أسطورة المحاورة وحكيم الشعر عبدالله المسعودي
بقلم الكاتب / أمجد الهذلي *
نبذه عن الشاعر العملاق عبدالله المسعودي رحمه الله رحمةٍ واسعه
هو عبدالله بن مستور بن قنيع المسعودي الهذلي ولد سنة 1359هـ في قرية الفوارة شمال شرق مكة المكرمة في ديار قومه بني مسعود وفيها نشأ وترعرع وتثقف من البادية التي أكسبته الرجولة والشعر منذ الصغر وينتمي الى عشيرة (المزايده )وعم الشاعر مطلق عبيدان المسعودي وهو الشيخ ومن اشهر شيوخ بني مسعود وهذيل عامه
على الرغم من صغر سنه فلا يتصرف عمه الا يستشيره بمشورته وغالباً يستدعيه اذا عرضت مشكله بين افراد القبيله واقتضى الامر حلها عرفاً . لمشاورته واخذ رأيه والاستعانه به .
ومحيط عائلته يزخر بالشعراء منهم والده مستور بن قنيع رحمه الله وخاله سايف المسعودي.
وخال ابيه الشاعر منيع الله البعشوم المسعودي وايضا شقيقه الشاعر والشيخ فرج مستور المسعودي حفظه الله
هو من بيت شعراء ونسمع بهم من رواة شعرهم
ولما بلغ سن الثامن عشر من عمره انتقل من البادية إلى مكة المكرمة
فهو الاسطوره في شعره وحكيم ومتنبي زمانه
وشاعر لن يتكرر ولن ياتي شاعر مثله
فـ لنا مايقارب 43 عام ولازال اسمه مخلد في شعر المحاوره وكلن يحفظ ابياته ويتغنى بها الجميع من الحكم والجزاله التي ملكها والى الان جيل ورا جيل حبوه وحبو شعره ويستمتعون في محاوراته وكلامه الدر و صوته الجميل ولحونه الابداعيه(( وهو اول من نقل المحاوره الى معاني اخرى وقضايا اجتماعيه ومفردات جديده ولحون جديده وشجيه ) وفي فن المجالسي الذي تشتهر به قبائل اهل الحجاز فالمسعودي له بصمه واضحه وابدع وطوّر في فن المجالسي واضاف له الكثير ،
وفيه انفة العروبه يحب الصدق ويكره الغيبه والنميمه والكذب فيقول :
يامستغيب الناس مانـي غيوبـي
ماني لغيري لا اباودي ولا اجيب
عن عيب غيري شاغلتني عيوبي
من يشغله عيبه ماشاهد لاحد عيب
الصدق مثل الريس من الدروبـي
اللي ماتغني عنه كـل المجانيـب
والكذب ظلمه فوق وجه الكذوبـي
ظلام ليـل ولاظـلام الاكاذيـب
وبلغ به التحدي لشعراء المحاورة النظم التعجيزي على أسلوب( المسودس) وهو أن يكون في البيت الشعري الواحد ست قوافي كرد على كرت دعوة وجده في منزله وكتب عليه ( الدرب شام) إشارة للتحدي في الحفل الذي وجد فيه الشعراء مطلق الثبيتي وجار الله السواط ومستور العصيمي ومحمد بن تويم وهلال السيالي فأنشد قائلًا:
سلام/ردية عجل / وأبطى عليه لين أشوف
بين الصفوف / لكل جمع الحاضرين / أثني سلام
الشام / مالي فيه أهل / وأنا ليا جيت معروف
ياهل الظروف / اللي عليها كاتبين / الدرب شام
(( والى وقتنا هذا لم يستطيع احد الرد على هذه الابيات !)) وفي نفس السياق أيضًا تحديه والافتخار بموهبته الشعرية التي وصلت للقمة مما جعل محاوراته صعبة المنال في بيته الشهير:
أنا ما همني في الوقت لا مطلق ولا مستور
مركبها على قمة جبل وتهز رجليها
عبدالله المسعودي في شعر المحاورة كان نجمًا لامعًا فبرع وتفوق وأبدع ووصف بالجزالة والحكمة لتميز محاوراته مع الكل وتغلبه على جميع الشعراء في ذاك العصر الذهبي
قال ابن رشيق القيرواني عن المتنبي : ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس . ولذلك نقارن بين المتنبي والشاعر الشعبي عبدالله المسعودي ونجد وجوهاً للشبه عجيبه ..فالمتنبي كانت حياته مليئة بالاسرار وكذلك كان المسعودي ، المتنبي كانت وفاته محيره ومختلف في سببها وكذلك المسعودي
قارن الفلسفة بين المتنبي والمسعودي
المتنبي ذلك الشاعر العباسي الحكيم ،
الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
والمتتبع لشعر المحاورة وشعرائه يجد أنّ الشاعر ( عبد الله المسعودي ) قد سار على نفس الخط تقريباً ، فشعره حكم وأمثال ، وصور وخيالات ، وثقة بالنفس والذات .
