المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من جنين إلى أرض الهنود الحمر


احسـ العالم ـاس
09-08-2003, 04:26 AM
عُرف عن الرئيس الأمريكي رقم 26, ثيودور روزفلت أنه لبق. حقاً, بل واتسم الرجل أيضاً بالصراحة. في كتابه: "الفوز بالغرب", تحدث روزفلت عن ما أسماه "انتشار الشعوب المتحدثة باللغة الإنجليزية فوق بقاع العالم الغير المستَغَلة". كان الرجل يعني أميركا الشمالية بالتحديد عندما كتب: "انتقل المستوطنون الأوروبيون إلى هذه الأماكن غير المأهولة. هذه الأرض (حيث عاش الملايين من الأمريكيين الأصليين, أو من يطلق عليهم اسم "الهنود الحمر") لم تكن ملك أحد. فالحقيقة أن الهنود الحمر لم يملكوا أي أوراق تثبت ملكيتهم لها."
وفي مقابلة مع صحيفة البريتش تايمز اللندنية, في 15 يونيو, 1969, أنكرت رئيسة وزراء إسرائيل حينذاك, غولدا مئير وجود شعب فلسطيني. "لم يكن هنالك أي شيء يسمى بالفلسطينيين. لم يكن هنالك شعب يسمي نفسه بالشعب الفلسطيني وقمنا نحن بقلعهم من أرضهم وسلب وطنهم منهم. في الحقيقة. لم يكن للفلسطينيين أي وجود."
بالرغم من أن الشعبين الفلسطيني والأمريكيين الأصليين هم شعوب لها تاريخ وحضارة تمتد إلى ألوف السنين, فإن المستعمر, سواء الرجل الأبيض أو الصهيوني وجد قضية التاريخ والعراقة بلا جدوى أمام الأيدلوجيا العنصرية التي قسمت العالم إلي أبيض وملون, إلى يهودي وغير يهودي, إلي ناطق باللغة الإنجليزية و غير ناطق بها, إلى خّير وشرير (كما هو الحال الآن حسب نظرية الخير والشر التي أعاد إحياؤها الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن).
يقول روزفلت: ""ما كان للعالم أن يتقدم لولا لم يتم إزاحة الشعوب المتوحشة والبربرية, من خلال الاستيطان المسلح (قارن بين مستوطنات الرجل الأبيض والمستوطنات اليهودية في القدس وغزة والضفة الغربية, بل في الاستيطان المبكر أوائل ومنتصف القرن المنصرم في فلسطين)."
في ذات الوقت يفسر بن غوريون, رئيس الوزراء الإسرائيلي من عام 1948 حتى تقاعده عام 1963, يفسر المذابح التي قامت بها العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي فيما بعد كما يلي: "(إن إسرائيل تستخدم سياسة) الدفاع العدواني. بمعني أنه مع كل هجوم يقوم به العرب, نرد نحن بضربة مفجعة: تدمير كلي للمكان وتهجير السكان العرب ومصادرة المكان".
لقد هُجرت عائلتي كما هُجر ما يقرب من مليون فلسطيني من فلسطين عام 1948, بعد نضال شرس ضد الاحتلال الذي نجم عن مذابح كثيرة, منها دير ياسين والطنطورة ومذبحة بيت دراس, وتدمير 418 قرية وبلدة فلسطينية منها بيت دراس حيث عاشت عائلتي منذ أجيال بعيدة. تفرق اللاجئون الفلسطينيون إلى مخيمات الشتات والتشرد, مرغمين على اللجوء ولكن على أمل العودة إلى وطن قريب, بعيد. كانت مخيماتهم ولا وزالت أشبه بما يسمي بالمحميات التي وضعت فيها قبائل الأمريكيين الأصليين بعد مذابح اقترفت ضدهم وأبادت معظمهم. كان الشعار السائد في ذلك الوقت بين المهاجرين الأوروبيين هو "هندي ميت هو هندي جيد." ذات الشعار خطه المستوطنون اليهود باللغة العبرية على الكثير من مقابر الفلسطينيين في الضفة الغربية: "عربي ميت وهو عربي جيد."
تقاعد بن غوريون من دوره كرجل سياسة في إسرائيل قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على ما تبقي من فلسطين عام 1967. لم تنتهي العنصرية الصهيونية (والتي هي امتداد للفاشية الأوروبية وصورة طبق الأصل عن سياسة الرجل الأبيض في أميركا) بعد الاستيلاء الكامل على فلسطين, بل تفاقمت ووصلت إلى حد الدعوة إلى الإبادة الجماعية أو الأبعاد الجماعي للشعب الفلسطيني. هذه السياسة ليست مجرد كلمات يتشدق فيها أقلية في اليمين الإسرائيلي بل هي سياسة دولة. إن العلاقة مازالت مباشرة بين مذابح دير ياسين, وقبية وصبرا وشاتيلا وجنين وحي التفاح والسور الواقي الذي يمزق الضفة الغربية. الهدف هو إنهاء وجود الشعب الفلسطيني لتحقق رؤية جولدا مئير ولو بصورة عكسية. وكيف لنا إذا أن نفسر خطاب أرئيل شارون في 15 نوفمبر 1998 (والذي أذاعه راديو إسرائيل في اليوم التالي). كان شارون يتحدث لجمهرة من المستوطنين ونشطاء اليمين الإسرائيلي: "على الجميع أن يفعل شيء ما, أن يجري وأن يسيطر على المزيد من التلال (في الضفة الغربية). فلنوسع المنطقة, كل من نستولي عليه يصبح ملكنا, وكل ما نفشل في الاستيلاء عليه يبقى في يد العرب. هذا هو ما يجب أن نفعل."
المدهش في الأمر أن روزفلت أدعى في كتابه أنه "لا يوجد قوة استعمارية في العالم تعاملت مع المتوحشين بالكرم الذي أبدته الولايات المتحدة."
كولونيل ديدي, القائد الإسرائيلي الذي ذكرت صحيفة الجيروساليم بوست الأمريكية أنه قاد "عمليات" الجيش الإسرائيلي أثناء مذبحة جنين, تحدث مع ذات الصحيفة في أيام المذبحة الأخيرة. "لقد تصرف الجيش الإسرائيلي (في جنين) بحذر شديد و بأخلاقيات تجعله أفضل جيوش العالم."
غداً, سوف أتحدث أمام جمهور من المثقفين في جامعة واشنطن. شريكي في المحاضرة, هو زعيم من أحد قبائل "الهنود الحمر", باسم "مخترق الشهب", رجل يقضي وقته مدافعاً عن القضية الفلسطينية وقاصاً قصص المقاومة الفلسطينية في جامعات كثيرة في الولايات المتحدة وكندا. سوف أقدم له علم فلسطين كهدية وأخبره أن شعب فلسطين سوف يستمر في المقاومة, ليس لأجل حريته فقط بل لأجل شعوب العالم المستضعفة جميعها


بقلم رمزي بارود - واشنطن


رمزي بارود هو صحفي فلسطيني مقيم في واشنطن. نُشرت مقالاته باللغة الإنجليزية في صحف عالمية كثيرة منها الواشنطن بوست, إنترناشينال هيرالد تريبيون وكريستيان ساينس مونتر