المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الباب الثاني الإستقامة في الاصول


الامير باسل
18-08-2013, 07:24 PM
الباب الثاني الإستقامة في الاصول



ـ 14 ـ التمسك بكتاب الله
ـ 15 ـ اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ 16 ـ الاجتهاد
ـ 17 ـ التزام الجماعة
ـ 18 ـ عدم إطاعة مخلوق في معصية الخالق
ـ 19 ـ تقدير الرخص بقدرها
ـ 20 ـ التيسير للمسلمين
ـ 21 ـ عدم اتباع الأغلبية المسيئة
ـ 22 ـ اجتناب البدع
ـ 23 ـ مخالفة أهل الباطل
ـ 24 ـ اتقان العمل
ـ 25 ـ الاستفادة من الوقت
ـ 26 ـ دوام العمل الصالح
ـ 27 ـ التسامح عند الاختلاف
ـ 28 ـ الاستشارة والاستخارة

14 ـ التمسك بكتاب اللهعن أبي موسى الغافقي قال إن آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ”عَليكُم بِكِتابِ اللّه ، وسَتَرجِعونَ إلى قوم يُحِبّون الحديثَ عنّي ، فمَن قال ما لَم أقُل فلِيتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النارِ، وَمَن حَفِظَ عَنّي شيئا فلِيُحَدّثهُ”ـ
(رواه أحمد)
كان من آخر ما أوصى به رسول الله أصحابه التمسك بكتاب الله تعالى ففيه خبر الأمم السالفة وفيه التحذير من غوائل ما سيقع وفيه حكم ما بيننا وفيه الترغيب والترهيب وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق وفيه الأحكام لكل الأزمنة والأمكنة فهو كلام رب العالمين الذي يعلم ما يصلح للناس في دنياهم وأخراهم . فالقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وإليه يرجع المسلمون كلما أشكل عليهم أمر من أمور دنياهم أو أخراهم . والمؤمن ينظر إلى القرآن صاحبا ومؤنسا ، يقرأه على الدوام ويتفكر في عبره وأمثاله ويتعلم فقهه وأحكامه ويطبق أوامره ويجتنب نواهيه وهو باق كما أنزله الله على نبيه لأن الله تعالى تعهد بحفظه: ” إنّا نحنُ نَزَّلنا الذِكرَ وإنّا لَهُ لَحافِظونَ ” (1).ـ
إن من القرآن ما هو واضح المعنى لكل من يفهم اللغة العربية من عامة الناس وعلمائهم . فالمؤمن الذي يتكلم العربية مهما كان مستوى علمه يستطيع أن يفهم من آيات القرآن بعض أحكامها فيطيع الأوامر وينتهي عن النواهي . ومن الآيات ما يجب الرجوع فيه إلى التفاسير المعتمدة وإلى أولي العلم لفهم المعنى أو الأحكام المبنية على تلك الآيات . والمؤمن بالإضافة إلى ذلك يعتني بالقرآن ظاهريا كتطبيق قواعد التجويد عند تلاوته. ويزداد علما فيما يخدم فهم القرآن من علوم اللغة العربية وعلم القراآت . فالقرآن حبل الله الممدود بين الله وعباده ومن أحب الله بصدق ، أحب كتابه وإحترمه إحتراما عميقا يفوق بكثير إحترام أي كتاب آخر ، ثم تظهر آثار هذا الإحترام بشكل عملي واضح على أعماله وتصرفاته وأخلاقه ومعاملته ، وذلك ركن عظيم من أركان الإستقامة في المنهج الذي على المؤمن أن يتخذه ويسير عليه.
ـ 15 ـ إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ـ” كُل أمتي يَدخُلونَ الجَنّة إلاّ مَن أبى ” ، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ” من أطاعَني دَخَل الجنّة ، ومن عصاني فَقَد أبى ” ـ
(رواه البخاري)
إتباع السنة الذي يشير إليه هذا الحديث ، ثابت بالقرآن: ” قُل إن كُنتُم تُحِبّون الله فاتّبعوني يُحببكُم اللّهُ ويغفِر لكُم ذُنوبَكُم ”،(2 ” ومَن يُشاقِق الرَسولَ من بعد ما تبيّن لهُ الهُدى ويَتّبِع غيرَ سبيلِ المؤمِنينَ نوَلّهِ ما تولّى ونُصلِهِ جَهَنّمَ وساءَت مصيرا ” ـ(3)ـ. فالسنة مفسرة لأحكام القرآن ، وتتضمن فروضا غير مبينة بالقرآن لا يمكن الأستغناء عنها ، ولا يجادل لتقليل أهميتها إلاّ منافق أو كافر. وعلى المسلم أن يتعلم السنة المطهرة لأنها تفصِّل ما ورد مجملا في القرآن وتبين التطبيق العملي للأحكام والأخلاق. فهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي.
