المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حق الشعب في أن يَعرف:


احسـ العالم ـاس
05-08-2003, 10:17 PM
بقلم رودني أي. سمولا

المصدر: وزارة الخارجية الامريكية



كثيراً ما تُستخدم كلمات "حق الشعب في أن يَعرف" كشعار سياسي وقانوني. وكثيراً ما تترافق هذه الكلمات مع مطالب وسائل الإعلام بالحصول على معلومات حكومية، كما يلجأ إليها الصحافيون لتبرير نشرهم لمواد مثيرة للجدل. لكن قد يكون لتعبير "حق الشعب في أن يَعرف" معنى إضافي، منفصل عن مفهوم حرية الصحافة، معنى مُتجذر فعلياً في الشعب، ويعود إلى حق الشعب في معرفة كل ما يتعلق بأعمال حكومته. ان هذا المفهوم الآخر لتعبير "حق الشعب في أن يَعرف"، والذي يُركّز على ما يُعرف، في كثير من الأحيان في الأزمنة الحديثة، بالشفافية في الحكم، هو ما يهمنا في هذا البحث.



إن الكشف عن عمل الحكومة، والذي يهدف إلى زيادة الشفافية، غالباً ما يكون عملية صعبة ومعقدة، وهي عملية تتطلب في أكثر الأحيان تأمين توازن باحتراس في ما بين المصالح المتنافسة. إلى جانب تأمين حكومة منفتحة، هناك قيم المحاسبة والمساءلة، والمشاركة الديمقراطية. لكن الحكم المنفتح قد يكون مُكلفاً في بعض الأحيان، وقد يضحّي بمصالح مشروعة معيّنة تتعلق بالصراحة أو الفعالية داخل الحكومة، كما قد يُهدّد قِيماً اجتماعية أخرى مهمة مثل حماية خصوصية الفرد، والأمن القومي، وتطبيق القانون. على الحكومات الديمقراطية أن تكون حكومات منفتحة وشفافة إلى حد كبير. رغم ذلك، وحتى في أكثر الحكومات انفتاحاً وديمقراطية، هناك حاجة في ظروف معينة لقدر معيّن من التكتم والسرية لكي تعمل الحكومة بشكل صحيح.



إن الولايات المتحدة، في سعيها للتعامل مع هذه المصالح المتنافسة، ركّزت اهتمامها على ثلاث مشاكل رئيسية:

(1) إمكانية الوصول إلى السجلات والوثائق العامة التي تُحفظ فيها "شؤون الناس" بطريقة ملموسة،

(2) الوصول إلى المؤسسات التداولية للحكومة، مثل الاجتماعات والندوات حيث تُناقش الشؤون العامة ويتم اتخاذ القرارات بشأنها،

(3) الوصول إلى حيث تُدار روتينياً شؤون حكومية غير تداولية أو تشاورية، مثل السجون، والمستشفيات، والمدارس التي تديرها الحكومة.



* حرية المعلومات: الحصول على السجلات والوثائق

إن التجربة مع "حرية الإعلام" في الولايات المتحدة تترافق مع مفهوم الحق القانوني القوي في الحصول على سجلات ووثائق حكومية، وهي ظاهرة حديثة نسبياً بدأت بالبروز في الستينات من القرن الماضي. أصدر الكونغرس الأميركي القانون الفدرالي لحرية المعلومات (يُشار إليه عادةً بمختصر FOIA) عام 1967 استجابة لشعور متنامٍ بأن اللجوء إلى القانون الفدرالي السابق استُخدم عادةً كمبرر لكتم المعلومات وليس كحافز إيجابي لكشفها. أنشأ القانون الفدرالي لحرية المعلومات توجهاً واسعاً ينص على وجوب توفير المعلومات الرسمية للناس كي يتمكنوا من تفّحصها. هذا هو المعيار، أي قاعدة عدم "التخلف" عن التنفيذ. فقد أكدت المحاكم الأميركية مراراً وتكراراً أنه بموجب هذا القانون يجب أن تستجيب الإدارات الفدرالية بسرعة وإخلاص لطلبات المواطنين بالحصول على معلومات.



حدّد القانون الفدرالي لحرية الإعلام تسعة إستثناءات لأمر الكشف الإلزامي عن المعلومات وقَصَد القانون من هذه الاستثناءات، وهي الوحيدة التي يسمح بها القانون، وضع معايير محددة لتحديد ما إذا كان يتوجب الكتم أو الكشف عن مواد معيّنة. يتوفر للمواطنين المظلومين الإنصاف السريع في المحاكم عند رفض أي وكالة حكومية الكشف عن مواد، بلجوئها إلى أحد هذه الاستثناءات. فإذا وجدت المحكمة أن تلك الوكالة أخطأت في عدم الكشف عن المواد، فإنها تأمر بالكشف عنها وقد تُعاقب الإدارة المخالفة بغرامات مالية.



لقد تم تصميم القانون الفدرالي لحرية المعلومات ليكون واسع النطاق. فهو يسعى للسماح بالوصول إلى معلومات رسمية حُجبت، دون ضرورة، عن أنظار الناس لفترة طويلة، كما يحاول إنشاء حق عام من الممكن فرض تطبيقه قضائياً للحصول على مثل هذه المعلومات من مسؤولين رسميين يمتنعون عن ذلك. وتمّ تصميم الاستثناءات التسعة المُضمّنة في القانون بهدف إنشاء صيغة عملية تشمل، وتوازن، وتحمي كافة المصالح، كما أنها تُشدّد على أوسع مدى من الكشف بمسوؤلية عن المعلومات. وهذه الاستثناءات هي:



· أسرار الأمن القومي المتعلقة بالدفاع القومي أو بالسياسة الخارجية.

· مواد تتعلق كليّاً بأنظمة شؤون الموظفين الداخلية وممارستها في وكالة حكومية.

· مواد استُثنيت تحديداً من الكشف عنها بموجب قانون فدرالي آخر.

· الأسرار التجارية والمعلومات التجارية أو المالية ذات الامتياز أو السرية.

· المذكرات أو الرسائل ضمن الوكالات أو في ما بينها التي لا يجوز أتاحتها بموجب القانون إلى طرف غير وكالة تُقاضي تلك الوكالة.

· المعلومات الشخصية والطبية والملفات المماثلة، التي يُشكل الكشف عن محتوياتها انتهاكاً واضحاً غير مبرر للخصوصية الشخصية.



السجلات أو المعلومات المُعدّة لفرض تطبيق القانون، ولكن إلى المدى الذي يمكن التوقع، بشكل معقول، من أن إظهار هذه السجلات أو المعلومات (المتعلقة بفرض تطبيق القانون) ستؤدي إلى عرقلة إجراءات تطبيق القانون، أو إلى حرمان شخص من حق المحاكمة العادلة أو إصدار حكم قضائي غير مُتحيز، أو التي يمكن التوقع، بشكل معقول، ان الكشف عن محتوياتها سوف يُشكّل انتهاكاً غير مبرر للخصوصية الشخصية، أو التوقع بأنه سوف يؤدي إلى الكشف عن مصدر سري. بالنسبة للمعلومات التي تجمعها إدارة تقوم بفرض تطبيق القوانين، في سياق تحقيق جنائي، أو تجمعها وكالة تدير تحقيقات استخباراتية تتعلق بالأمن القومي، يستثنى القانون الفدرالي لحرية الإعلام الكشف عن معلومات يزودها مصدر سري والتي قد تكشف بدورها عن أساليب وإجراءات متعلقة بعمليات التحقيق أو المقاضاة المرتبطة بتطبيق القانون، أو أنها قد تكشف عن توجيهات تتعلق بعمليات التحقيق أو المقاضاة المرتبطة بتطبيق القانون، في حال كان من المتوقع من هذا الكشف أن يُسبب خطر التملّص من القانون أو يمكن التوقّع بشكل معقول انها سوف تُسبب إلحاق الضرر بحياة أي فرد أو بسلامته البدنية.



· مواد متعلقة بعمليات التفتيش والتنظيم للمصارف والمؤسسات المالية.



· معلومات وبيانات جيولوجية وجيوفيزيائية كما الخرائط المتعلقة بالآبار.



تتطلب بعض هذه الاستثناءات ضمان التوازن بين المصالح السياسية الرئيسية المتنافسة، وتشمل استثناءات أخرى أموراً معينة نسبياً، وأموراً محدودة التطبيق، مثل تحديد مواقع الآبار أو تنظيم المصارف. ان المجالات الأساسية الثلاثة في نقاش السياسات الرئيسية وفي إجراءات المقاضاة عند تطبيق القانون الفدرالي لحرية المعلومات، تضمنت الاستثناءات التي تتعلق بشؤون الأمن والدفاع القومي، واستثناءات تطبيق القانون، والاستثناءات المصممة لحماية الخصوصية الفردية.



إن التجاذب بين قِيَم الحكومة المنفتحة وقِيَم الخصوصية حاد بشكل خاص. وبالأخص بعد بداية ظهور قاعدة البيانات الإلكترونية الحديثة، لم يعد بإمكان أي إنسان تقريباً في المجتمع المعاصر المحافظة على الخصوصية الكاملة للعديد من الأحداث التي تتعلق بحياته. تقع وقائع عديدة تتعلق بالأفراد بين أيدي الوكالات الحكومية لأسباب قانونية، وتُحفظ في قاعدة بيانات تسيطر عليها الحكومة. لذلك، ومن أجل تحقيق أي حماية مهمة للخصوصية، يجب الاعتراف أنه بينما من غير الممكن تحقيق الخصوصية التامة في الأزمنة الحديثة، فمن الممكن تصميم قوانين تؤمّن أن يكون الكشف عن المعلومات انتقائياً بدرجة عالية، وبهذا سوف تحقق مثل هذه القوانين قدراً مهماً من تأمين بعض الحماية، على الأقل، للخصوصية الفردية.



هناك قوانين متعددة لحرية الإعلام في الولايات مُكمّلة للقانون الفيدرالي لحرية المعلومات. لدى جميع الولايات الأميركية قوانين صُممت لتأمين وصول عامة الناس إلى سجلات الولايات والحكومات المحلية. تختلف هذه القوانين من ولاية إلى أخرى. يتبع العديد من الولايات عن كثب مثال القانون الفدرالي لحرية المعلومات في إصدار توجيهاً واسعاً بتمكين الوصول إلى مواد حكومية، ومن ثم يقوم بإدراج الاستثناءات.



شكلت، ولمدة طويلة كلفة قوانين حرية المعلومات، موضوع نقاش عام حاد على المستويين القومي والمحلي. تُحال بعض التكاليف المباشرة لطلب يتم بموجب القانون الفدرالي لحرية المعلومات على طالب المعلومات، وهي تكاليف مثل رسوم البحث والنسخ، مثلاً، وتُنظم هذه، نموذجياً على شكل جداول رسوم موحدة تحتفظ بها الوكالات الحكومية. لكن الكثير من التكاليف غير المباشرة لأي طلب معلومات يتم استناداً إلى هذا القانون، أي "النفقات العامة للانفتاح"، يتم تحملها من قبل الوكالة المعنيّة كجزء من ميزانية التشغيل فيها. لا شك في أن حرية المعلومات تزيد من كلفة الحكومة، نظراً لوجوب استخدام موظفين حكوميين للقيام بفهرسة، وتنظيم، وتخزين، واسترجاع البيانات، إضافةً إلى إنشاء آلية إدارية تُمَكّن الوكالة الحكومية من الاستجابة الملائمة لطلبات الحصول على معلومات استناداً إلى القانون الفيدرالي لحرية الإعلام.



لقد تَعَلّم الأميركيون أن تحويل قيمة حرية الإعلام إلى قانون رسمي هو أمر منفصل عن محاولة تغيير ثقافة الحكومة لكي يلتزم الموظفون الحكوميون بروحية الحكومة المنفتحة، والعمل على تسهيل الوصول إلى السجلات العامة، بدلاً من إحباط أو إفشال مثل هذا الانفتاح. خلال السنوات التي تلت مباشرة صدور القانون الفدرالي لحرية المعلومات، تعاملت وكالات عديدة مع هذا القانون على انه مصدر إزعاج، شيء يجب الالتفاف حوله أو إحباطه كلما كان ذلك ممكناً. لكن المواقف تغيرت بصورة تدريجية، وأظهر الجيل الجديد من الموظفين الحكوميين انفتاحاً أكبر وتقبلاً أوسع لمفهوم الوصول السهل والوفير للسجلات العامة.



يمكن إلى درجة مُعينة عزو التحول في هذه الثقافة إلى تقنيات الكمبيوتر الجديدة التي ظهرت في التسعينات من القرن الماضي. وبصورة مستقلة تماماً مسألة الوصول إلى البيانات الحكومية، أنشأت شبكة الإنترنت "ثقافة معلومات" اعتاد الناس عليها بتزايد عبر العالم لتأمين الحصول بسرعة وبثمن رخيص على مجموعة واسعة من المعلومات بمجرد البحث في قاعدة البيانات انطلاقاً من الكمبيوتر الشخصي. بدأ جيل كامل من الناس عبر العالم يرى سهولة الوصول إلى المعلومات على الإنترنت عملياً كحق طبيعي ممنوح لهم كحقهم في تنفس الهواء المحيط. في الدول الديموقراطية، يميل الناس بصورة طبيعية إلى أن هذا الحق يجب أن يشمل الحكومة. يُنظر بتزايد إلى أن تسهيل الوصول إلى سجلات الحكومة مباشرة وفورياً هي إحدى الواجبات الأساسية لحكومة ديمقراطية. وهكذا، لا يتوقع المواطنون فقط حرية المعلومات فهم يتوقعون الآن حرية المعلومات المباشرة الفورية. وجد هذا الإدراك المتعاظم طريقه إلى القانون الفدرالي الأميركي في عام 1996 مع صدور قانون حرية المعلومات الإلكترونية، وهو قانون أوضح أن مفهوم "سجلات عامة" يشمل سجلات محفوظة على شكل إلكتروني، وفرض على الوكالات الفدرالية السماح بالوصول الإلكتروني إلى سجلاتها.



ومع نضوج شبكة الإنترنت، بحيث أصبحت تشكل جزءاً كبيراً من ثقافة الناس، ومع قيام كافة الشركات والمؤسسات التجارية في القطاع الخاص تقريباً في الإعلان عن منتجاتها على صفحات شبكة الانترنت التي تحتوي معلومات مهمة وفرصاً للتفاعل المُباشر الفوري، أُرغمت الحكومات على المنافسة في السوق التجاري الإلكتروني لكي تصبح "مواتية لاستخدام الإنترنت". أما على المستويين القومي والمحلي، فيتزايد إضافة الوكالات الحكومية للمعلومات على قاعدة البيانات المباشرة والفورية، لتزويد السجلات العامة بطريقة سهلة لأي مواطن يملك كمبيوتر وجهاز مُودِم. في نهاية الأمر، قد يحل هذا أيضاً أحد المسائل الرئيسية المتعلقة بالكلفة التي فرضتها قوانين حرية المعلومات. بما أن البيانات الحكومية تكون غالباً على شكل إلكتروني، قد تجد الوكالات أن من السهل نسبياً تأمين وصول مفتوح إلى بيانات السجلات العامة بشكل بسيط من خلال استعمال برامج تجعل مثل هذه البيانات سهلة التعرّف عليها واسترجاعها من قبل مواطنين عاديين يستعملون الإنترنت.



* الوصول الى المداولات الحكومية

ينطبق الانفتاح والشفافية في الحكم ليس فقط على السجلات والبيانات الحكومية، بل وأيضاً على عمليات صنع القرارات الحكومية بالذات. في الولايات المتحدة، هناك تقليد قوي، يحميه جزئياً الدستور الأميركي نفسه، يضمن وصول عامة الناس إلى إجراءات المحاكم والهيئات التشريعية. في الأزمنة الحديثة اكتمل هذا التقليد بإصدار قوانين فدرالية، ومن الولايات، عُرفت شعبياً بإسم "قوانين أشعة الشمس" التي تضمن أيضاً وصول عامة الناس إلى الاجتماعات التي تعقدها الوكالات التنفيذية والإدارية.



حكمت المحكمة العليا الأميركية في قضية شركة ريتشموند للصحف ضد ولاية فرجينيا، عام 1980، أن ضمان حرية الرأي المنصوص عنها في التعديل الأول للدستور الأميركي تشمل حق الشعب في الحصول على معلومات المحاكمات الجنائية. وفي صلب هذا الحق الاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبه الحق العام في الحصول على الإجراءات القانونية الجنائية في الحياة الديمقراطية للمجتمع. كما شرحت المحكمة العليا في رأي الأغلبية على لسان رئيس المحكمة بيرغر، "إن التاريخ المبكر للمحاكمات المفتوحة (في العهد الاستعماري في أميركا) يعكس من جهة الإقرار الواسع الانتشار، وقبل وقت طويل من ظهور علماء السلوك الإنساني، بأن المحاكمات العلنية لها قيمة علاجية مهمة للمجتمع. وحتى من دون وجود خبراء من هذا النوع لوضع هذا المفهوم ضمن إطار كلامي، شعر الناس من الخبرة والملاحظة أنه، بالأخص في إدارة العدالة الجنائية، فإن الوسائل المستخدمة لتحقيق العدالة يجب أن تَحظى بدعم ناجم عن قبول الشعب للعملية ونتائجها." وسّعت عدة محاكم أميركية حق حضور المحاكمات الجنائية هذا ليشمل المحاكمات المدنية أيضاً. هناك بالتأكيد أسباب قوية ومقنعة، ترسخت بشدة تاريخياً ووظيفياً، لتطبيق حق الوصول إلى المحاكمات المدنية. وكما لاحظ في أحد المرات القاضي وندل هولمز في القرن التاسع عشر، بأن الوصول إلى الإجراءات القضائية المدنية أمر "عظيم الأهمية" نظراً "للأمن الذي تولده الدعاية للإدارة الصحيحة للعدل.. ان من المرغوب به ضرورة إجراء محاكمة القضايا (المدنية) تحت أنظار الشعب، ليس لأن خلاف مواطن مع آخر هي أمور تهم الشعب فحسب، بل وأيضاً ان من الأهمية القصوى أن يتصرف الذين يقيمون العدل دائماً في ظل الشعور بالمسؤولية العامة، وبأن كل مواطن يمكنه الاقتناع بنفسه وبواسطة عينيه بالطريقة التي يتم فيها بموجبه تأدية واجب عام."


يتبـــــــــــــــــــــع >>>>>>

احسـ العالم ـاس
05-08-2003, 10:18 PM
في العصر التلفزيوني الحديث، ازدادت قوة حق الشعب في حضور الإجراءات القضائية بفضل تطبيق السماح لآلات التصوير التلفزيوني في تغطية جلسات المحاكمات وهو ما يزداد انتشاره في الولايات المتحدة. ليس هناك في الوقت الحاضر أي حق دستوري تأخذ به المحاكم الأميركية لوجود آلات التصوير في قاعة المحكمة، ولكن مع ذلك سمحت محاكم عديدة، بصورة روتينية، إما استناداً لقانون وضعته الولاية أو إلى قوانين المحاكم المحلية، لآلات التصوير التلفزيونية بتسجيل وبث جلسات المحاكمات. وهناك بالفعل شبكة تلفزيونية كابلية أميركية تُعرف بإسم "تلفزيون المحكمة" تبث جلسات المحاكمات الفعلية كجزء من برنامج عملها الرئيسي، ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم. في الوقت الحاضر، في الولايات المتحدة، يُسمح بحق الوصول هذا بصورة شائعة في محاكم الولايات أكثر مما يُسمح به في المحاكم الفدرالية.



لا تسمح المحكمة العليا الأميركية بوضع آلات تصوير تلفزيونية في قاعة محكمتها، أو بالبث الإذاعي المباشر منها. في السنوات الأخيرة، سجلت المحكمة إجراءاتها على أشرطة صوتية ونشرتها في بداية الدورة التالية من اجتماعاتها عبر دائرة الأرشيف القومي. لكنها بتسريعها لهذا التقليد خلال القضية المثيرة للانتخابات الرئاسية لعام 2000، فقد سمحت المحكمة العليا بالفعل لوسائل الإعلام ببث تسجيل صوتي للدعوى القضائية بكاملها فور انتهائها مباشرة، اعترافاً منها بالاهتمام الشعبي الشديد بالقضية. وهكذا تمكن الأميركيون من الاستماع إلى ما جرى في الجلسة التي دامت حوالي 90 دقيقة، بعد دقائق معدودة فقط من انتهاء الجلسة.



في جميع المحاكم التي يُسمح فيها بوجود آلات تصوير أو مسجلات صوت، يمنح للقضاة عادةً حرية كبيرة في وضع قواعد وإجراءات أساسية لتقليل تأثير آلات التصوير ومسجلات الصوت، ولضمان أن لا يؤدي وجودها إلى تقليل الأهمية الحيوية في تأمين محاكمة عادلة.



على المستوى التشريعي، هناك تقليد طويل الأمد في الولايات المتحدة يتعلق بالمداولات المفتوحة للهيئات التشريعية. لا تضمن الوثائق الدستورية هذا التقليد عادةً، ولكن يُترك أمره إلى حرية رأي الهيئات التشريعية. رغم ذلك، واستناداً إلى تقليد قوي، فإن معظم الإجراءات التشريعية في الكونغرس الأميركي وفي المجالس التشريعية في الولايات مفتوحة أمام الشعب. ومؤخراً، أصبح عرض إجراءات الهيئات التشريعية أمراً مألوفاً وروتينياً على شاشات التلفزيون. في الولايات المتحدة تبث شبكة "سي سبان" بانتظام إجراءات الكونغرس، وبشكل أقل أصبحت تبث إجراءات المجالس التشريعية في الولايات.



استجابةً للإدراك بأن اجتماعات الوكالات الفدرالية، وتلك التابعة للولايات، كما الوكالات المحلية هي غالباً ما تكون أكثر أهمية في الإدارة الفعلية للشؤون العامة من مداولات الهيئات التشريعية بالذات، فقد شرّعت الحكومة الفدرالية، وحكومات ولايات عديدة، قوانين تنص على اجتماعات مفتوحة للوكالات، يُشار إليها غالباً بإسم "قوانين أشعة الشمس".



أصدر الكونغرس في عام 1976 القانون الفدرالي للاجتماعات المفتوحة، عرف بإسم "قانون الحكومة تحت أشعة الشمس". ينص القانون على أن تكون اجتماعات الوكالات الفدرالية مفتوحة أمام الشعب. يُعرف القانون "الاجتماع" على أنه ما يشكل "نصاباً قانونياً" لممارسة الشؤون الحكومية، أي مداولات العدد الأدنى من الموظفين الحكوميين اللازمين للقيام بعمل رسمي باسم الوكالة الحكومية. ويصدر القانون أمراً بلغة صارمة وشاملة على أنه لن يحق للموظفين الحكوميين "ممارسة أو تصريف شؤون أعمال الوكالة بصورة مشتركة" إلاّ في مثل هذه الاجتماعات المفتوحة، وينص أيضاً على وجوب "أن يكون كل جزء من كل اجتماع تعقده أي وكالة حكومية مفتوحاً أمام أعين الشعب."



هناك، كما هو متوقع، استثناءات، تماثل إلى حد كبير ما ينص عليه القانون الفدرالي لحرية المعلومات، وقد صممت لإعفاء الإجراءات المتعلقة بالدفاع القومي أو السياسة الخارجية، والقوانين الداخلية للوكالات، وأسرار المهنة، والتحقيقات المتعلقة بتطبيق القانون، وتنظيم المؤسسات المالية، والخصوصية الفردية، وحالات الكشف التي يكون فيها فرد متهماً رسمياً بجريمة أو بعملية استُعمل فيها العنف.



يُشكّل مفهوم "الاجتماع" أساس قانون أشعة الشمس. يسعى القانون في هذا إلى التمييز بين المداولات الرسمية لاجتماع للوكالة له نصاب قانوني حيث يتوقع اتخاذ قرارات فعلية تؤثر على الشعب، وبين المباحثات الأولية غير الرسمية حول سياسة ما والتي تشكل ضرورة طبيعية لا غنى عنها للحكم. ان الكونغرس، في تعريفه لمعنى "إجتماع" في قانون أشعة الشمس اعترف بعدم إمكانية إجراء العملية الإدارية بكاملها تحت أعين الشعب. فالمباحثات السرية غير الرسمية التي توضح المسائل وتعرض وجهات نظر مختلفة هي جزء ضروري في عمل أي وكالة حكومية. وإضعاف مثل هذه المباحثات قد يَكبت الصراحة بين الموظفين، وقد يعمل بمثابة عائق لتصرف الحكومة دون ان يحقق فائدة عامة مهمة. لذا، يعطي القانون حلاً وسطاً، وبحيث يصبح فاعلاً فقط عندما يقوم النصاب القانوني لاجتماع مكون على الأقل من أعضاء الوكالة بإدارة أو تقرير الشؤون الرسمية لأعمال الوكالة.



ومرة أخرى، تضخمت هذه الصورة القانونية بفعل التلفزيون. ففي جميع أنحاء الولايات المتحدة، تقوم أنظمة التلفزيون الكابلي المحلية، نموذجياً بتخصيص قناة واحدة أو قناتين بشكل كامل لبث مداولات الحكومة المحلية بضمنها اجتماعات مثل جلسات حكومة المدينة أو المقاطعة، واجتماعات مجالس إدارة المدارس، أو مجالس تقسيم المناطق.



* الوصول الى الأماكن العامة

إلى أي مدى، في مجتمع حر، يجب أن يكون للموظفين، من ضمنهم العاملين في وسائل الإعلام، حق قانوني بالوصول إلى مرافق عامة كالسجون أو المدارس التي تديرها الحكومة.



قد يكون أحد الردود على مسألة الوصول إلى أماكن تملكها الحكومة القول ببساطة إن ليس للمواطنين أي حق على الإطلاق بالوصول إلى أملاك الحكومة، لأنها بنهاية الأمر هي ملك للحكومة، ويجب أن يكون للحكومة سلطة إدخال إليها أو استثناء منها أي فرد حسب ما ترغب. رفض القانون الأميركي هذه النظرية وأحلّ محلها مجموعة من المبادئ في التعديل الأول للدستور، وهي تُصنّف تحت عنوان "قانون المنتدى العام". تُعتبر أماكن معيّنة، كالحدائق العامة، والساحات الرئيسية، والشوارع، وأرصفة المشاة "منتديات عامة تقليدية"، مساحات من أملاك الحكومة تحتفظ بها "كأمانة" للشعب. أي أنها أماكن حيث يُحتفظ الشعب فيها بحق التجمع للتعبير والتظاهر السلمي طالما تتم المحافظة على النظام العام. حتى لأبعد من أماكن مثل الحدائق والساحات العامة، اعتُبرت المحاكم الأميركية بأن مرافق أخرى معيّنة، مثل قاعات الاستماع، وغرف الاجتماعات، أو القاعات في المباني العامة الكبيرة يجوز أن تصبح "منتديات عامة" يكون فيها لأي فرد حق التكلم أو الاستماع إلى ما يقال.



لكن لا تُعتبر مؤسسات حكومية كثيرة "أماكن مفتوحة" مناسبة للتعبير، بل هي مؤسسات عمل تُجري الحكومة فيها أعمالها اليومية الروتينية. أنا لا أتحدث هنا عن الشؤون التداولية أو صنع القرارات الحكومية، أو موضوع الوصول إلى الإجراءات الرسمية، مثل المحاكم أو اجتماعات الإدارات الإدارية، بل أتحدث عن الوظائف الأخرى غير التداولية للحكومة كتلك التي تؤديها المستشفيات، أو المدارس، أو السجون الحكومية. لا تُعتبر هذه المؤسسات الأخيرة تقليدياً على أنها "منتديات عامة". ولا يوجد، تقليدياً، أي حق قانوني مُعترف به للمواطنين بدخول هذه المؤسسات ويمكن تقييد الدخول إليها بالذين توّكل إليهم مهمة يجب تنفيذها هناك. من الجائز أن تَستثني المدارس، على سبيل المثال، دخول أيٍ كان إليها ما عدا الطلاب والأساتذة والإداريين وأهالي الطلاب، كما يجوز للمستشفيات أن تستثني دخول أيٍ كان إليها، ما عدا المرضى والجسم الطبي والزائرين الحسني النية. كما يجوز للسجون أن تمنع دخول أيٍ كان إليها ما عدا السجناء وموظفي السجن والمحامين.



رغم ذلك، وبالنسبة لكافة هذه المؤسسات ومؤسسات أخرى عديدة يمكننا تصورها، من المحتمل ان تواجه ضغطاً من جانب المواطنين، بضمنهم العاملين في وسائل الإعلام، للسماح لهم بالدخول إليها بغية مراقبة وربما انتقاد ما يحدث فيها. قد يرغب أفراد من عامة الناس أو من وسائل الإعلام تحرير تقارير حول ادعاءات تتعلق بانتهاكات، أو فساد، أو ظروف حياة مزرية، أو غير ذلك من الأمور غير اللائقة التي تحدث داخل هذه المؤسسات. وبما أنه يتم تمويل هذه المؤسسات من أموال الشعب فالحجة هي أن الشعب له حق معرفة ما يجري بداخلها. وعلى الأقل حتى الوقت الحاضر، لم تُظهر المحاكم الأميركية أنها راغبة بالاعتراف بأي حق دستوري يمكن تطبيقه بصورة عامة يسمح بدخول مثل هذه المؤسسات. ان ما أظهرته بعض المحاكم من رغبة في الاعتراف بهذا الحق كان سببه مبدأ منع التمييز. فإذا مَنَحت مؤسسات بعض الحقوق لدخول أفراد الشعب إليها - مثل دورات زيارات عمومية للسجون مثلاً- فلا تستطيع هذه المؤسسات التمييز ضد وسائل الإعلام، أو ضد مواطنين ينضمّون إلى دورة زيارة لغرض مراقبة وجمع معلومات محتمل استعمالها في انتقاد أسلوب العمل في المؤسسة.



* قيمة الانفتاح

تملك جميع الحكومات في كل مكان وزمان في تاريخ العالم ميلاً متأصلاً للحكم السرّي، جزئياً على الأقل. انها غريزة إنسانية طبيعية وغريزة طبيعية في الحكم. لذلك يجب على مجتمع يرغب جدياً باعتبار الانفتاح على أنه قيمة، أن يضع قواعد تميل قصداً لصالح الانفتاح، على أن تميل أكثر مما يبدو معقولاً في بادئ الأمر، وذلك بغية إبطال النزعة المتأصلة للحكومات في ممارسة السيطرة، والرقابة، والسرّية.



تتحدانا في الأزمان الحديثة تطورات مذهلة في حقل الاتصالات، ثورة تكنولوجية كما كانت المطبعة في حينها، وتطورات تعد بالتغيير في أساليب جمع، وخزن، وتنظيم، وإيصال المعلومات. لكن الدولة الملتزمة بثقافة منفتحة سوف تدافع عن التعبير والضمير الإنساني بكافة أشكال تنوعه الرائع، وسوف تؤمن حماية أساسية لحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية المعتقد، وحرية إنشاء الجمعيات، وحرية التجمع، وحرية الاحتجاج السلمي الجماهيري. لن تمتد هذه الحريات إلى النقاش السياسي فحسب بل وأيضاً إلى المدى اللانهائي من البحوث الفنية، والعلمية، والدينية، والفلسفية التي تأسر الخيال الإنساني وتثيره.



إن مجتمعاً يرغب في تبني الانفتاح كقيمة ذات أهمية رئيسية لن يسمح للمواطنين بالتمتع بمدى واسع من حرية التعبير الفردية فحسب، بل سوف يخطو خطوة إضافية إلى الأمام ويفتح بالفعل العمليات التداولية للحكومة بالذات أمام نور شمس التدقيق العام. ففي ثقافة منفتحة حقاً تكون القاعدة الاعتيادية هي عدم معالجة الحكومة لشؤون الشعب خلف أبواب مغلقة. على الإجراءات التشريعية، والإدارية، والقضائية، أن تكون مفتوحة أمام الشعب بشكل تلقائي.

--------------------------------------------------------------------------------

معلومات عن كاتب المقال:

رودني اي سمولا هو أستاذ القانون في كلية الحقوق في جامعة ريتشموند بولاية فرجينيا. وهو باحث ومؤلف، ومحام له خبرة في القانون الدستوري.