المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأموال العربية المهاجرة: السطو او العودة


احسـ العالم ـاس
10-08-2003, 10:54 PM
ليست الطيور وحدها التي تهاجر من الوطن العربي، ولئن كانت الطيور تعود فهناك من يهاجر ولا يعود.

وهجرة الأموال أحد العناوين المعقدة التي استفحل أمرها في العقدين الماضيين لأسباب وظروف كثيرة معظمها ذاتي وداخلي. اليوم وبعد مضي سنتين على بدء معاناة رؤوس الأموال العربية المهاجرة الى الولايات المتحدة الاميركية إثر أحداث أيلول 2001، يبدو أن معظم الأموال لم تزل تعمل داخل السوق الاميركية برغم المخاطر التي تتهددها.



لماذا تهاجر الأموال العربية

يبحث رأس المال عن الربحية والأمان. وقد ساهمت حالة عدم الاستقرار في عدد كبير من الدول العربية والحروب المختلفة التي انتشرت في أرجاء الوطن العربي (الحروب العربية الاسرائيلية حرب لبنان حرب تقسيم اليمن ثم حرب توحيده حرب جنوب السودان الحرب العراقية الايرانية الغزو العراقي للكويت إضافة لحروب السلطة والمتطرفين في الجزائر ومصر واليمن.. الخ) بدفع المتمولين والأثرياء العرب لإخراج أموالهم الى مناطق أكثر استقرارا وأمانا وربحية كالأسواق الاميركية والأوروبية. هذا فضلا عن تخلف الأجهزة الادارية في معظم الدول العربية والافتقاد الى البنى التحتية والتشريعات المحفزة للاستثمار.



تقدر اليوم الثروات العربية المستثمرة خارج الوطن العربي بحوالى 1,3 تريليون دولار بحسب تقديرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وما بين 2,1 و4,8 تريليون دولار بحسب مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية. وربما كان الفارق يعود الى احتساب او عدم احتساب أرصدة الحكومات العربية وخصوصا الخليجية في الأسواق الخارجية.



في المقابل فان حجم الديون العربية الخارجية بلغ عام 2001 حوالى 156 مليار دولار، ما يعني ان الاموال العربية تودع في الأسواق الخارجية ثم تستدين الدول العربية المحتاجة من هذه الاسواق والمؤسسات الدولية لتمويل احتياجاتها. وكأن الاميركي والاوروبي يقرض العرب من أموال العرب وبفوارق اضافية في الفوائد وشروط سياسية واقتصادية قاسية في معظم الأحيان.



ومنذ أحداث 11 أيلول 2001 وما أعقبها من إجراءات ضد شخصيات ورجال أعمال ومؤسسات وشركات عربية والأموال التابعة لهم، انتشرت التوقعات بعودة الأموال العربية المهاجرة وتدفقها على البلاد العربية، وتداولت أوساط إعلامية أميركية معلومات عن سحب العرب لمليارات الدولارات من الأسواق الاميركية قبل ان يُلقي عدم تأثر السوق الاميركية وعدم انتعاش أسواق اخرى في العالم يفترض ان الاموال انتقلت اليها، ظلالا من الشك حول صحة هذه الانباء.



وبقدر ما يثير الاستغراب عدم انسحاب رؤوس الأموال العربية من الولايات المتحدة الاميركية برغم المخاطر التي تتهددها ومحاولات السطو ووضع اليد عليها تحت عناوين قضائية وأمنية مختلفة، فان ذلك يؤشر الى عمق أزمة الثقة التي يعيشها الأثرياء العرب من جدوى الاستثمار داخل الوطن العربي او من جدوى الاصلاحات الاقتصادية التي يشهدها، او الى عدم معرفتهم حقيقة بفرص الاستثمار الكبيرة المتاحة في مختلف المجالات والتي لا تلاقي الترويج اللازم لها كما يجيد الاميركيون الترويج لمشاريعهم لاستقطاب رؤوس الاموال من مختلف دول العالم.



كما ان هناك عائقا مهما يمنع عودة الأموال العربية ويتمثل في أن قسما كبيرا منها مستثمر في مشاريع لآجال طويلة.



أكبر عمليات سطو في التاريخ

كمثال على حجم عمليات السطو التي تتعرض لها الأموال العربية والاسلامية في الولايات المتحدة نشير الى المحاكمة التي يتعرض لها في الولايات المتحدة بعض الأمراء السعوديين والشركات العربية الكبرى مثل شركة “دلة البركة” على خلفية أحداث 11 أيلول 2001 ومطالبة ذوي الضحايا بتعويضات من أرصدة الحكومات العربية ورجال الأعمال العرب تصل قيمتها الى تريليون دولار أميركي.



وفي شهر تموز يوليو من العام الجاري أمر قاض فيدرالي أميركي بدفع مبلغ 653 مليون دولار من الودائع العراقية التي وضعت واشنطن اليد عليها ل17 أسير حرب أميركي اعتقلوا لفترة محدودة في العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991.



وفي الشهر ذاته أصدر قضاة فيدراليون أميركيون أحكاما بأن تدفع إيران مبلغ 500 مليون دولار كتعويض لرهينة سابق في لبنان ولعائلة امرأة أميركية قتلت في إحدى عمليات المقاومة الفلسطينية في القدس المحتلة.



وقبل ذلك مئات الملايين من الدولارات التي أُرغمت ليبيا على دفعها لضحايا حادثة لوكربي قبل رفع العقوبات الدولية عنها. ومئات الملايين التي جرى الاستيلاء عليها بعد تصنيفها كحسابات مشبوهة لأشخاص او جمعيات تتهم بدعم الارهاب وفق التصنيف الاميركي.



ومؤخرا بدأت الإدارة المدنية الاميركية في العراق بتلزيم الشركات الاميركية الكبرى عقودا لإعادة إعمار العراق بمليارات الدولارات والتي سيتم تمويلها من عائدات النفط العراقي.



وعلى هذا المنوال ومع نجاح بعض الدعوات المرفوعة في الولايات المتحدة وفقا لقانون صادر العام 1996 يسمح برفع دعاوى ضد دول حددتها وزارة الخارجية الاميركية كدول داعمة للارهاب. او الاستيلاء على ملايين الدولارات بموجب قانون مكافحة الارهاب عام 2001، وربما نشهد قريبا دعوات قضائية من عائلات الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في عمليات المقاومة في فلسطين او جنوب لبنان ضد كل دولة عربية دعمت الصمود اللبناني والفلسطيني.



كما قد نشهد دعوات من عائلات الجنود الاميركيين الذين يقتلون بعمليات المقاومة العراقية لتعويضهم من عائدات النفط العراقي التي حصلت الولايات المتحدة على تفويض دولي بإدارتها. وإذا كان نصيب 17 أسير أميركي سابق في العراق 653 مليون دولار من الأموال العراقية فماذا سيكون نصيب عائلات مئات القتلى والجرحى من الجنود الاميركيين الذين سقطوا أثناء احتلال العراق وبعده؟



الاستثمارات العربية والاجنبية

في الوطن العربي

على مدى عقد من الزمن تدفقت الى الوطن العربي استثمارات أجنبية أكثر مما استثمر العرب أنفسهم داخل الوطن العربي. إذ وصل مجموع قيمة الاستثمارات الاجنبية على ضآلتها نسبة الى الاستثمارات العالمية، الى 30 مليار دولار فيما لم تتجاوز الاستثمارات العربية البينية مبلغ 20 مليار دولار مقارنة بأكثر من 1,3 تريليون دولار يستثمرها العرب في أسواق أميركا وأوروبا. ويشهد الوطن العربي محاولات حثيثة لاستقطاب جزء أكبر من الاستثمارات الاجنبية التي لا تتعدى حصته منها الواحد في المئة. ولهذه الغاية أصدرت دول مثل اليمن وموريتانيا والعراق عام 2002 قوانين جديدة خاصة بالاستثمار الاجنبي وأدخلت دول أخرى هي مصر ولبنان والسعودية وعُمان تعديلات على قوانين الاستثمار تزيد من عناصر الجذب والاستقطاب. هذا بالاضافة الى وجود قوانين معمول بها في كل من تونس والمغرب والسودان ومعظم دول الخليج العربية.



لكن على الرغم من ذلك كله ما تزال الفجوة واسعة في معظم البلاد العربية بين توفير البيئة الناجحة للاستثمار وبين الواقع القائم الذي لم يشجع حتى الآن رؤوس الاموال العربية على العودة فكيف باستقطاب الأموال الاجنبية. وربما كان الافتقاد الى تشريعات تضمن حرية انتقال رؤوس الأموال بين البلاد العربية وتسوية النزاعات في حال نشوبها بين المستثمرين والدول المضيفة للاستثمار يعتبر عنصرا حاسما في هذا المجال.



إذ أن اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية التي وافق عليها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 2000 لم يصدق عليها حتى حزيران 2002 سوى ثلاث دول عربية هي الأردن ومصر السودان. اما اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار في الدول العربية فلم يكون قد وافق عليها حتى نفس التاريخ سوى الاردن.



وتعتبر السعودية في طليعة الدول العربية التي تصدر الاستثمارات للعالم العربي وفي نفس الوقت في طليعة الدول العربية التي تستضيف استثمارات عربية، إذ صدرت للعالم العربي عام 2002 استثمارات بقيمة 882 مليون دولار واستضافت استثمارات عربية بقيمة 717 مليون دولار.



ويأتي لبنان في المرتبة الثانية من حيث استقطاب الاستثمارات العربية بقيمة 650 مليون دولار فيما احتلت الكويت المرتبة الثانية في تصديرها بقيمة 444 مليون دولار.



اما الاستثمارات الاجنبية في الوطن العربي فقد تراجعت من 4,3 مليار دولار عام 1999 الى 2,5 مليار دولار عام 2000 ثم ارتفعت الى 6 مليار دولار عام 2001 استحوذ على معظمها دول المغرب العربي.



المال والبنون زينة الحياة الدنيا

مع لغة الأرقام المحزنة في الوطن العربي والتي تشير الى مليون خبير ومتخصص عربي مهاجر وما يزيد عن 1,3 تريليون دولار من الاموال العربية المهاجرة نستذكر قوله تعالى “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” لنسأل: إذا غدت أمة العرب تصدر للغرب أموالها وخيرة أبنائها فكيف ستحصل على زينة الحياة؟.. كيف ستحصل على التنمية؟