المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة المائدة


رضا البطاوى
17-02-2019, 03:59 PM
سورة المائدة
سميت السورة بهذا الاسم نظرا لذكر قصة طلب الحواريين من المسيح (ص) إنزال مائدة عليهم يأكلون منها فقالوا"هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد " يفسر قوله "أوفوا بالعقود" قوله تعالى بسورة الإسراء"وأوفوا بالعهد"فالعقود هى العهد وقوله "إن الله يحكم ما يريد"يفسره قوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يريد" وقوله بسورة إبراهيم"ويفعل الله ما يشاء"فيحكم تعنى يفعل ويريد تعنى يشاء والمعنى بحكم الرب النافع المفيد أطيعوا الأحكام ،أبيحت لكم ذبيحة الأنعام إلا ما يبلغ لكم غير مبيحى الصيد وأنتم زائرين لبيت مكة إن الله يشرع الذى يشاء،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بوحى الله مبينا لهم أن بسم الله الرحمن الرحيم أن بحكم الرب النافع المفيد عليهم أن يفوا بالعقود والمراد أن يطيعوا الأحكام الإلهية،ويبين لهم أن من الأحكام أنه أحلت لهم أى أبيحت لهم بهيمة الأنعام وهى ذبيحة الأنعام إلا ما يتلى عليهم وهو الذى يبلغ لهم فى الوحى وهو ما نزل فى نفس السورة وسورة الأنعام وسورة البقرة ،ويبين لهم أنهم إن كانوا حرم أى زائرين للبيت الحرام فعليهم أن يكونوا غير محلى الصيد والمرد غير مستبيحى قتل الحيوانات البرية وهذا يعنى حرمة الصيد على حجاج وعمار البيت الحرام ،ويبين لهم أنه يحكم ما يريد أى يفعل الذى يشاء والمراد يشرع الذى يحب والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"يفسر قوله "لا تحلوا شعائر الله" قوله تعالى بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله"و"ومن يعظم حرمات الله"فالشعائر هى الحرمات وقوله "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا"يفسره قوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فيبتغون فضل أى رضوان الله تعنى يرجون رحمة الله وقوله "وتعاونوا على البر والتقوى"يفسره قوله بسورة العصر"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"فتعاونوا تعنى تواصوا والبر أى التقوى هى الحق أى الصبر وقوله"واتقوا الله"يفسره قوله بسورة التغابن"وأطيعوا الله"فاتقوا تعنى أطيعوا وقوله"إن الله شديد العقاب"يفسره قوله بسورة البقرة"وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تستبيحوا حرمات الله ولا الشهر الممنوع ولا الأنعام ولا الصيد ولا زوار البيت الحرام يريدون نفعا من إلههم أى قبولا وإذا انتهيتم من الحج فصيدوا ولا تدفعنكم كراهية ناس أن ردوكم عن المسجد الحرام أن تظلموا وتواصوا بالخير أى الإسلام ولا تتواصوا بالشر أى المنكر وأطيعوا حكم الله إن الله عظيم العذاب،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله ناهيا إياهم عن استباحة الأشياء التالية:
-شعائر الله وهى حرمات الله والمراد أماكن الحج والعمرة المقدسة.
-الشهر الحرام وهو الأربعة شهور التى حرمها الله حتى تزار فيها الكعبة.
-الهدى وهو الأنعام التى تسمى الأضاحى والتى تذبح فى الكعبة .
-القلائد وهى مقابل حيوانات الصيد فى البر والتى يصيدها زوار الكعبة وقت الزيارة من الأنعام.
-آمين البيت الحرام وهم زوار المسجد الحرام للحج أو العمرة وهم يبتغون أى يريدون فضلا أى رضوانا والمراد رحمة أى رزقا من الله ،والإستباحة تعنى انتهاك الحرمة بتدنيس مكان البيت أو بالقتال فى الشهر الحرام أو بأخذ الهدى ونهبه أو منعه أو بالصيد وقت الإحرام أو بإيذاء زوار البيت ويبين الله للمؤمنين أن عليهم ألا يجرمنهم والمراد ألا يدفعنهم شنئان قوم والمراد كراهية ناس قاموا بصدهم عن المسجد الحرام والمراد قاموا بمنعهم من زيارة البيت الحرام إلى أن يعتدوا أى يؤذوهم ما دام هناك عهد سلام معهم ،ويطلب الله منهم أن يتعاونوا على البر أى التقوى والمراد أن يشتركوا فى عمل الخير وهو الصالح وألا يتعاونوا على الإثم أى العدوان والمراد ألا يشتركوا فى عمل الشر وهو الفاسد من العمل وفسر هذا بأن يتقوا الله والمراد يطيعوا حكم الله ،ويبين لهم أنه شديد العقاب والمراد عظيم العذاب لمن يكفر به.