والمسلم يهرع إلى رسول الله مستفتيا سنته كلما طرأ له أمر ذي بال إذ أن حياته المعنوية قائمة بين المسلمين متمثلة بكتب السنة . وعليه أن يرضى بعد ذلك بحكم رسول الله الوارد في سنته. وهو إن لم يفعل ذلك فهو بحاجة إلى تجديد إيمانه ، قال الله تعالى: ” فلا وربّكَ لا يُؤمِنون حتّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بينَهُم ثُمّ لا يجدوا في أنفُسِهِم حَرَجا مِمّا قَضيتَ ويُسَلِّموا تَسليما ” ـ(4)ـ.
ويتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم سنة خلفائه من بعده ، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” عَليكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ الراشِدينَ المَهديينَ مِن بَعدي عَضّوا عَليها بالنواجِذِ ” (5) ، فما ورد من تفسير أو حكم أو قضاء عن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، هو مفسر للسنة ومقدم على إجتهاد من جاء بعدهم ، إلاّ إذا تغيرت الظروف واحتاج المسلمون إلى إجتهاد جديد.
وعلى المسلم أن يتعلم الحديث ويحفظ ما تيسر منه ويعمل بما تعلَّم ويعلِّمه غيره ويعتبره دليل عمل تفصيلي بعد القرآن . وإذا سمع أو قرأ الأمر والنهي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فليس له أن يقَدِّم على ذلك رأيا لنفسه أو لأحد من البشر كائنا من كان ، إلاّ أن يعلم حديثا آخر يخصص الأمر أو أكثر إنطباقا على تلك الواقعة . وعلى هذا النهج سار الأئمة المجتهدون رضوان الله عليهم كافة ، فكلهم ورد عنهم أنه إن صح الحديث أخذوا به ولم يقدموا عليه رأيا لهم أو إجتهادا لبشر يخطئ ويصيب . لكن هناك حالات دقيقة من علل في بعض الأحاديث أو إنقطاع سند أو ضعف أو معنى خفي لا يدركه إلاّ المختصون من العلماء ، وهذا هو صلب الفقه. فإن اؤتي المرء قسطا من هذا العلم توصل بنفسه إلى المنهل الصافي وإلاّ أخذ عن الفقهاء ما قرروه من فهم.
ـ 16 ـ الإجتهاد
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: ” كيفَ تَقضي؟ ” قال أقضي بكتاب الله ، قال ” فإن لم يكُن في كِتابِ اللّه؟ ” قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: ” فإن لَم يَكُن في سُنّة رسول اللّه ” قال أجتهد رأييولا آلو ، قال: ” الحَمدُ للّه الذي وَفّقَ رسولَ رسولِ اللّهِ لما يُرضي رسولَهُ ”
(رواه الامام أحمد)
المؤمن قد سَلّم أموره كُلّها بيد الله فما هو إلا عبد ضعيف أمام عظمة الله الواحد الأحد ، فهو يتلقى التشريع من الله ورسوله ، ولا يفضل عليهما لا رأيا إستحسنه عقله ولا فكرة لاقت هوى في نفسه إبتغاء مصلحة دنيوية زائلة ما دامت لا تتفق مع أوامر الله غز وجل أو أوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما إذا كان الامر غير وارد في الكتاب وفي السنة المطهرة بعد البحث والإستقصاء ممن إستكمل متطلبات الإجتهاد من علم وتقوى ، فباب الإجتهاد واسع. والفهم من الكتاب والسنة متفاوت بين العلماء ” وفوقَ كُلّ ذي عِلم عَليم ” (6) فالفهم الإجتهادي يحتاج إلى تقوى وصدق مع الله تعالى . ولا يظنن ظان أن هذا الحديث مقتصر على القضاء بين الناس أو المسائل العويصة في الفقه ، فكل