خواطر في التوحد
بقلم الاخصائية النفسية/خلود الحارثي
تخصّصنا في العلوم النفسية والسلوكية ؛ومايقال لنا ونقرأه لاشك أنه مع الواقع يعكس صورة مختلفة عما جمعناها في تصوراتنا بدأت بملاحظاتي الأولية وجمع المؤشرات والدلالات التي كانت طوال سنوات الدراسة هي عبارة عن استفهام كبير حول هذا الإضطراب الذي اتفق على مظاهره الكثير واخُتلف في أسبابه. عندها قد نمت البرامج المقدمة لمساعدتهم وحظينا ببرامج التدخل كونها المحطة الأولى في تعليمهم وتأهيلهم. ونحن على أمل تمكينهم في المهن المناسبة مستقبلاً ببرامج مساندة.
فقد رُزقت العمل معهم وتعلمت مالم اتعلمه في المصادر التي كنت انتقي منها معلومات تعين الممارس ليتقدم في عمله. وبما إن طيف التوحد يضم عدداً من التصنيفات يجدر التوعية بها وفهمها فهذا الإضطراب النمائي يسبب قصور ملحوظ في ثلاث مجالات مهمة في حياة الطفل التواصل ،التفاعل الإجتماعي ،السلوك. فقدرة الطفل وامكانياته تصبح أقل من أقرانه في هذه المجالات عبر مراحل نموه. وطالما الطفل يحظى برعاية واهتمام في المنزل ،المدرسة ،أو المركز فالأمل لايزال قائماً بالنسبة إلينا للتدريب والتحسن. حقيقة أننا لدينا جميعاً بعض من السمات التوحدية ؛ولكنها بدرجة مختلفة نستطيع معها أن نكون مرنين ومتكيفين في ظروف الحياة. نشعر في فترات معينة من حياتنا أننا نحتاج لأن نتوحد مع انفسنا أن نبقى بداخلنا لبعض الوقت ومرات عديدة نتجنب التواصل والتفاعل الإجتماعي في بعض اللحظات والمواقف التي نعجز عن التعامل معها لأننا لانستطيع فهم هذه المشاعر وكيفية أن نديرها ولو على مستوى لحظي.
تعلمت من التوحد أننا نشترك معهم في قدر معين من السمات وأننا نقف على حدودٍ لكي نفهم هذا العالم الذي ينتمون إليه فهو عالم مختلف ؛ولكن اختلافه صادق جداً. مثلاً عندما بدأنا بعض التدريبات حول المشاعر وكيف لنا أن نعبر عنها بوسائل تساعدهم بدأت أرى مايفند قول أنهم لايشعرون بنا!
لن انسى موقف تلك الطفلة بعد غياب طويل كيف كان احتضانها يطير بقلبي سروراً فالمدة التي قضيتها لم تكن تدهشني بالتعلق!
وعلى مرأى الكلمات الناطقة كان لفرك العينين تعبيراً عن البكاء وأن شعور الملل تسلل إلى هذا الطفل الصغير..
تعلمت أن ارسم الصبر بالألوان الزاهية والإبتسامة الكبيرة في كل صباح نعيشه معاً لأن هذا النوع من الصبر ليس كما كنا نعتقد خصوصاً لمن أحب عمله ورأى فيه متعة يومه وبمن يصحبهم طوال اليوم بل ينتج داخلي طاقة مختلفة طاقة كامنة تظهر حين أرى تحقق هدف أو وصول الأداء لمستوى جيد حتى وإن كان بسيطاً فهذا يعني لي الكثير. فغالباً يكون التركيز على المستوى الأكاديمي في حين أن المستوى السلوكي والعاطفي مهم جداً فالعمل على المستوى النفسي واستقراره هو المدخل لبقية المهارات عند الطفل.
احدى الصباحات كنت أتألم وجعاً والإرهاق يعلو ملامحي كنت احتاج راحة في مثل هذا الصباح تذكرت ما أقوم به نهضت وتوجهت لمكاني ووقفت وأنا استند بنداء صغاري وكأن الرحمة تتشكل في اصواتهم شعوراً اشبه بضمادات شافية بعد الله..