"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"المعنى منعت عليكم المتوفاة والدم وشحم الخنزير وما قصد به غير الله والمخنوقة والمضروبة والواقعة والمتشاجرة وما طعم الوحش إلا الذى ذبحتم وما قتل على الحجر وأن تلعبوا بالأقداح ذلكم كفر،الآن قنط الذين كذبوا من إسلامكم فلا تخافوهم وخافون ،اليوم أتممت لكم إسلامكم أى أكملت لكم هبتى وقبلت لكم الإسلام حكما فمن أجبر فى مجاعة غير متعمد لذنب فإن الله تواب مفيد،يبين الله للمؤمنين أن الأطعمة التى حرمت أى منعت عنهم والمراد والممنوع من الأطعمة أكله على المسلمين هو :

-الميتة وهى المتوفاة التى خرجت نفسها من جسدها دون ذبح .
-الدم وهو السائل الأحمر الذى ينزل عند الجرح أو الذبح وفيه قال بسورة الأنعام"أو دما مسفوحا" أى دما جاريا وقد كانوا يشربونه أو يأكلونه .
-لحم وهو شحم الخنزير وهو كل الأعضاء اللينة فيه.
-ما أهل لغير الله به وهو الذى لم يذكر اسم الله عليه مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
-المنخنقة وهى الحيوان الذى ضغظ على مجرى تنفسه شىء منع الهواء عنه فمات خنقا.
-الموقوذة وهى الحيوان الذى ضرب حتى مات.
-المتردية وهى الحيوان الذى وقع من مكان عالى فمات .
-النطيحة وهى الحيوان الذى تشاجر مع حيوان أخر فنطحه الأخر فقتله.
-ما أكل السبع وهى الحيوان الذى اصطاده الوحش وأكله ويستثنى من الخمس الأخيرة ما ذكى الإنسان من الأنعام قبل أن تلفظ أنفاسها .
-ما ذبح على النصب والمراد ما قتل على المذبح المعد للآلهة المزعومة .
-الاستقسام بالأزلام والمراد الذى تم لعب الميسر عليه بالأقداح حيث يكون هناك حيوان أو شىء يشتريه الخاسرون ويستفيد من ذبحه الكاسبون باللحم وغيره .
ويبين الله للمؤمنين أن كل الأطعمة وممارسة الأعمال الأخرى معها من ميسر وغيره هى فسق أى كفر بالإسلام ،ويبين لهم أن اليوم هو أخر يوم نزل فيه الوحى يئس الذين كفروا من دين المؤمنين والمراد قنط الذين كذبوا الوحى أن يزول حكم الله وينهاهم فيقول :فلا تخشوهم واخشون والذى يفسره قوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون "فهو يطلب منهم عدم الفزع من الكفار ويطلب منهم أن يفزعوا من عذاب الله ،ويبين لهم أن اليوم وهو أخر يوم نزل فيه الوحى أكمل لهم دينهم وفسره بأنه أتم عليهم نعمته والمراد أنهى نزول الوحى الذى أصبح كاملا ويبين لهم أنه رضى الإسلام لهم دينا والمراد قبل حكم الله لهم حكما ويبين لهم أن من اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم والمراد أن من أكره على أكل محرمات الأطعمة فى مجاعة غير متعمد للأكل وهو الجريمة والله غفور رحيم أى عفو نافع لمن يأكل مكرها على الأكل .
"يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب"المعنى يستفهمون منك ماذا أبيح لهم قل أبيح لكم النافعات والذى عرفتم من الحيوانات مقيدين تعرفونهن من الذى عرفكم الله فاطعموا مما صدن لكم وأطيعوا حكم الله فيه وأطيعوا حكم الله إن الرب شديد العقاب ،يبين الله لنبيه(ص)أن المسلمين يسألونه والمراد يستفهمون منه :ماذا أحل لهم والمراد ماذا أبيح لهم من الأطعمة ؟ويطلب منه أن يقول لهم :أحل لكم الطيبات والمراد أبيح لكم النافعات من الطعام والصيد الذى يمسكه الحيوان المدرب بشرطين :
-أن يكون ممسوك للمعلم أى مصطاد للمعلم وليس لأكل الحيوان المدرب فإذا أكل الحيوان المدرب منه فهو ليس حلالا للمعلم .
-أن يذكر اسم الله عليه والمراد أن يردد المعلم حكم الله وهو الوحى عند إرساله الحيوان المدرب .
ومن هنا نعلم أن الله أباح للإنسان تعليم الحيوانات الصيد من خلال العلم الذى علمه الله للناس فى الوحى ،ويطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى أن يطيعوا حكم الله خوفا من عذابه وهو ناره مصداق لقوله بسورة البقرة"فاتقوا النار"ويبين لهم أنه سريع الحساب أى شديد العقاب لمن يخالفه والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين وما بعده .
"اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين "المعنى اليوم أبيح لكم النافعات وأكل الذين أعطوا الوحى مباح لكم وأكلكم مباح لهم والعفيفات من المصدقات والعفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبلكم إذا سلمتموهم مهورهن عفيفيين غير زانين أى غير متخذى عشيقات ومن يكذب بالوحى فقد خسر فعله وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله للمؤمنين أن اليوم وهو يوم نزول الآية قد أحل لكم الطيبات والمراد قد أبيح لهم الأطعمة النافعة وهى بهيمة الأنعام لقوله بسورة الأنعام "أحلت لكم بهيمة الأنعام"وصيد البر والبحر لقوله"أحل لكم صيد البحر وطعامه حل لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرم"وأباح لهم طعام وهو أكل الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى من اليهود والنصارى وطعامنا وهو أكلنا حل لهم أى مباح أكله لهم وأباح للمؤمنين زواج المحصنات من المؤمنات وهن العفيفات من المصدقات بوحى الله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبل المؤمنين فى عهد محمد(ص)وشروط الزواج هو أن يؤتوهن أجورهن والمراد أن يسلموهن مهورهن لهن وأن يكونوا محصنين غير مسافحين أى وأن يكونوا عفيفيين غير زناة وفسر هذا بأنهم ليسوا متخذى أخدان أى نائكى عشيقات أو عشاق ،ويبين لهم أن من يكفر بالإيمان وهو ما أنزل الله مصداق لقوله بسورة البقرة "أن يكفروا بما أنزل الله"والمراد من يكذب بوحى الله المنزل فقد حبط عمله أى ضل عمله لقوله بسورة محمد"أضل أعمالهم "والمراد خسر فعله وفسره الله بأنهم فى الآخرة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار مصداق لقوله بسورة هود"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".
"يا أيها الذين أمنوا إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله إذا نويتم الصلاة فطهروا وجوهكم وأذرعكم إلى الكوعين وطهروا شعوركم وأقدامكم إلى الكعبين وإن كنتم قاذفين للمنى فاغتسلوا وإن كنتم عليلين أو على ترحال فلا تغتسلوا أو أتى أحد منكم من الكنيف أو مسستم الإناث فلم تلقوا ماء فاقصدوا ترابا طاهرا فمسوا به وجوهكم وأذرعكم به ،ما يحب الله أن يشرع لكم من ضيق ولكن يحب أن يزكيكم وليكمل دينه لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله أنهم إذا قاموا إلى الصلاة والمراد إذا رغبوا فى أداء الصلاة فعليهم بالتالى :
غسل أى تطهير وجوههم،وغسل أى تطهير أيديهم إلى المرافق وهى أذرعهم حتى الكوعين وهو منتصف الذراعين،ومسح الرءوس وهو تطهير الشعور،وغسل أى تطهير أرجلهم إلى الكعبين والمراد وتطهير أقدامهم إلى العظمتين البارزتين فى أسفل الرجلين والتطهير يتم بالماء ،ويبين لهم أنهم إن كانوا جنبا فعليهم أن يطهروا والمراد إن كانوا قاذفين للمنى فى جماع أو غيره عليهم أن يغتسلوا بالماء مصداق لقوله بسورة النساء"ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا"وأما إذا كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع أو على سفر أى على ترحال أى فى انتقال من بلد لبلد أخر طوال النهار فلا غسل عليهم إن كانوا جنبا حتى يعودوا لصحتهم أو يصلوا لبلد به ماء كافى وإما إذا جاء أحد منهم من الغائط والمراد إذا خرج أحدهم من الكنيف وهو مكان التبول والتبرز متبولا أو متبرزا أو مفسيا أو مضرطا أى مخرج صوت من الشرج أو لامس النساء والمراد مس جلده جلد الإناث البالغات فالواجب هو الوضوء فإذا لم يجدوا أى إذا فقدوا الماء الكافى للوضوء فعليهم أن يتيمموا صعيدا طيبا والمراد أن يضعوا ترابا جافا فيمسحوا والمراد فيضعوه على وجوههم وأيديهم ثم يصلوا حتى يحضر الماء ،ويبين لهم أنه لا يريد بهم الحرج أى لا يفرض عليهم الأذى وهو العسر وإنما يفرض اليسر مصداق لقوله بسورة البقرة "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "ويفسر هذا بأنه يريد أن يطهرهم أى يزكيهم أى يتوب عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"والله يريد أن يتوب عليكم"والمراد أن يرحمهم ويبين لهم أنه سيتم نعمته عليهم لعلهم يشكرون والمراد سيكمل لهم نزول أحكامه لعلهم يطيعونها أى يستسلمون لها مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور"المعنى وأطيعوا حكم الله لكم أى رسالته التى عاهدكم عليها وقت قلتم علمنا واتبعنا أى اتبعوا الله إن الله عارف بنية النفوس،يطلب الله من المؤمنين أن يذكروا نعمة الله عليهم وفسرها بأنها ميثاقه الذى واثقهم عليه وهى ما أنزل من الكتاب أى الحكمة مصداق لقوله بسورة البقرة"واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة "والمراد أن يطيعوا وحى الله لهم أى عهده الذى عاهدهم عليه إذ قالوا سمعنا وأطعنا والمراد حين قالوا عرفنا حكم الله ونفذنا وفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى "وأطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله ويبين لهم أن الله عليم بذات الصدور والمراد خبير بالذى فى النفوس وهو النية ويحاسب عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى كونوا طائعين لحكم الله مقرين بالعدل ولا يدفعنكم كره ناس على أن لا تقسطوا أقسطوا هو أحسن للأجر أى أطيعوا الرب إن الرب عليم بالذى تصنعون،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله أن يكونوا قوامين لله أى طائعين لحكم الله شهداء بالقسط والمراد مقرين أى مصدقين بالعدل وهو حكم الله وينهاهم فيقول ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا والمراد ولا تحملنكم كراهية الناس على ألا تقسطوا وهذا يعنى أن يزيحوا الكراهية للغير عن قلوبهم عند الحكم فى قضية ما فيحكموا بالعدل ويطلب منهم نفس الطلب فيقول اعدلوا أى احكموا بالقسط وهو حكم الله فهو أقرب للتقوى أى أحسن للأجر ويفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى أطيعوا حكم الله ويبين لهم أنه خبير بما يعملون والمراد عليم بما يفعلون مصداق لقوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون "وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين .
"وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى أخبر الرب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات رحمة أى ثوابا كبيرا والذين كذبوا أى جحدوا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنا أنه وعد الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة أى أجرا عظيما والمراد أنه أخبر الذين صدقوا حكم الله وفعلوا النافعات من العمل رحمة أى ثوابا كبيرا هو الجنات مصداق لقوله بسورة التوبة"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات "ووعد الذين كفروا وفسرهم بأنهم كذبوا بآياتنا أى جحدوا بأحكام الله بأنهم أصحاب الجحيم أى سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة"أولئك أصحاب النار" والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا رحمة الله بكم حين أراد ناس أن يوصلوا لكم أذاهم فمنع أذاهم عنكم وأطيعوا الرب وبالرب فليحتمى المصدقون ،يطلب الله من الذين أمنوا أى الذين صدقوا حكم الله أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا رأفة الله بهم إذ هم قوم أن يبسطوا إليهم أيديهم والمراد وقت أراد ناس أن يوصلوا لهم أذاهم فكف أيديهم عنهم والمراد فمنع أذى وهو بأس الكفار عنهم مصداق لقوله بسورة النساء"عسى أن يكف عنكم بأس الذين كفروا"والغرض من القول هو تعريف القوم أن الله لا يتركهم بلا دفاع عنهم ما داموا مخلصين له ويطلب منهم أن يتقوا الله والمراد أن يطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن على الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من الأذى والخطاب للمؤمنين .
"لقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم إثنى عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل"المعنى لقد فرض الله عهد أولاد يعقوب(ص)وعين لهم إثنى عشر رئيسا وقال الله إنى ناصركم لئن أطعتم الدين أى اتبعتم الطهارة أى صدقتم بأنبيائى ونصرتموهم أى أطعتم الله طاعة صالحة لأمحون عنكم ذنوبكم أى لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون فمن كذب بعد ذلك منكم فقد استحق عذاب النار ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق بنى إسرائيل والمراد فرض على أولاد يعقوب(ص)العهد وهو عبادة الله مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"ويبين لنا أنه بعث منهم إثنى عشر نقيبا والمراد وعين لهم إثنى عشر رئيسا لكل أسرة من الإثنى عشر أسرة رئيس وقال الله لهم: إنى معكم والمراد إنى ناصركم إنى راحمكم لئن أقمتم الصلاة أى إن اتبعتم دين الله وفسر هذا بقوله وأتيتم الزكاة أى وأطعتم حكم الله وفسر هذا بقوله وأمنتم برسلى وعزرتموهم والمراد وصدقتم بمبعوثى وأطعتموهم وفسر هذا بقوله وأقرضتم الله قرضا حسنا والمراد واتبعتم حكم الله إتباع صالح ،فهنا ربط الله نصره للقوم بطاعتهم الصالحة لحكم الله وفسر الله نصره أى معيته لهم بقوله لأكفرن عنكم سيئاتكم أى لأمحون عنكم ذنوبكم أى يتجاوز عن جرائمهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"ونتجاوز عن سيئاتهم"وفسر هذا بقوله ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون ذات السوائل اللذيذة ،ويبين الله لبنى إسرائيل أن من كفر أى كذب بعد ذلك أى بعد نزول العهد فقد ضل سواء السبيل أى فقد استحق عذاب الكفر والخطاب للنبى(ص) .
"فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم من بعد مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"المعنى فبما نكثهم عهدهم غضبنا عليهم وخلقنا نفوسهم كافرة يغيرون الأحكام عن مقاصدها وعصوا نصيبا من الذى أبلغوا به ولا تزال تعلم مكيدة منهم إلا بعضا منهم فأعرض عنهم أى اعفو إن الله يرحم المطيعين،يبين الله للنبى(ص) أن بما أى بسبب نقض القوم ميثاقهم والمراد بسبب مخالفة القوم عهدهم لعنهم الله أى غضب الله عليهم وجعل قلوبهم قاسية والمراد وخلق أنفسهم كافرة لأنهم أرادوا أنفسهم كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يزيدون فى الأحكام على مقاصدها عند الله أحكاما باطلة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"وهم قد نسوا حظا مما ذكروا به والمراد خالفوا بعض الأحكام التى أبلغوا بها فى الميثاق ،ويبين الله لنبيه(ص)أنه لا يزال يطلع على خائنة منهم والمراد يستمر يعلم تدبير المكائد منهم ضد المؤمنين إلا قليلا منهم وهم الذين يسلمون ويطلب الله منه أن يعفو عنهم وفسر هذا بأن يصفح عنهم والمراد أن يعرض عن التعامل معهم تاركا عقابهم على المكائد ويبين له أنه يحب المحسنين أى يرحم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين"وهذا يعنى إدخالهم الجنة والخطاب للنبى (ص)عن أهل الكتاب فى عصره وما سبقه حديث عمن ماتوا منهم وما بعده خطاب له.
"ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون" المعنى ومن الذين قالوا إنا أنصار الله فرضنا عهدهم فخالفوا بعضا من الذى أبلغوا به فأشعلنا بينهم الكراهية أى المقت إلى يوم البعث وسوف يخبرهم الله بالذى كانوا يعملون،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا إنا نصارى والمراد إنا أنصار الله كما قال عيسى(ص)أخذ الله عليهم الميثاق والمراد فرض الله عليهم عهدهم فكانت النتيجة أنهم نسوا حظا مما ذكروا به والمراد أنهم عصوا بعض أحكام العهد الذى أبلغوا به من قبل عيسى(ص)ومن ثم عاقبهم الله بأن أغرى بينهم العداوة والتى فسرها بأنها البغضاء والمراد أنه أشعل بين النصارى الكراهية وهى المقت إلى يوم القيامة وهى البعث مصداق لقوله تعالى بسورة الروم"إلى يوم البعث" وهو سوف ينبئهم بما كانوا يصنعون أى يعملون مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"فينبئهم بما كانوا يعملون"والمراد أن الله سوف يخبر الناس بالذى عملوا فى الآخرة عن طريق تسليم الكتب المنشرة .
"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"المعنى يا أصحاب الوحى السابق قد أتاكم نبينا يبلغ لكم كثيرا من الذى كنتم تكتمون من الوحى ويصفح عن الذنوب قد أتاكم من الله هدى أى حكم عظيم ،يخاطب الله أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق مبينا لهم أنهم قد جاءهم رسول الله والمراد أنهم أتاهم مبعوث الله والسبب أن يبين لأهل الكتاب الكثير مما كانوا يخفون من الكتاب والمراد والسبب أن يذكر أهل الكتاب بالأحكام العديدة التى كانوا يكتمونها من الحق مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإن فريقا منهم ليكتمون الحق" فيخفون تعنى يكتمون والكتاب هو الحق ويبين لهم أنه أى الله يعفو عن كثير والمراد يتجاوز عن الذنوب إن تابوا منها ويبين لهم أنهم قد جاءهم نور أى كتاب مبين أى بينة أى هدى أى رحمة والمراد أنهم قد بلغهم وحى أى حكم عظيم من الله يجب طاعته والخطاب لأهل الكتاب وما بعده.
"يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" المعنى يسكن من أطاع حكمه جنات الخير أى يبعدهم من العذابات إلى الرحمة بحكمه أى يدخلهم فى متاع دائم،يبين الله لأهل الكتاب أنه يهدى بالكتاب من اتبع رضوانه سبل السلام والمراد أن الله يدخل من أطاع كتابه جنات الخير بطاعتهم له ورضوان الله هو دينه الذى رضاه لنا مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"ورضيت لكم الإسلام دينا"وفسر الله هذا بأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه والمراد يبعدهم عن النار إلى الجنة بطاعتهم لحكمه وفسر هذا بأنه يهديهم إلى الصراط المستقيم والمراد يدخلهم إلى المتاع السليم الذى ليس به أى انحراف فى أى شىء.
