أتوق لذاتي
بقلم الكاتبة / جواهر محمد السلمي
يا ربيع الحرف على ذُرا المعنى .. وصفاء الذات مضمونًا ومكنونًا فمغنى، سأسبل حروفي أمام قارئ شغوف لذاته فطن لأبجديات وجد ضالته في ثناياها، لطالما استفهم وراء ما يرى من ذلك المرء الذي اكتملت أعمدته وشيّد بناءه.. اجمحْ في فضاء اليقين واستجدي جوارحك لتمضي مع قوافل الشواهد ، وقبل هذا وذاك اسأل نفسك لتعد عتاد المضي هل تتوق لذاتك يومًا ؟ تساؤل يجعلك تجدف بقديك على رمال لتنتهي وقد وصلت ، تساؤل يبني تلالا من بحر العمق المخبأ داخلك للتقصي ، وهل تجدف على رمال ؟ أو تبني تلالا من بحر وسواحل ؟ أتيتُ بها لأكسر قاعدة منها ذُكرت كل التنبؤات مكنفة بالمستحيل من أفواه ترمي بتساؤلات وهل يتوق المرء لذاته وهي بداخله ؟
وهل يقدر أن يبقى مع ذاته ويدير ظهره عمن معه ؟
تراه على رُبا كل راية متفاخرًا وهاجًا ، يتوقد السؤدد من أعاليه انتصارًا لذاته فلا أيام بمقدورها مكابدته وإن بدا ذلك سلّ نضاله يجابهها فصهل ثباته أمام كل مُجابه ، ترى اليأس أبكمًا أصمًا يموج أمامه فيحدق إليه ذلك المرء بعين اتسعت حدقتها فمرساته على ثباتها تعهدت له فلا يشقى، تراه متعايشًا مع حياته متكيفًا طموحًا متطورًا منجزًا ممتلئًا بمكنونه، تراه لغة استعذبتها الألسن بيان ساحر ووقع باهر، تراه راضيًا متحالفًا مع ذاته التي عقد معها ميثاق الاكتراث فتسامى وبعُد عنه كل ما يعصف به.
أستوقفك أيها السارح في مدى كل حرف سلف ، بملء اليقين نعم أنه ذلك الذي تاق لذاته فوجدها وبدت أمامه فاسفهل القطاف الذي تاق له كما تاق هو لذاته . القول هنا ليس من سرب الخيال، يأتيك البيان بتأويل كيف وصل ذلك المرء لما وصل إليه .. أبرمتُ قول أهل الإختصاص مع يقيني التام بأن المرء يجب عليه أن يكون حاذقًا في إدارة حوار مع الذات كأول خطوة راسية في أرض المضي نحو الذات، لا ضير لو انزوى المرء في ربيع من الوقت مع مضمونه وداخله المكتظ به ويبتعد عن خطوب الحياة جميعها ، ومن بعدها امدد بياض ورد مدلول تسامح تهديه لقلبك سامح ذاتك على أخطائها وزلاتها فالمرء يخطئ والتعايش أن نُسامح ذواتنا ولا نقع مرة أخرى في هاوية الريب التي توصلنا للخطأ، وقد وعد الله المستغفرين التائبين بالمغفرة والثواب العظيم فقال: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوه وهم يعلمون}
فالله تعالى يفرح بتوبة عبده، والتوبة تمحو ما قبلها من الذنوب وهذا من فضل الله تعالى على عباده .. أهدي ذاتك فرصة المضي نحو تعديل سلوك أو تغيير نهج للأفضل وابتعد عن جلد الذات فطريقه ليس مُعبّدًا نحو العلو أبدًا، أحبَّ ذاتك حبًا يضعها في أسمى منزلة ،أحبَّها الحب الذي لا يدخُله تغطرس، أحبَّها الحب الذي يدفعها نحو المستحيل لتكسر شوكته فتحققه فلا عقبات نحو الذات تُذكر . وإذا كنت أنت وذاتك على صفاء إذا سماؤك صفو ونسيمك صحو وأرضك بهو.
أضعُ أيها القارئ بين يديك أمرًا فالتفت له ولا تنأى عنه .. ذاتك حرة بطبعها فاطلق مداها وكن أنت أستاذًا وموجهًا ومُحبًا لها، فإن لم تجد الذات من يرشدها لتمضي بخطا صحيحة حتمًا ستغدو عكس المأمول. كن على يقين أنك حينما تراجع ذاتك ستسترجع علاقاتك مع الآخرين وكيف هي تسير .. ستسترجع أهدافك وكيف مسارها ووجهتها .. و سنوات عمرك وما جنيت وما هو مرجو منك أن تجنيه.. ستسترجع علاقتك مع ربك وكيف هي دنياك لتنير آخرتك.. فتمحيصك للأمور هو تخليصك من اللوم الذي يأتي بعد فوات الأوان فالأيام التي تنقضي لا تعود.
ولا يغيب عن القلب سيد الورى حينما تاق لذاته الطاهرة كان عليه السلام -قبل نزول الوحي- يحب مجالسة ذاته والتعبد والتفكر في ملكوت الله في غار حراء فكان يسلك النهج القويم إلى أن نزل عليه الوحي في ذات المكان..
فامضِ يا من تتوق لذاتك نحو ذاتك
وشنف مسامعك ببيت الشافعي حيث قال في علو الهمة
ومن رام العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحال
الحياة قدر واختيارك كيف تعيشها قرار .. اترك لذاتك رحابة التأمل في مكنونها في داخلها في حناياها وابقَ أنت مستمتعًا حاذقًا وموجهًا معتنيًا .. الحياة تفتح ذراعيها لقلب أدرك كيف يعيشها وتعايش معها، كن أنت حليف ذاتك وجليسها المرهف المبالي لرِفعتها ،
فأرقى المضي ماكان مدروسًا بعناية العقل وكنف القلب.