القراءة
بقلم الكاتبة / نوف الدوسري
لطالما آمنت أن القراءة عالم مصغر يلجأ إليه الإنسان كلما تعطشت الروح وجاع العقل، عالم صغير نلجأ له كلما انطفأ توهجنا وضاعت توجهاتنا، القراءة أقرب لأن تكون صديقًا وفيًّا مخلصا، صديقا يحمل عوالم أخرى بين طياته، صديقا يفتح لنا نافذة واسعة تطل على الأزمنة القديمة وعلى العصور المختلفة، صديقا ثرثارًا يملك معلومات متجددة لا يمل الحديث أو فتح موضوعات شيقة: حب وحرب، سلام وكوارث، جنون وتعقل، منفى وأوطان، صداقة وخيانة... كل ذلك وأكثر
تعلق قلبي بالقراءة منذ الصغر وأحببتها، أحببت الروائيين والشعراء وصناع الجمال، أحببت الخوض في سير حياتهم الذاتية وعشت معهم تفاصيل حياتهم، تألمت لألمهم وفرحت بأفراحهم ورقصت وتغنيت بأشعارهم، أبحرت في تفاصيل الكتب وأسماء الكتَّاب ورائحة الورق وغرقت في فصولها، علمتني القراءة كيف أهذِّب نفسي وكيف أنتقي كلماتي وكيف أتأمل الجمال من حولي، علمتني حسن التعامل وحسن المعاشرة، وكيفية انتقاء مصطلحاتي، وعلمتني أو بالأحرى أرجعتني إلى استخدام لغتي الضاد ورؤية جمالها والتعمق في معانيها، قرأت في الفلسفة فإذا بي أعيد ترتيب حساباتي في مجال المنطق والحكمة والتفكير من منظور آخر، قرأت في أدب السجون فإذا بي استشعر النعم التي من حولي فأصبحت أحمد الله عند رؤية بزوغ الفجر وغروب الشمس وحتى تقليم أظافري دون جهد يذكر! قرأت الروايات فأصبح خيالي أكثر خصوبة واكتسبت طرق تحليل الأشياء، صرت أكثر انتقاء للمفردات وزادت حصيلتي اللغوية، قرأت في التاريخ فوجدت فيه العبر والحكم وقصص الأمم والشعوب التي قبلنا، وتأملت الحضارات التي سبقتنا فعرفت أن الأيام دول وأن البقاء للأقوياء لا الضعفاء، قرأت في السير الذاتية وإذا بي أنشَدُّ إليها دون سابق إنذار مني، فوجدت نفسي في ثقافات جديدة وعادات مختلفة عمَّا اعتدت عليه. أيقنت مع الوقت ومع كل كتاب اقراءه مدى عمق جهلي وأيقنت كذلك ان القراءة وحدها تصنع الفرق بالإنسان.
ختامًا، بالنيابة عني وعن كل القراء أود أن أقدم تحياتنا للكتَّاب والأدباء والفنانين والشعراء وملهمي الفكر على ما يقدموه لنا من فن وجمال، غير عالمين كم يخففون عنَّا أثقال الحياة وأعبائها.
1 ping