مسلم يمارس في حياته اليومية أمورا تفاصيلها غير وارد في الكتاب أو السنة وهو يقرر فيها حسب رأيه ، وهو نوع من الإجتهاد وهو إجتهاد شرعي إن كان مستندا إلى الكتاب والسنة وهو مثاب عليه إن كانت نيته صادقة . فحينما تمر بالمسلم واقعة يحتاج فيها إلى قرار سواء كان ذلك في أمر من أمور الدين أو الدنيا فإنه يبحث سريعا بنفسه أو بسؤال العلماء الأتقياء هل في ذلك الأمر حكم في القرآن فإن لم يجد ففي السنة ، فإن لم يجد إجتهد رأيه بما آتاه الله تعالى من عقل وإستنباط بأفضل ما يستطيع قياسا على ما يعلم مما ورد في الكتاب والسنة ثم يتكل بعد ذلك على الله تعالى وينفذ ذلك.
لقد فصّل الفقهاء المجتهدون في أصول الفقه ووضعوا لهذه الأمة تراثا فقهيا تباهي به الأمم بحق. ولهذه ألأصول الثلاثة (الكتاب والسنة والإجتهاد) ترجع الأصول الأخرى ، رغم كونها تعتبر أحيانا أصولا مستقلة . فالقياس ما هو إلا نوع من الإجتهاد وعمل أهل المدينة (عند الإمام مالك) ما هو إلا سُنة (لقرب عهده من زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)ـ ، والإجماع هو أعلى درجات الإجتهاد لأنه إجتهاد مجتهدي الأمة مجتمعين . وهكذا تجد أصول هذا الدين راسخة وواضحة في الوقت عينه ، وما على المسلمين سوى الأخذ من هذا المعين الصافي ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” تركتُكُم على المِحَجّة البيضاء ليلُها كنهارِها ، لا يضل عنا إلاّ زائغ ”(7).ـ
ـ 17 ـ إلتزام الجماعة
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني ، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ” نَعَم ” ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ، قال: ” نَعَم وفيه دَخَن ” ، قلتُ: وما دخنه؟ قال: ” قوم يَهدونَ بِغيرِ هَديي ، تعرِفُ وَتُنكِرُ ” ، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ” نَعَم ، دُعاة على أبواب جهنم ، مَن أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها ” ، قل يا رسول الله صِفهُم لنا ، قال: ” هُم مِن جِلدَتِنا ويَتَكَلَّمون بألسِنَتِنا ” ، قلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك ، قال: ” تلزم جماعة المُسلِمين وإمامَهم ” ، قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: ” فاعتزل تلك الفِرَق كُلّها ، ولو أن تَعَضّ بأصلِ شَجَرة حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك ”
(رواه الثلاثة)
قال الله تعالى: ” وتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَقوى ولا تعاوَنوا على الإثمِ والعُدوانِ ” (8) ولا بد للمسلم أن يتعاون مع غيره من المسلمين في أعمال الخير. أما المنفرد عن جماعة المسلمين حتى ولو كان على علم وتقوى ، فلا يستطيع أن يقوم لا بأمور دينه ولا بأمور دنياه كما يجب . فمثلا الصلاة جماعة أفضل بمرات كثيرة من صلاة المنفرد(9) ، ومن الصلاة ما لا يؤدى إلاّ جماعة ، كصلاة الجمعة . وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” يَدُ اللّه على الجَماعةِ وَإنّما تأكُلُ الذئبُ من الغَنَمِ القاصية ” (10) ، فمن إبتعد عن جماعة المسلمين كان فريسة للأفكار الشاذة أو الغلوّ في الدين أو الضلال.
