رسالة إلى المتبرع بدمه
بقلم الكاتبة / عفاف مصلح الحربي
لـ فصيلة ........
أنت ... أنتِ
ربما أكتب لك ولا تقرأني
ربما أنت مشغول و لاهٍ بالحياة
وأنا أرسل رسالتي لمن يهمه الأمر
ويقرؤني غيره ، لا بأس .
. فهناك أناس أثقلهم المرض، وأقعدهم الوجع
في الطوارئ كثير من المرضى يتألمون
أنين تسمعه بالجوار ...!
تنشغل بهم وتنسى نفسك المتألمة أيضا
تلهج بالدعاء أن يشفيهم الله ويخفف مابهم
يا الله ! ، كم مرة يعود بي شريط الذكريات
أريدك أن تشعر بهم .
جئتَ أيها المتبرع إلى المشفى ربما لإكمال عدد
أو : مجاملاً لصديق وقريب
ليس مهماً سبب حضورك، ولكنك أتيت .
جلست على كرسيّ العطاء
وضعت الممرضة أبرة بالوريد لتسحب الدم منك
أعلم بأن الإبرة تؤلم ولاتنظر ليدك المستسلمة؛ لأنك خائف مثلي ، أعتقد ذلك .
ووخزة الإبرة تجعلك تهمس : بسم الله ، وربما من غير شعور
وقد تكون ممن ينظرون ولا يبالون بذلك وأهنئنك .
وربما لا تبالي بكل التفاصيل من حولك .
قطرة دمك تسير في طريقها؛ لتصل لحدها الذي لا تتجاوزه .
ربما لا تنظر لدمك وأين مصيره بعد خروجه منك .
أما أنا فكنت خائفة جداً لا أنظر لكيس الدم الذي سينقل لي ولكن أراه يدخل لوريدي .
قطرة دم تسقط في الأنبوب ببط
لا تسمع لها صوتا، بل أسمع روحك تسمعه وتشاهد كل حديثه وفعله ..!
يا الله كم أعطيتني أملاً بعد الله بدمك !
أعلم أنه لم يخطر ببالك أنك أحييت روحاً .
لم ترَ إلا حدود انتهاء آخر قطرة منك لتخرج الأبرة وتضمد بعدها يدك .
وتقول خلاص ...
لتتخلص من كل التفاصيل التي كانت موجودة في تلك اللحظة .
ولكن بدأتُ أنا حيث انتهيتَ أنت
على كرسي العطاء لا يهم جنسك ، عمرك ، مستواك ، ثقافتك
لايهم هنا في بنك الدم إلا أن يكون دمك سليماً .
وأنت لايهمك إلا أن تكمل العدد المطلوب .
أو أن قريبك يحتاج لتبرع .
أيها المتبرع/ ة بدمك
دمك نعم دمك الذي يُخزن هناك
عندما أحتاج إليه يُقدم لي
ليس به معلومات عنك بل يخرج وهو يحمل اسمي
تحمله الممرضة وتتأكد أن هناك تطابقا بين الشريط المكتوب عليه بياناتي وكيس الدم
تضعه أمامي وأنا أغمض عيني عنه ..!
هل كان كيس الدم يريد أن نكسر الحواجز بيننا ..! ؟
هل كان يعلم بأن الدم سيكون جسدي موطنه .!؟
لحن الحزن خيم عليّ كثيرا
مازلت مغمضة العينين وكأني أمد يدي التي لا أقوى على تحريكها لأمسك قلبي الخائف وأقول بصوت عالٍ لا يسمعه إلا أنا : يارب يارب يارب .
تأتي الممرضة وتقول لي نصائحها قبل وضع الأنبوب في وريدي .
لا تحركي يدك مدة نقل الدم ، إن احتجتِ شيئا اضغطي الزر وسوف آتي مسرعة
ووضعت الأنبوب في وريدي، وكنت بالبداية خائفة من رؤية الدم. وأقول للمرضة: لا تجعليني أراه
كان يهمني فقط كم يستغرق من الوقت لينتهي .
مغمضة العينين وأسبح في خيالي تارة، وأضع يدي على قلبي تارة أخرى .
فكرت كثيرا في قطرة دم غريبة تدخل بدون استئذان ولا طرق باب ولا انتظار ، هل هو احتلال واجتياح أم هي طمأنينة تسكن في الروح ..!
ليس لديك خيار إلا الموافقة، والتوكل على الله .
يخيم الصمت المطبق
تجد نفسك في حلم تريد الاستيقاظ منه .
وبعد سويعات ينتهي كل شيء
لقد نبضت الحياة من جديد بفضل الله ثم دمك
هنا أيها المتبرع دعوت لك كثيرا
وأنت لا تعلم عني أي شيء كما أني لا أعلم عنك شيئا
أيها القارئ الكريم
قطرة من دمك تُحيي روحاً فلا تبخل بها
فكرسي العطاء ينتظرك ولك دعوات بالغيب
لا تعلمها .
فبادر بادر وتذكر أنك حين تحي روحا فكأنك تُحيي الناس جميعا.