بالطلاق وتشرد الابناء .
4 – مشكلات العمل : يتعرض بعض الموظفين لمنغصات بعمله لأسباب كثيرة ، منها سوء فهم للقرارات او كيدية بدافع الحسد او الغيرة بالتأثير على الموظف لاستنزاف طاقته وجعله يتصرف بشكل غير لائق مما يؤثر على تقييمه وادائه الوظيفي منعا لترقيته ، فالإيجابية هي شكر الله ان كشف له دخائل نفوس الاخرين ليحذرهم ، او النظر الى المشكلة كفرصة للبحث عن عمل افضل في مكان اخر ، ولكن يتوجب عليه الصبر ومعالجة المشكلة بحكمة وروية لكي لا يخسر عمله ، وعليه ان يوثق كل شيء بخطابات بريدية حسب الاصول .
5 – مشكلات الصحية : جميعنا يمرض وقليلنا يشكر الله ، فالمرض سنة من سنن الخالق في خلقه ، والامراض منها العَرَضي وسريع الشفاء ومنها المستمر الملازم للإنسان ، فالإيجابية في المرض تكمن في شكر الله على الصحة والعافية ، وان المرض عرضي بسيط ، وان كان خطيرا ومستمرا نشكر الله ان اعطانا الصبر والقدرة على تحمل هذا الابتلاء ، والانسان الايجابي يستثمر مرضه أياً كان في قراءة القران والذكر والدعاء والمطالعة ، قال عليه الصلاة والسلام ( عجبا لأمر المسلم فان امره كله خير ، ان اصابته سراء شكر فكان ذلك خيرا له ، وان اصابته ضراء صبر فكان ذلك خيرا له ، وليس ذلك الا للمؤمن ) . اما الانسان السلبي فيكثر من الشكوى والتضجر من مرضه والتذمر من حاله .
لماذا تعظم المشكلة ؟ :
ان بعض الناس لا يتدارك المشكلة حين حدوثها ، فتراه يؤجل حلها ويسوّف مواجهتها ، او يهروب منها ، فتعظم وتستفحل وتفرض نفسها بقوة ، حينها يسيطر على الانسان القلق والتوتر ويبدأ بالبحث عن أي حل ، وغالبا ما يتسرع بالحل الذي يأتي كردة فعل للحدث دون دراسة وتفكّر فيكون تأثيره عكسيا يزيد المشكلة صعوبة وتعقيدا . ان حل أي مشكلة حين حصولها يكون سهلا وبسيطا ، وان تركت كبرت وتعاظمت واستعصت على الحل ، فشرارة النار يمكن السيطرة عليها اول حدوثها وان تركت تعاظمت وتحولت لنار تحرق كل شيء . فمثلا بعض الأحيان نتسرع بالرد على رسائل التواصل على رسالة فهمناها خطأ فنندم ونبدأ بالاعتذار للطرف الأخر وقد تحدث مشكلات اكبر بسبب ذلك . أهم أسباب تعاظم المشكلات :
- البرود واللامبالاة وعدم التفاعل الايجابي مع المشكلات وقت حدوثها .
- افتقاد الصبر وعدم التريث والعصبية حين حصول المشكلة .
- التوتر وغياب الحنكة وبعد النظر يزيد من وطأة المشكلات .
- الافتقاد الى الحوار البناء والهادئ حين معالجة المشكلات .
طرق حل المشكلات :
1 - معرفة المشكلة وتحديدها وتمييزها : يجب تحديد نوع المشكلة وتمييزها للتعرف عليها وجمع المعلومات عنها .
تحليل المشكلة : بعد جمع المعلومات يتمّ تحليلها لمعرفة أسبابها ودوافعها وتصوّر الحلول .
2 - وضع الحلول الممكنة : بعد تحليل المشكلة يتم وضع الحلول الممكنة ، ويفضّل أن تكون بسيطة وممكنة التطبيق وتعالج المعوّقات وتصل للهدف ، وللعلم بأنّه كلّما كانت الأفكار أكثر كانت الحلول أفضل .
3 - تقييم الحلول : يجب مقارنة الحلول مع بعضها البعض ودراستها لتقديم الحلول الابسط والاجدى ، مع الأخذ بعين الاعتبار سهولة إمكانيّة العمل بها وتنفيذها ، على ان تراعي الحلول الأنظمة و القوانين والأعراف .
4 - التجارب : يتم تجربة الحلول المطروحة للمفاضة بينها وترتيبها بسلم أولويات .
5 - النتائج : يتم تقييم تجارب الحلول مع النتائج والمخاطر المترتبة عليها ، لاختيار الحل الامثل والابسط للتنفيذ .
6 - تنفيذ الحل الذي تم اختياره : يجب ان يراعي الحل المختار :
- النتائج والأهداف المرجوة .
- اقل فترة زمنية .
- الإجراءات غير المعقدة .
- المصادر والمساعدات.
- قليل المخاطر .
- اتّباع خطة وآليّة ومنهجيّة الحل .
نقل المشكلة من السلبية إلى الإيجابية ، وتحويلها المشكلة الى فرصة :
لا يستطيع الانسان حل مشكلاته باعتماد نمط التفكير نفسه المنشئ لهذه المشكلات ، وفي كثير من الحالات نجد أن القائم بحل المشكلة هو المشكلة ، وسنجد صياغة المشكلة هي المشكلة في أكثر الحالات ، وغالبا ما نجد أنفسنا نبحث عن الحلول في المنطقة الخطأ .
قال احد الخبراء المتخصصين : ( ان المشكلات الكبيرة جدا هي مجرد فرصة لحلول أكبر) ، لذا فان حل المشكلة وتحويلها من السلبية الى الايجابية واقتناص الفرص يتطلب العمل بمهنية مع المداخل التالية :
1 - التحول من معالجة المشكلات الى استثمارها .
2 - مراجعة صياغة المشكلة المطروحة .
3 - مراجعة منطقة البحث عن الحلول والفرص .
وهذه المداخل تحتاج الى ما يلي :
- تعريف المشكلة وتحديدها وحصرها .
- وضع الحلول الممكنة والبحث عن الحلول البديلة .
- تقييم واختيار الحلول المناسبة لحلّ المشكلة .
- تطبيق الحلّ المناسب على أرض الواقع .
- التريث والصبر حين البحث عن الحلول مع اليقين ان الامر مقدر وخيرة وليس شرا .
- الاستفادة من قصص سابقة ومشكلات مشابهة والقياس عليها .
- استشارة اهل الخبرة والاختصاص .
- البحث عن السلبيات والايجابيات في حال تعدد الخيارات .
2 pings