هذا الحديث الشريف لا يكتفي بوصف الداء الذي تنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوقوعه بين المسلمين ووقع فعلا بعد وفاته بأزمنة طويلة ، بل يصف الدواء وما على المؤمن أن يفعله في تلك الظروف. فإعتزال الفرق المخالفة لما أنزل الله فريضة حتى ولو إتبع تلك الفرق أكثر الناس ، فليس الحقّ دائما مع الكثرة ، قال الله تعالى: ” وما أكثر الناس ولو حَرَصتَ بِمُؤمنينَ ”(11). والعلاج في حالة عدم وجود جماعة للمسلمين ، وهي حالة من الحالات الشاذة ، هو ليس متابعة الأكثرية الخاطئة ، بل الإعتزال لتلك الفرق الضالّة جميعها . وقد يقول قائل وكيف للإنسان أن يعيش منفردا ومن أين سيكتسب قوته؟ والجواب هو أن المسلم لم يؤمر بمقاطعة الناس ولا المعيشة في الصحاري والقفار ، ولكنه إعتزال الناس في كل ما يسخط الله تعالى ومصاحبتهم في أمور معيشته ودنياه مصاحبة لا تؤثر على أمور دينه. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم عاشوا أكثر من عشر سنين في مكة قبل الهجرة وهم معتزلون للكفر وأهله رغم أن بعضهم كان يأكل ويشرب في بيتٍ كل من حولهم فيه من الكافرين بل والمغالين في كفرهم وإيذائهم للمسلمين.
وثمة أمر آخر ، هو إجماع الأمة ، فالأمة الإسلامية لا تجتمع إلاّ على الخير والصلاح(12) ، ولذلك فكلما وجد المسلم الأمة قد إجتمعت على أمر من أمور الدين أو الدنيا فعليه التمسكَ به ، ويتمثل إجماع الأمة بصفوة علمائها أوالصالحين من رؤسائها وأمرائها . قال الله تعالى : ” يا أيّها الذين آمَنوا أطيعوا اللّهَ وأطيعوا الرَسولَ وأولي الأمر منكُم ” (13) ، وأولي الأمر هم العلماء والأمراء وإجماع العلماء قد حصل في أمور فقهية وإجتهادية عديدة في السابق فكيف بهم اليوم وقد تقدمت وسائل الإتصال كثيرا . وقد توعد الله من يخالف جماعة المسلمين بقوله تعالى: ” ومَن يشاقِق الرَسولَ مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتّبِع غيرَ سَبيلِ المُؤمِنين نُوَلِّهِ ما توَلّى ونُصلِهِ جَهَنَّمَ وساءَت مَصيرا ” (14).ـ
ـ 18 ـ عدم إطاعة مخلوق في معصية الخالق
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” لا طاعةَ لِمَخلوق في مَعصِيَةِ اللّهِ تباركَ وتعالى ”
(رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد واللفظ له)
أعطى الله تعالى المثال الواضح والواقعي لعدم إطاعة أوامر الناس إن كانت مخالفة لأوامر الله تعالى ، حتى ولو كان الآمر أقرب الناس ، كالوالدين: ” وإن جاهداكَ على أن تُشرِكَ بي ما ليس لَكَ بِهِ عِلم فلا تُطِعهُما ، وصاحِبهُما في الدُنيا معروفا ”(15).ـ
وما قصة الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه مع أمه ببعيدة ، حيث حلفت أن لا تأكل أو تشرب حتى يترك دينه ، فقال لها قولة الحق. فالمؤمن يؤدي : لو كانت لك مائة نفس ونفس فخرجت واحدة بعد الأخرى ، ما تركت ذلك حقوق الناس مؤمنهم وكافرهم ويداري سفهاءهم لكنه لا يطيعهم فيما ليس لله فيه رضا ولا يداهن على حساب دينه. ويستثنى من ذلك الإكراه الذي هو موضوع الحديث الآتي.
وفي كتاب الله محاورة بين أهل جهنم ، السادة المطاعون والأتباع: ” قالَ ادخُلوا في أمم قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِن الجِنّ والإنسِ في النّارِ كُلَّما دَخَلَت أُمة لَعَنَت أختَها حَتّى إذا ادّارَكوا فيها جَميعا قالَت أُخراهُم لأولاهُم رَبَّنا هؤلاء أضَلّونا فآتِهِم عَذابا ضِعفا مِن النّارِ ، قال لِكُل ضِعف ولكن لا تعلمون . وقالَت أولاهُم لأخراهُم فَما كانَ لَكُم عَلينا مِن فَضل فذوقوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكسِبونَ ” ـ(16).ـ