"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى لقد كذب الذين قالوا إن الله هو نفسه المسيح ابن مريم(ص) قل يا محمد فمن يمنع عنه من الله عذابا إن شاء الله أن يعذب المسيح ابن مريم(ص) ووالدته ومن فى الأرض كلهم ؟ولله ميراث السموات والأرض والذى بينهما يبدع الذى يريد والله لكل أمر يريده فاعل ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا:إن الله هو المسيح ابن مريم(ص) والمراد إن الإله هو عيسى(ص)قد كفروا أى كذبوا بحكم الله ونلاحظ تناقضهم فى جعل الإله ابن امرأة،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم من يملك من الله شيئا أى من يمنع من الله أمرا إن أراد أى شاء أن يهلك أى يعذب المسيح ابن مريم (ص)وأمه وهى والدته ومن فى الأرض جميعا؟والغرض من السؤال إخبار النصارى أن المسيح وأمه ليسوا آلهة وهو يهلكهم وكل الخلق لو أراد فالإله هو الله وليس مخلوق ابن لامرأة ويقول:ولله ملك أى ميراث مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "ولله ميراث السموات والأرض" أى حكم السموات والأرض وما أى والذى بينهما وهو الجو وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير"المعنى وزعمت اليهود والنصارى نحن أولاد الله وأصفياؤه قل فلم يعاقبكم بخطاياكم إنما أنتم خلق ممن أنشأ يرحم من يريد ويعاقب من يريد ولله حكم السموات والأرض والذى بينهما وإليه المرجع ،يبين الله لنبيه(ص)أن اليهود والنصارى قالوا أى زعموا:نحن أبناء أى أولاد الله وأحباؤه أى وخلانه والمراد أولياء الله وفى هذا قال بسورة الجمعة "إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس"وهذا يعنى أن الله لن يعذبهم لأنهم بزعمهم أولاده والأب رحيم بأولاده ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم فلم يعذبكم بذنوبكم والمراد لو كنتم حقا أولاده فلماذا يعاقبكم بسبب خطاياكم ؟والغرض من السؤال هو نفى أبوة الله لهم ويقول:بل أنتم بشر ممن خلق والمراد إنما أنتم ناس من الذين أنشأ الله وهذا يعنى أنهم من نفس نوعية الخلق فليسوا أولاد لله لكونهم مخلوقات من مخلوقاته ويقول يغفر لمن يشاء أى يرحم من يريد وهم المؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"ويرحم من يشاء"ويعذب من يشاء أى يعاقب من يريد وهم الكفار ويقول ولله ملك أى ميراث السموات والأرض وما بينهما والمراد له حكم السموات والأرض والجو بينهما مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض "ويقول وإليه المصير أى المرجع مصداق لقوله تعالى بسورة يونس"إليه مرجعكم"والمراد إلى جزاء الله عودتكم فى الآخرة.
"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير أو نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شىء قدير"المعنى يا أصحاب الوحى السابق قد أتاكم نبينا يبلغ لكم آياتنا قبل انقطاع من الأنبياء(ص)كى لا تقولوا ما أتانا من مبلغ أى مخبر فقد أتاكم مبلغ أى مخبر والله لكل أمر يريده فاعل ،يخاطب الله أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق مبينا لهم أنهم قد جاءهم رسوله يبين لهم والمراد أنهم قد أتاهم مبعوث الله يبلغ لهم أحكام الله على فترة من الرسل والمراد قبل انقطاع بعث الله للأنبياء(ص) والسبب أن يقولوا والمراد حتى لا يقولوا بعد إبلاغ الوحى :ما جاءنا من بشير ولا نذير والمراد ما أتانا من مخبر بالوحى أى مبلغ لحكم الله ويبين لهم أنهم قد جاءهم البشير وهو النذير والمراد قد أتاهم المبلغ أى المخبر بالوحى ويبين لهم أنه على كل شىء قدير أى فعال لما يريد مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد"فالله لكل أمر يريده فاعل والخطاب لأهل الكتاب.
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وأتاكم ما لم يؤت أحد من العالمين"المعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه يا شعبى اعلموا رحمة الله بكم حين أرسل لكم رسلا وخلقكم حكاما وأعطاكم الذى لم يعطى أحد من الخلق،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لقومه وهم بنو إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم والمراد اعرفوا فضل الله عليكم حين جعل فيكم أنبياء أى أرسل لكم رسلا مصداق لقوله بسورة المائدة"لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا" وجعلكم ملوكا والمراد وخلقكم حكاما والمراد أعطاهم ما يجعلهم حكاما وهو حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"ولقد أتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة"وأتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين والمراد وأعطاكم الذى لم يعطى أحدا من الخلق وهذا هو تفضيلهم على الخلق بطاعتهم حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"وفضلناهم على العالمين" والمراد أن الله ميزهم بطاعتهم لحكم الله والخطاب وما بعده من قصص للنبى(ص).
"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"المعنى يا شعب اسكنوا القرية المباركة التى فرض الله لكم ولا تعودوا على أعقابكم فتعودوا خائبين ،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لهم:يا قوم أى يا شعب ادخلوا الأرض المقدسة والمراد اسكنوا القرية المباركة مكة مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"اسكنوا هذه القرية"التى كتب الله لكم والمراد التى فرض الله لكم وهذا يعنى أنه أوجب عليهم سكن مكة المباركة فى التوراة ولا ترتدوا على أدباركم والمراد ولا تعودوا إلى كفركم والمراد لا تخالفوا أمر الله فتنقلبوا خاسرين أى خائبين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فتنقلبوا خائبين"والمراد فتعودوا معذبين .
"قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"المعنى قالوا يا موسى إن فيها ناسا أقوياء وإنا لن نسكنها حتى يتركوها فإن يتركوها فإنا ساكنوها،يبين الله لنا أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص):يا موسى إن فيها قوما جبارين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"قوما عالين"أى مفسدين وإنا لن ندخلها أى نسكنها حتى يخرجوا منها والمراد حتى يتركوها دون قتال منا فإن يخرجوا منها أى يتركوها لنا فإنا داخلون أى ساكنون لها،وهذا يعنى أنهم يريدون سكن الأرض المقدسة دون حرب فهم يريدون من الله أن يخرج الجبارين منها بعمله وليس بجهادهم.
"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" المعنى قال ذكران من الذين يطيعون من الله عليهما افتحوا عليهم البلد فإذا فتحتموه فإنكم منتصرون وبالله فاحتموا إن كنتم مصدقين بحكم الله،يبين الله لنا أن رجلان أى ذكران من بنى إسرائيل وهم موسى (ص)وهارون(ص) من الذين يخافون أى يخشون عذاب الله فيطيعون حكمه قد أنعم الله عليهما والمراد قد تفضل الله عليهم بحكمه قالوا لبقيتهم :ادخلوا عليهم الباب والمراد افتحوا عليهم البلد أى اهجموا عليهم فى الأرض فإذا دخلتموه أى هجمتم عليها فإنكم غالبون أى منتصرون على الجبارين وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين والمراد وبطاعة حكم الله فاحتموا من عذاب الله إن كنتم صادقين مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"إن كنتم صادقين".
"قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون "المعنى قالوا إنا لن نسكنها ما بقوا فيها فسافر أنت وإلهك فحاربا إنا ها هنا ساكنون،يبين الله لنا أن القوم ردوا على موسى(ص)فقالوا :يا موسى إنا لن ندخلها أبدا والمراد إنا لن نسافر لسكنها ما داموا فيها أى ما سكنوها والمراد كما قالوا فى آية سابقة"حتى يخرجوا منها"فهم لا يريدون أن يجاهدوا وأن يترك الجبارون الأرض لهم دون حرب وقالوا:فاذهب أنت وربك فقاتلا والمراد سافر أنت وإلهك فحاربا وقولهم ربك يعنى كفرهم بهذا الرب لأنهم لو كانوا يعتقدون أنه ربهم لقالوا ربنا ،زد على هذا أنهم وصفوا الله بالذهاب والقتال وهو وصف يشبه الله بخلقه،وقالوا إنا ها هنا قاعدون أى باقون فى أرضنا هذه .
"قال رب لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"المعنى قال إلهى لا أحكم إلا نفسى وأخى فباعد بيننا وبين القوم الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال أى دعا الله :رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى والمراد إلهى إنى لا أحكم سوى نفسى وأخى لا يحكم سوى نفسه وبألفاظ أخرى لا أمر سوى نفسى بالقتال و أخى يأمر نفسه بالقتال فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أى فاحكم أى فاقضى أى فافتح بيننا وبين القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"افتح بيننا وبين قومنا بالحق"،وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يصدر حكمه فى الكفار الذين عصوا أمر الله.
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض فلا تأسى على القوم الفاسقين"المعنى قال فإنها ممنوعة عليهم أربعين سنة يضلون فى الأرض فلا تحزن على القوم الكافرين،يبين الله لنا أنه استجاب لدعاء موسى(ص)فحكم حيث قال لموسى(ص):فإنها والمراد فإن الأرض المقدسة محرمة أى ممنوع عليهم دخولها أربعين سنة أى عام يتيهون فيها فى الأرض أى يضلون أى يتحيرون فى الأربعين سنة فى الصحراء التى أرادوا الجلوس فيها دون حرب ،ثم يطلب الله من موسى(ص) ألا يأسى أى يحزن على القوم الفاسقين وهم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فلا تأسى على القوم الكافرين".
"واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"المعنى وأبلغ لهم قصة ولدى آدم(ص)حين قدما دانية لله فأخذ من أولهما ورفض من الثانى قال لأذبحنك قال إنما يأخذ الله من المطيعين ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يتلو عليهم والمراد أن يبلغ لهم نبأ ابنى آدم(ص)والمراد خبر ولدى آدم(ص)إذ قربا قربانا والمراد حين قدم كل منهما شىء يتقرب به لله فكانت النتيجة أن الله تقبل من أحدهما أى رضا عن أحدهما ولم يتقبل من الأخر والمراد ولم يرضى عن الثانى ومن ثم عرف الأول أنه على الحق وعرف الثانى أنه على الباطل فى خلافهما فقال الثانى للأول:لأقتلنك أى لأذبحنك من أجل هذا وهذا يبين لنا أنه بدلا من أن يلوم نفسه لام أخيه فقال له الأول:إنما يتقبل الله من المتقين والمراد إن الله يرضى عن المطيعين لحكمه والخطاب للنبى(ص)يقوله للناس هو وما بعده من القصة.
"لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين "المعنى لئن مددت إلى أذاك لتذبحنى ما أنا بماد لك أذاى لأذبحك إنى أخشى عذاب الله إله الناس ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأول قال للثانى:لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى والمراد لئن عملت مكرك لتذبحنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك والمراد ما أنا صانع مكر لك لأذبحك إنى أخاف رب العالمين والمراد إنى أخشى عقاب الله خالق الجميع،وهذا يعنى أنه لا يريد قتل أخيه مثلما يريد هو قتله كما يعنى أن سبب عدم قتله لأخيه هو خوفه من عذاب الله .
"إنى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين"المعنى إنى أحب أن ترجع بذنبى وذنبك فتصبح من أهل الجحيم وذلك عقاب العاصين لله،يبين الله لنبيه(ص) أن الأخ الأول قال للثانى:إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك والمراد إنى أحب أن ترجع بجرمى وجرمك السابق وهذا يعنى أن الأول يقول للثانى أن سبب عقابك سيكون ذنب قتلى وذنوبك الأخرى فتكون من أصحاب النار أى فتصبح من المعذبين مصداق لقوله تعالى بسورة الشعراء"فتكون من المعذبين"وذلك جزاء الظالمين أى عقاب الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة"وذلك جزاء الكافرين" وهذا القول منه هو تذكير للثانى بعذاب الله حتى يخاف منه فلا يقدم على القتل .
"فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"المعنى فسولت له شهوته ذبح أخيه فذبحه فأصبح من المعذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن نفس الأخ الثانى وهى شهوته أى هواه الضال طوع له أى سول له أى أمره بقتل أى ذبح أخيه فكانت النتيجة أن نفذ الأمر فقتل أى ذبح أخيه فأصبح من الخاسرين أى النادمين مصداق لقوله فى الآية التالية"فأصبح من النادمين"وهم المعذبين فى النار.
"فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"المعنى فأرسل الله غرابا يحفر فى التراب ليعلمه كيف يخفى جثة أخيه قال يا عذابى أفشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأدفن جثة أخى فأصبح من المعذبين، يبين الله لنبيه(ص)أنه بعث أى أرسل غرابا يبحث فى الأرض والمراد يحفر بأرجله فى التراب والسبب ليريه كيف يوارى سوءة أخيه أى ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه وهذا يعنى وجوب دفن الميت بغض النظر عن دين الميت عن طريق الحفر فى الأرض ووضع الميت ثم إهالة التراب عليه،فقال القاتل:يا ويلتى أى يا عذابى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى والمراد هل فشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأخفى جثة أخى فى التراب ،وهذا يعنى أن الإنسان يتعلم من الحيوان وربما كان هذا التعليم هنا سبب فى تشاءم البشر بالغراب وهو أمر محرم لأن الغراب فعل تعليم الدفن بأمر من الله ،وأصبح من النادمين أى الخاسرين وهم المعذبين فى النار.
"من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون"المعنى بسبب هذا فرضنا على أولاد يعقوب أنه من ذبح إنسانا بغير إنسان أو ردة فى البلاد فكأنما ذبح الخلق كلهم ومن عفا عنها فكأنما بعث البشر كلهم ولقد أتتهم مبعوثينا بالآيات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى البلاد لمفسدون،يبين الله لنا أن من أجل ذلك والمراد بسبب قتل الأخ لأخيه كتب أى فرض الله على بنى إسرائيل التالى:
أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض والمراد أن من ذبح إنسان بغير ذبحه لإنسان أو ردة عن دين الله فى البلاد وهو الظلم وهذا يعنى أن سبب قتل الإنسان إما قتله لأخر أو ردته عن الإسلام وهو حربه لله ورسوله(ص) والقاتل كأنما قتل الناس جميعا والمراد من ذبح إنسانا فكأنما ذبح الخلق كلهم لأنه يعمل على قطع نسل المقتول الذى سيحيى من بعده وأما من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا والمراد وأما من عفا عن القاتل فترك قتله فكأنما أحيا الخلق كلهم لأنه بهذا يحيى نسله الذى سيحيى مستقبلا ،ويبين الله لنا أنهم جاءتهم رسلهم بالبينات أى أرسل لهم مبعوثيهم بالآيات مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات "وهذا معناه أن الأنبياء(ص)أبلغوا الناس بالوحى ليعملوا به ولكن الذى حدث هو أن كثير منهم بعد إبلاغهم الوحى مسرفون أى فاسقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وإن كثيرا من الناس لفاسقون"والمراد مكذبون بوحى الله.