فالقوة بالرحمة ،والإنجاز بالتحدي ،كما أن النجاح يبدأ بأصغر سلسلة في المهام ،وأن الروابط نستطيع تشكيلها بالتواصل الغير لفظي(دون كلمات)فلقد فهمت مايعنيه شعور الأمهات حين تشعر بأن طفلها يتألم دون أن يخبرها ،أن طفلتها تود الذهاب للمرحاض ،أن شفاة صغيرها عطشة وجائعة!
صنعنا بيننا تواصل شبيه بذلك بدون كلمات أفهم من حركات الأنف أن هذا الأكل لايفضله أرى لمسة يديه لم ترتح لهذا المعطف ،استشعر أن أذنيها منزعجة من صوت الضجيج ببحث عينيها لمصدر أمان ،تعلمت أن أفضل تواصل نصنعه هو الذي يخبرنا دون كلمات..
فالمشاكل الحسية لدى التوحد تدل على استجابة غير تكيفية في منظومة عملية ادخال المعلومات وتنظيمها وتفسيرها عبر الحواس فهي تستثير الحس عندما يكون ماحوله مليء بالمثيرات الحسية هنا فهمت أننا عندما نغمر انفسنا بمثيرات معينة فهي تقل بحساسيتها وتأثيرها علينا بشكل تدريجي حسب قوة التحمل فالقدرة على ذلك من شأنه أن يعزز التكيف.
حتى التواصل اللفظي الذي يخرج منهم في كلمات محددة وواضحة هي صريحة للغاية وبريئة القصد. حدث مرة أن كانت الفتاة أمام زميلتها التي تشرب ماء فبدأ على زميلتها التضايق أثناء شربها الماء فنطقت لها أنه ماء بارد! وبالفعل بعد تحسسي للقارورة كان بارد مثلج!
فتوظيف الكلمات التي ننطقها بالمواقف اليومية وفي العاطفة بشكل محدود وواضح هو بحد ذاته وسيلة تنطيق تزيح عن كواهلنا الكتمان وتعرف بنا بشكل مختصر يقتضي الغاية منه.
ومن الطبيعي جداً أن اشارك الأهل هذه المشاعر الجميلة لأنها تعزز الجوانب الإيجابية في حياتنا جميعاً وأن ندرك الأمور بطرق أكثر ايجاز مُهلم ،وحتى أن نكون أكثر واقعية في مواطن الإنتكاسة نتمسك معاً بإيماننا بتجاوزها بأقل ضرر وبل نتحد كتهيئة لما سيحدث بعدها كونها ستمر علينا أحوال غير مريحة نتجاوزها بفهم المرحلة والعوامل التي تساعد على التخطي ومناقشة الوضع مع الممارسين لإيجاد الدعم والمساندة.
فمشاركة أسرة التوحد كافة الأحداث التي تحدث لطفلها هو شيء يعجبني كثيراً ويدعم التواصل والفهم بيننا بل يلغي الحواجز الرسمية التي تحول دون مرونة العمل ببعض الأحيان حتى كنت اخبرهم لو أنه شيء سلبي لاقدر الله نفضل مشاركته والحديث عنه لإزالة المشاعر الحرجة وفهم الموقف وتقديم التدخل المناسب واعطاء المعنى الذي يليق بنا.
لم يكن الروتين الذي يفضله التوحدين كمظهر أن يكون مفضلاً لي أيضاً احببت الروتين الذي نسير عليه وفق نظام يكفل لنا أداء وعمل مميز ومكانة واضحة الوجود. التفكير خارج الصندوق يبدو لي أكثر إلهاماً مما عهدت ففي كثير من الأحيان اتوقف عند نقطة معينة في التدريب وفق الهدف فأجدنا نتعدى هذا الهدف نحو مسار مختلف لم يسبق لي أن نظرت له بهذا المنظور.
وددت في هذا المقال نقل شيئاً مشرقاً يُرى باليوم العالمي للتوحد الذي يُقام في الثاني من شهر إبريل ويمتد كي يكون لهم الشمول في مكان العمل لأنهم يستحقون ذلك.