استمع إلى هذا البيت وقارنه بالبيت الأول للمتنبي ، وستجد التوافق وتوارد الخواطر واضحاً جلياً : ـ
إيعرفني الخيل والليل والسيف الرهيف ** والإذاعة والصحافة وروس اقلامها
أمّا في مجال الحكمة فحدث ولا حرج … فأبيات شاعرنا حكيم زمانه يرددها الكبير والصغير ، المتعلم والجاهل ،
المطيّة ما تقدّم رجلها قدام يدها ** لوّ راعيها يخليها عشا حصني وذيبي
ومن الأبيات الخالدة لهذا العلم : ـ
أنته توصّيني نسيت انّي هذيلي من هذيل
الناس عارفها واخاطبها بقدّ اعقولها
وأنه على دراية بأحوال الناس وطبائعها وعاداتها وتقاليدها وتلك المعرفة جعلته يستطيع مخاطبة كل منهم بما يتناسب معه .
ومن خياله الواسع وابداعاته
قوله ؛ بطن جيعان لو تعطيه يمناك اكلها
اي شي يرد الجوع لو كان سم
ومن الحكمه التي صنعها
قوله : الجمل لو تمرغ ما يروح حصان
كل واحد يشوف العرف في شاره
يا صايم الدهر ما تجوز لك صبره
يومٍ ويومٍ كذا داوود سيدنا
وايضا من الابيات التي تذهل العقل من الحكم والامثال
وتركيبة البيت وقوة المعنى بما يسمى بالسهل الممتنع وتقبلها لدى الجمهور واعجابهم على مرور الاجيال
وهذا ما يميز شاعرنا عبدالله المسعودي
الموهبة شي والعلم شي ثاني
سـيلك بلا نو يانازل الوادي
وايضا قوله :
كم لبثتوا يارجال الكهف يوم
كيف جنتها ؟ وماهي نارها ؟
وايضا: قوله :
يقولون هارون الرشيد وصاحبه بنواس
يجيبون العذر للمستحين اقبح من الزله
ومن ابياته اللي يشد البيت شداً وثيقاً كقوله:
اذا صدر الفتى ما يكتم اسراره على بلواه
متى مدري يبا يلقى الصدور اللي يثق فيها
لم يكن المسعودي احد خريجي كليات اللغه والادب والنقد ، فهو لم يكن يقرا ولا يكتب لكنه كان يحمل من الثقافه ما يجعل الحيره الممزوجة بالاعجاب تكتنف شخصيته ، لقد كان يحمل من الثقافه قدراً كبيراً ، الا ان العجب الاكبر يكمن في توظيف هذه الثقافه في النص الشعري
( ياسواط انا ماجيت ادور من بخيل
اكبر من الشعار والله اكبرا )
وبالنسبه لـ مكه الذي أحبها ولازمها وقال فيها قصيده ومن ضمنها…
اماني الانفـس وسحـراً للافئـدة
الك الرحال اتشد ماعنـك رحـال
مدري هي اللي زايدة فـي جمالهـا
والا هو المربي كمـا قيـل قتـال
ولم يغب المسعودي عن ذاكرة الشعر والشعراء وخاصة المهتمين بشعر المحاورة ويعتبر شاعر المحاوره الاول واهتم به الباحثون والمؤلفون
واصدر له كتابين باسمه (ديوان المسعودي )
من بعد رحيل عبدالله المسعودي اصبح لشعر المحاوره نقص واضح وفقدان تام
وكأن كتب الله لها ان تعيش أرمله بعد
وفاة عبدالله المسعودي رحمه الله.
توفي في عام 16 / 10 / 1399 هـ
حيث كان في تايلاند في رحلة عمل، وغرق في البحر ومات غرقًا،
وهو في سن الاربعين و وصلت جنازته الى السعوديه وصلوا عليها في الحرم المكي ،
ودفن في مقبرة المعلاه
فرحمه الله واسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب