المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجندي الأمريكي بين رحيلين لأمريكا أو للقبر


احسـ العالم ـاس
07-08-2003, 06:43 PM
عندما يقول أحدهم أن أمريكا دولة عظمي، وتملك من القوة ما تستطيع أن تدمر به الكرة الأرضية، وأنها قطب أوحد، وأنه لا توجد دولة علي وجه البسيطة قادرة علي مواجهتها، نقول له صدقت ولكنك لم تأت بشيء جديد يجهله الناس، فكلنا ندرك ما أدركت، وكلنا نؤكد علي حقيقة ما ذكرت، ولكننا نخالفك الرأي عندما يكون الحديث عن المقاومة الشعبية وليس عن الجيوش النظامية، فأمريكا بما تملك من قوة هائلة تمكنت بفضلها من سحق الجيش النظامي في العراق في أيام قلائل لا تستطيع أن تهزم مقاومة شعبية دافعها الرئيس إرادة التحرر من الاحتلال المذل للعراق، والمقاومة في فلسطين خير شاهد علي ما ذهبتُ إليه.

ومن هنا خشيت ليلة الكارثة العظمي، ليلة سقوط بغداد أن تغيب هذه الحقيقة، وأن ينخدع الناس بمعتقدات عبدة أمريكا الذين ينشرون الإحباط واليأس، فلا يرون مجالا للنهوض ومواجهة الغول الأمريكي، فتحت عنوان واهم من ظن أن المعركة قد انتهت بتاريخ 10/4/2003 كتبت قائلا ولكن هل أسدل الستار علي معركة العراق؟ وهل هذا الذي نشاهد هو نهاية المعركة؟ وهل انتهي الأمر بهزيمة ساحقة للعراق؟ الواقع الأليم أننا ونحن نعيش حالة الصدمة والذهول قد تنتابنا تلك الهواجس، وقد نظن الظنونا، ولكن سرعان ما نفيق من وقع الصدمة لنري أن الذي حدث مرحلة من المعركة وليس كل المعركة، فكلي يقين أن الذي جري حتي الآن نهاية نظام كان يحكم العراق بخيره وشره، ولكن لا يعني ذلك نهاية شعب ما عرفناه إلا شديد المراس قوي الشكيمة، شعب يشهد له ماضيه وحاضره أنه لا يقبل بالذل والهوان، ولذا فإن هذا الشعب لن يستسلم للغزو المهين لبلاد الرافدين، كما أن الشباب المسلم الذي يتحرق شوقا للجهاد في سبيل الله لن يمهل الغزاة طويلا، نعم سنري من اختلط عليه الأمر فرأي في دخول الغزاة فرصة للتخلص من نظام كان يبغضه، ولكن سرعان ما سيكتشف هؤلاء أن الذين أصابهم غشاوة حجبت عن عيونهم الرؤية الصحيحة، وغدا لابد ستنجلي تلك الغشاوة ليكتشفوا حجم المأساة التي حاقت بشعبهم، وستغلي نار الثورة في عروقهم لرؤية هذا الاستعلاء الصهيوني الأمريكي، وسينتصرون حتما لكرامتهم، ولن يبقي في ركاب الاحتلال الأمريكي إلا الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم وخانوا شعوبهم وهؤلاء ستلفظهم وتعزلهم الجماهير تماما كما هو الحال في فلسطين حيث يعيش العملاء غربة قاتلة في مجتمع كانوا ينتمون إليه ، وأضفت قائلا إن كل المعطيات تقول ان المعركة لم تنته بعد، فالمقاومة الإسلامية ستشتعل حتما عما قريب، ولن ترضخ الشعوب لهذا الغزو الأمريكي الصهيوني، وإن المقاومة التي أجبرت أمريكا علي الفرار من الصومال ولبنان قادرة علي تطهير العراق من هذا العار الذي لحق به، فليضحك الأمريكان والعملاء ملء أفواههم ولكن عليهم ألا يغيب عن أذهانهم أنهم لن يضحكوا طويلا بإذن الله .

وها نحن نري أن أمريكا العظمي تترنح أمام ضربات الشباب المسلم في العراق، هاهي أمريكا في كل يوم تشيع قتلاها زرافات ووحدانا، لقد أيقنت أمريكا اليوم أنها أمام خيارين اثنين إما مغادرة العراق إلي غير رجعة، أو استمرار المواكب الجنائزية في الولايات الأمريكية، أي أنها أمام خيارين: إعلان الهزيمة بمرارتها، أو معايشة الهزيمة والصبر عليها والتأقلم معها بمرارتها أيضا.

هذا وقد خفت صوت أمريكا الذي كان هادرا بعد سقوط بغداد مباشرة، لم نعد نسمع التهديدات الوقحة للدول العربية، ولم تعد تؤذي مسامعنا النغمة النشاز التي أطلقها الأمريكان يوم خدعوا أنفسهم كما خدعوا عبيدهم فقاولوا سنعيد رسم خارطة المنطقة وفق المصلحة الأمريكية ، ولم نعد نسمع التبجح الوقح في معاداة الإسلام، وإعلان الحرب علي المقاومة الفلسطينية وعلي رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس بحدته الأولي كما كان الحال غداة سقوط بغداد، لقد أصيبت أمريكا يومها بجنون العظمة، ولكنها اليوم ربما أدركت أنها كانت واهمة، مما جعل زعيم الحرب وسفك الدماء بوش في مهب عاصفة سياسية.

إننا نعيش اليوم واقعا جديدا مختلفا عن واقع ليلة سقوط عاصمة الخلافة، ليلتها بشرنا عبدة الشيطان أنه لم يعد أمامنا إلا أن نستسلم، وأخذوا يخذلون الشعوب العربية والإسلامية خاصة شعبنا في فلسطين وهم يبثون روح الهزيمة بطريقة يندي لها الجبين، لقد كانت الرؤية لديهم رؤية العبيد الذين تجردوا من كل معاني الحرية وقيمها، ويا ليتهم سكتوا ولكنهم أخذوا يكيلون التهم للأحرار الذين ينظرون إلي الأمور بمنظار الإيمان والعقيدة، فكأن كتاب الله يصفهم وهو يقول (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) (المطففين:29، 30)، ولقد تبدل الحال الآن وقد اشتد عود المقاومة الباسلة في العراق، وكل الدلائل تشير أن المستقبل يحمل في طياته الجحيم للأمريكان في عراق الشموخ، ولكن يبقي السؤال هل سيقبل الأمريكان بالمعادلة الحالية والتي لسان حالها يقول أيها الأمريكان سترحلون من العراق إما إلي بلادكم أو إلي القبر؟ أم أن أمريكا ستبحث عن حل آخر تخرج فيه من المأزق، وتحاول من خلاله أن تحقق أهدافها في نهب خيرات العراق علي أقل تقدير بعد أن تبخرت أحلامها في إعادة صياغة المنطقة وفق الرؤية الأمريكية؟

من الواضح أن هروب أمريكا من العراق بعد هذه المعركة باهظة التكاليف التي أدت إلي احتلال العراق يعتبر نهاية مرحلة الهيمنة النفسية علي أقل تقدير من الجانب الأمريكي علي الشعوب المستضعفة، وفي ذلك تراجع أمريكي يهدد مخططها الهادف إلي أمركة العالم، وبقاء الاحتلال الأمريكي أيضا سيكون باهظ التكاليف، لأنه سيستنزف أمريكا اقتصاديا ومعنويا ونفسيا، بل وسيمرغ هيبتها في طمي الفرات، ومن هنا ستبحث أمريكا عن عبدة الشيطان، أصحاب الأهواء والشهوات، لتواصل من خلالهم احتلالها للعراق، ولتصنع من أجسادهم سواتر تحمي الجندي الأمريكي المدنس بوجوده أرض العراق، ستزودهم أمريكا بالسيارات الحديثة، وأدوات القمع، وستقوم بتدريبهم علي وحشية التصدي للشعب، ستفتح لهم مراكز التدريب تماما كتلك التي فتحت هنا في مدينة أريحا ، وكما فعلوا هنا سيقوم السيد الأمريكي بعملية غسيل الأدمغة، ليشاهد الشعب العراقي بعد ذلك نماذج من المنتسبين إليه تقول له المصلحة الوطنية العليا تكمن في حماية الاحتلال، والخير للعراقيين في بقائه ووجوده، فهو الذي يحضر لنا الدقيق والزيت والسكر، وهو الذي بدونه لن نري الماء والكهرباء والوقود، وهكذا تتحول قضايا الأمة من احتلال يجب أن يزول إلي بطون جائعة غاية أصحابها أن تتدلي كروشهم، فتغيب الكرامة في تلافيف وتجاويف الأمعاء.
ومن هنا فعلي العراقيين وهم يقاتلون الشيطان أن يأخذوا حذرهم من عبدته.









د. عبدالعزيز الرنتيسي
جريدة الشعب