هدنة التشخيص
بقلم الأخصائية النفسية/ خلود الحارثي
بطبيعة الحال الإنسان لا يذهب أو يبحث عن مخرج إلا عند وجود مشكلة أو اضطراب ما يجعله غير متوافق مع حياته..
لذا من البديهي سيبحث عن طرق الحل ؛وهنا تكمن مشاكل كثيرة وتؤثر فيه بشكل ايجابي أو سلبي خلال مرحلة البحث أو محاولة فهم وضعه الحالي. مثاله شخص يشعر بتوعك شديد في بطنه أو ارتفاع في درجة الحرارة مع تلك الأعراض يعجز عن النوم ،الحركة ،الأكل ،الشرب... ،سيذهب للطبيب إن كان قادر ويجري عدد من الفحوصات لتحديد نوع المرض الذي تدل عليه الأعراض الحالية ويقوم الطبيب بإخباره عن مشكلته وطبيعتها وطرق الوقاية والعلاج..
بينما الأمر يختلف ويتضارب في إذ كان هذا الألم أو العجز سببه نفسي/عصبي!؟
قد تكون آلية تحديد المشكلة النفسية عميقة نوعاً ما وتحتاج لفترة كافية حتى يتضح شدة العجز الشخصي ،العملي ،الاجتماعي ،والأكثر منه صعوبة النمائي إذا كان طفلاً.
حين يبدأ الفرد بالحديث عن ما يشعره ويتفقد ملاحظات الآخرين عليه محاولاً أن يفهم مشكلته ومدى صعوبة قدرته على التكيف بظهور اعراض قوية قد يذهب لعيادات مختلفة وكأنها ناتجة عن مشكلة عضوية بينما يبحث الطبيب عن تاريخه المرضي وفحوصاته الجديدة ربما يرى أنه جيد جسدياً بينما الأعراض النفسية هي سبب لنشوء بعض العلامات الجسدية مثل: الصداع ،القولون،الضغط ،التهاب المفاصل.. وتسمى في علم النفس (الأمراض السيكوسوماتية) فينصح الطبيب المعالج تحويله إلى الطبيب النفسي ليحدد مشكلته وبالتالي يعطيه التشخيص المناسب ويشرحه بتظافر جهوده مع الأخصائي النفسي لمعالجة الفرد بمراحل العلاج النفسي.
ولكن الأمر الذي أراه في تشخيص الأطفال خصوصاً مابين سن الثانية والرابعة بالإضطرابات النمائية ، الإضطرابات النفسية ،المشكلات الإنفعالية السلوكية شيء يجعلنا نقف بحزم لمراجعة طرق التشخيص والزمن المناسب والتدخل المبكر لهؤلاء الأطفال حيث أن التشخيص قيمته تكمن بتحديد الاساليب العلاجية المناسبة فمن الصعب أن يتم تشخيص طفل في هذا العمر لأن دور العوامل المحيطة به تلعب دوراً هاماً حيث هناك عوامل رئيسية مسببة فيه أو عوامل مساعدة له كالرعاية والاهتمام ،دخول الروضة والمدرسة ، التفاعل مع الآخرين ،التدريب والممارسة ،خضوعه لخطة تعليمية وعلاجية..
من السهل على الآخرين تشخيص الطفل الذي يعاني من الخجل أو الصمت الاختياري بـ (توحد أو تأخر لغوي)! ؛لكنه صعب وحساس لأهل هذا الطفل ولأصحاب التخصص النفسي ؛فالتوحد مختلف بأعراضه عن الخجل والصمت الاختياري ، كما أن الخوف مختلف عن الاكتئاب وقضم الأظافر كمؤشر قلق يختلف عن المشاكل الحسية حيث أن مهمة التشخيص الدقيق هنا يقدم تفسيراً للفهم ووصف للحالة والتنبوء بما يتعلق بها ،وهنا لا يمكن الإقرار بشكل حازم على تشخيص معين واحد لملاحظات غير كافية من شخص غير مؤهل!!
لدينا قواعد مهمة في التشخيص وأنواع محددة هناك تشخيص مبدئي وهو طور التعديل والتغيير بناء على عدة اعتبارات ،ثم يليه التشخيص النفسي الذي يحدد لي الإضطراب بشكل عام ،ويتبعه التشخيص الفارق الذي يفرق لي بينه وبين تماثله مع اعراض أخرى ويبرز الجانب الرئيسي فيه وبعده يكون التشخيص محدداً ويتم كل ذلك بعد عدة خطوات وفترات كافية لوضع مسمى قد يكون مصيري للطفل والأهل. غالب ما أراه لا يلتزم بهذه القواعد مما يجعل موقفنا غير مقنع للأهل عندما يتم تشخيص الطفل بإضطراب ما وبعد جمع الملاحظات ،البيانات ،دراسة الحالة وصياغتها ،تطبيق المقاييس اللازمة يظهر اختلاف في تشخيص الطفل ونظل في رحلة الإرشاد الإسري طويلاً دون جدوى احيان ؛وتلك صعوبة نجدها تعيق دورنا في تقديم خدمات مناسبة للطفل عندما يتم تشخيص الطفل مثلاً بطيف التوحد فيكون اسلوب الطبيب تخفيف الأعراض بفهم الأهل لكلمة طيف! بينما المعنى والدلالة مختلفة فطيف التوحد هو مدى واسع يشمل مجموعة من الأعراض الإضطرابية المختلفة بمستويات عديدة وليس بمعنى "توحد قليل"!
ومن الخطأ الفادح أن يتم تشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في مقابلة واحدة للطفل دون ملاحظته في مواقف عديدة أو دراسة وافية للأعراض هذا غير عادل بحق الطفل بحيث يصدر له تقرير نفسي بهذا التشخيص وتبنى عليه قرارات مصيرية للطفل.
فالمنطق والحقيقة في اخبار الأهل عن مشكلة الطفل هو الحل السليم وفق قواعد ومعايير التشخيص الصحيحة مهما كان قسوته أو ألمه لأنه يساهم في تحديد الخطوات الأساسية التي نبدأ بها التدخل العلاجي ،بينما اخفاء الحقيقة وتصغير المشكلة يوهم الأهل مما قد يؤخر التدخل أو العلاج ويمرون بمراحل منها عدم التقبل ووضع الطفل في بيئة غير مناسبة له فيزيد من مشكلة الطفل وتبدأ تتصادم الأراء حول التشخيص الحقيقي فتكون بين خيبة واحباط شديد ووقعه النفسي اعظم من الحقيقة الأولى وتبدأ مرحلة البحث حول التجارب والخبرات المماثلة دون عناية علمية! وهذه احدى الصعوبات التي تواجه المختصين في الميدان التربوي والتعليمي والتي نسعى لرفع الوعي حولها. فالتشخيص أو المسميات ليست نهاية الحياة بل هي نقطة تحول للطفل أو الأهل وكذلك نقطة تحدي كبيرة بالنسبة لنا لإدارة الصعوبات وتسهيلها ،لم نختر الأقدار إنما الإرادة التي رزقنا بها قادرة على تكيفنا وتحويل مراحل الألم لمواطن حكمة وقوة لنا ولغيرنا.