وعلى هذا فإن الطريق إلى رضوان الله واضحة جلية هي في طاعة أوامره لأنه هو الإله. أما البشر الذين يأمرون وينهون ، حتى لو تجبروا وطغوا وأخافوا الناس وأرهبوهم فهم زائلون ولا طاعة لهم إن كانت أوامرهم مخالفة لأوامر الله تعالى.
ـ 19 ـ تقدير الرخص بقدرها
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إن اللّهَ تَجاوَزَ عَن أمّتي الخَطأُ والنِسيانُ وما إستُكرِهوا عليه ” .
(رواه إبن ماجه والطبراني عن إبن عباس وثوبان)
المسلم يدعو ربه: ” ربّنا لا تؤاخِذنا إن نَسينا أو أخطأنا ” (17) فيستجيب الله تعالى للصادقين في دعائهم . فقد جبل إبن آدم على النسيان: ” ولَقد عَهِدنا إلى آدمَ مِن قَبلُ فنَسيَ ولَم نَجِد لهُ عَزما ” (18). أما الإصرار على الخطإ فهو ذنب مستقل لا علاقة له بالخطا . قال الله تعالى في مدح المؤمنين: ” إنّ الّذينَ اتَّقوا إذا مسَّهُم طائِف من الشيطانِ تَذَكّروا فإذا هُم مبصِرون ” ـ(19)ـ
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ” كُلّ إبن آدمَ خطّاء ، وَخيرُ الخَطّائين التوابونَ ” (.2).ـ
أما الإكراه ، فيقدر بحسب الظروف. قال الله تعالى: ” إلاّ مَن أُكرِهَ وقَلبُهُ مُطمَئِن بالإيمانِ ” (21). وقد يتوسّع بعض المسلمين في تعدّي حدود ما يدخل تحت حكم الإكراه ، فتراهم يقولون عند إرتكاب بعض الآثام أنهم مجبرون في حين أنه ليس هناك من أجبرهم حقيقة . إن من الإكراه ما هو بدني وما هو معنوي ، فحد الإكراه البدني يعتمد على قابلية المرء البدنية لتحمل ذلك . قيل أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان نحيف البنية قصير القامة جدا ، فكان يقول لو أكرهني شخص بضربي سوطين أو أقول ما يريد مني قوله ، لقلت مثل ما أراد. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان قوي البنية يخافه الشجعان ، لذلك وبخلاف معظم الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة سرا ، وقف عمر بعد أن طاف حول الكعبة سبعا وعلى ملأ من سادة قريش قال: إنني مهاجر عند الصباح ، فمن أراد أن تثكله أمه فليلحق بي ببطن وادي كذا . فالإكراه الذي إضطر المهاجرين إلى التخفي والهجرة سرا لم يكن إكراها كافيا لعمر بحيث يتبع الأسلوب نفسه. وأساس التقية هو هذا . قال الله تعالى: ” إلاّ أن تتّقوا منهُم تُقاة ” (22) فإتقاء أذى المتجبرين والطاغين خوفا من بطشهم جائز لضعفاء المسلمين كرخصة ، لكن التوسع في التقية بحيث يعيش المرء بوجهين ، وجه مع من يأمنهم ، ووجه مع من يخافهم ولو خوفا بسيطا هو إستخدام للرخصة الخاصة في غير موضعها وقد يؤدي ذلك إلى إقتراب المسلم من تصرف المنافقين والعياذ بالله. ومثال الإكراه المعنوي التعذيب النفسي والإهانات على ملأ من الناس ، وهي مختلفة الوطأة بين الناس بحسب أحوالهم أيضا . أما الأخذ بالعزيمة وعدم الخضوع للإكراه مهما كانت النتائج من أذى دنيوي فهو دأب المجاهدين الصادقين السابقين بالخيرات . قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” سيد الشُهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ” (23).ـ

اميرة المحبه
18-08-2013, 09:31 PM
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد ♥

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥

ننتظر إبداعاتك الجميلة بفارغ الصبر


====

لمسَة وفَـآ
18-08-2013, 09:47 PM
يعطيك العافيه
تقديري

دانة الكون
18-08-2013, 10:14 PM
بارك الله فيك

أحلى من العقد
18-08-2013, 10:35 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .