المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـــكتبة الغـــزوات النبوية (الكبرى) (1 )


طليفيح
19-08-2006, 10:47 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
المــــوضــوع رســـائل النبي صلى الله عليه وسلم الى الملوك والزعماء

أتيحت الفرصة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية لتوسيع نطاق الدعوة إلى الإسلام داخل الجزيرة العربية وخارجها ، لأن الإسلام رسالة عالمية غير محدودة المكان ، كما جاء التصريح بذلك في بعض الآيات القرآنية الكريمة ، مثل : (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ، و (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) ، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
ولذا كان من البدهي أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال الرسائل إلى زعماء العالم المعاصرين له.

هناك اضطراب في الروايات التي تناولت تواريخ إرسال الرسائل. فقد روى ابن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتاباً ، فخرج ستة نفر في يوم واحد ، وذلك في المحرم سنة سبع.

ويذكر الطبري أن بعث هؤلاء النفر الست كان في ذي الحجة. وهي من رواية الواقدي. وواضح من نص خبر الواقدي عند ابن سعد أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية كان في ذي الحجة ، وأن إرسال النفر الستة كان في المحرم من العام السابع ، فيكون الوهم في النقل من قبل الطبري. أما ابن إسحاق فلا يحدد تاريخا دقيقا لإرسال الرسل ، بل جعل ذلك ما بين الحديبية ووفاته ، قال في رواية : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجل فيما بين الحديبية ووفاته). واستدرك عليه ابن هشام في زيادات السيرة قائلاً بأن إرساله الرسل كان بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية.

ويؤرخ ابن سعد لرسالة كسرى قبل ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادي الأولى سنة سبع ، التي قتل فيها كسرى. وذكر البخاري رسالة كسرى في أعقاب غزوة تبوك في العام التاسع الهجري ، لكن من الواضح أن البخاري لم يراع عنصر الزمن في سرد محتويات (صحيحه) ، لأنه يجمع ما يقع على شرطه من البعوث والسرايا والوفود ولو تباينت تواريخهم ، وقد نبه ابن حجر إلى احتمال تصرف بعض رواة صحيح البخاري في تقديم وتأخير بعض التراجم ، مثل تقديم حجة الوداع على غزوة تبوك.

إن الدراسة التفصيلية لتلك الرسائل تجعل النفس تميل إلى قبول ما ذكره ابن إسحاق.

المبحث الأول : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي :
صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي : ( تعال إلى كلمة سواء بيننا وبينك أن نعبد إلا الله ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). فآمن ومن كان عنده ، وأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية حلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتركوه ما ترككم).

وكان الذي حمل الرسالة إلى النجاشي ، عمرو بن أمية الضمري.

وذكر الزيلعي وغيره عن الواقدي أن الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري صورته : (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ، إلى النجاشي ملك الحبشة ، أسلم أنت ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، فحملت به ، فخلقه من روحه ، ونفخه كما خلق آدم بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة عن طاعته ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله ، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي ، والسلام على من اتبع الهدى).

وذكر أبو موسى المديني في التتمة لكتاب ابن منده في الصحابة ، بإسناد معلق ، أن النجاشي كتب مع ولده كتاباً جواباً لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأورد نصه ، وفيه إقراره بالإسلام ، وإن شاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالمدينة المنورة لأتاه ، وأنه بعث إليه بابنه أرها بن الأصحم ، وأن ابنه خرج في ستين نفساً من الحبشة فغرقت بهم سفينتهم في البحر.
وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب عندما أخبره جبريل بوفاة النجاشي ، وذلك في العام التاسع الهجري.

المبحث الثاني : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى :
روى البخاري بسنده إلى ابن عباس : (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى مع عبدالله بن حذافة السهمي ، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى. فلما قرأه مزقه ، قال الراوي – الزهري- : فحسبت أن ابن المسبب قال : ( فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق).

وكتب كسرى إلى باذان عامله باليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز ، فليأتياني ، بخبره ، فبعث باذان قهرمانه – اسمه بابويه ، وهو الكاتب الحاسب - ورجلا آخر ، وكتب معهما كتابا ، فقدما بالمدينة ، فدفعا كتاب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد ، وقال : (ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد). فجاءاه من الغد ، فقال لهما : (أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه كسرى في هذه الليلة) ، لسبع ساعات مضت منها ، وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع ، وأن الله تبارك وتعالى سلط عليه ابنه شيرويه ، فقتله ، فرجعا إلى باذان بذلك ، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن.

ويذكر أن كسرى المعني هو إبرويز بن هرمز ، ويؤكد بتلر أن موت كسرى إبرويز حدث في مارس عام 628م ، مما يجعل وصول الرسالة قبل موته بشهور توكيداً لرواية الواقدي.

وروى الطبري نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، وكذلك رواها ابن طولون ، وغيرهما ، وهو : (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاء الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم ، فإن أبيت ، فإن إثم المجوس عليك).

المبحث الثالث : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر :
ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى هرقل مع دحية بن خليفة الكلبي يدعوه إلى الإسلام. وذلك في مدة هدنة الحديبية ، وهو النص الثاني الذي ثبتت صحته وفق شروط المحدثين من بين سائر نصوص الكتب التي وجهت إلى الزعماء ، ونصه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا. ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

ولعل في إيراد البخاري ومسلم نص خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ما يشير إلى ترجيحهما للروايات القائلة بتقدم نزول الآية المذكورة ، أي قبل تاريخ إرسال هذه الرسالة ، وليس في العام التاسع كما ورد في روايات ضعيفة.

وعندما قرأ قيصر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أرسل يبحث عن بعض المتصلين بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفضل أن يكونوا من قومه وعشيرته ، فعلم بوجود جماعة من التجار فيهم أبو سفيان ، فدعاهم لمجلسه مع الترجمان ، فقال : (أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟) فقال أبو سفيان : (أنا أقربهم نسبا) ، فأدناه منه وقرب أصحابه منه لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب ، فأخذ يسأله عن جميع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الطويل المشهور ، حديث هرقل مع أبي سفيان ، والمروي في الصحيحين ، واستنتج من أجوبة أبي سفيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ، وقال في ختام كلامه مع أبي سفيان : ( فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه).

ثم قال للرسول (دحية الكلبي) : (إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل ، والذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ، ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعنه) ، ثم صرفه إلى ضغاطر ، الأسقف صاحب الفتوى عندهم بحجة أنه أعلم الروم بهذا الشأن.

وروى ابن حبان أن دحية عندما جاء وافى قيصر ببيت المقدس ، فرمى بالكتاب على بساطه وتنحى ، فلما انتهى قيصر من الكتاب ، أخذه ، وأمّن من جاء به فظهر له دحية ، فطلب من دحية أن يأتيه في عاصمته ، فلما جاءه ، أمر بأبواب قصره فغلقت ، ثم أمر مناديا ينادي : ألا إن قيصر قد اتبع محمداً وترك النصرانية ، فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا به ، فقال لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد ترى أني خائف على مملكتي) ، ثم أمر مناديه فنادى : (ألا إن قيصر قد رضي عنكم وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم ، فارجعوا) ، فانصرفوا ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مسلم ، وبعث إليه بدنانير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذب عدو الله ، وهو على دين النصرانية) ، وقسم الدنانير.

وفي عدم إسلام قيصر دليل على أنه قد شح بالملك وطلب الرئاسة وآثرهما على الإسلام ، ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي ، فإنه لما أسلم ما زالت عن الرياسة.

المبحث الرابع : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني :
روى الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، مع شجاع بن وهب ، وأورد نصه. وقد امتعض الحارث ولم يوافق على الإسلام وحشد قواته للزحف على المدينة ، ولكن هرقل تدخل ودعاه إلى إيلياء – بيت المقدس.

وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاعاً إليه حين مرجعه من الحديبية ، ومن خلال رواية شجاع في قصته معه يظهر أنه كتب إليه في نفس الوقت الذي كتب فيه إلى هرقل مع دحية ، لأن شجاعاً عندما جاء إلى الحارث وجد دحية مع القصير في إيلياء.

وتقول رواية شجاع : إن حاجب الحارث – وهو رومي اسمه مري – أسلم عندما أخبره شجاع بالرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام.

طليفيح
19-08-2006, 11:31 AM
2 المـــوضوع : غــــزوة خــــيــــبر


لم يبد يهود خيبر عداء سافراً للمسلمين حتى لحق بهم زعماء بني النضير عندما أجلوا عن المدينة. وكما سبق وأن ذكرنا فقد كان أبرز زعماء بني النضير الذين غادروا المدينة ونزلوا خيبر : سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب ، فلما نزلوها دان لهم أهلها.

لقد نزلوا بأحقادهم ضد المسلمين ، ولذا كانوا كلما وجدوا فرصة للانتقام من المسلمين انتهزوها ، ووجدوا في قريش وبعض قبائل العرب حصان طروادة الذي سيدخلون به المدينة مرة أخرى ، فألبوهم ضد المسلمين ، ثم جروهم إلى غزوة الخندق ، وسعوا في إقناع بني قريظة للانضمام إليهم والغدر بالمسلمين. ولذا كانت تلك العقوبة الرادعة التي أنزلها المسلمون بهم عندما صرف الله الأحزاب ، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبد الله بن عتيك للقضاء على رأس من رؤوسهم أفلت من العقاب يوم قريظة ، وهو سلام ابن أبي الحقيق ، فقتلوه.

وكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين لتصفية هذا الجيب الذي يشكل خطورة على أمن المسلمين ، وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر ، وإلى ذلك أشارت سورة الفتح التي نزلت في طريق العودة من الحديبية ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيزاً حكيماً ، وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً ، وأخرى لم تقدروا عليها ، قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً).

تاريخ الغزوة :

ذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم من السنة السابعة الهجرية ، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة بعد العودة من غزوة الحديبية ، وذهب ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبع ، وقال الإمامان الزهري ومالك إنها في المحرم من السنة السادسة. وظاهر أن الخلاف بين ابن إسحاق والواقدي يسير ، وهو نحو الشهرين ، وكذلك فإن الخلاف بينهما وبين الإمامين الزهري ومالك مرجعه إلى الاختلاف في ابتداء السنة الهجرية الأولى كما سبق الإشارة إلى ذلك. وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.

أحداث الغزوة :

سار الجيش إلى خبير بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر وشدة وبأس رجالها وعتادهم الحربي. وكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة ، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم قائلاً : (إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم). وسلكوا طريقا بين خيبر وغطفان ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر لأنهم كانوا أعداء للمسلمين.

ونزل المسلمون بساحة اليهود قبل بزوغ الفجر ، وقد صلى المسلمون الفجر قرب خيبر ، ثم هجموا عليها بعد بزوغ الشمس ، وفوجئ أهلها بهم وهم في طريقهم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد والخميس !! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

وهرب اليهود إلى حصونهم وحاصرهم المسلمون. وقد حاولت غطفان نجدة حلفائهم يهود خيبر ، حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ، فأخذ المسلمون في افتتاح حصونهم واحداً تلو الآخر.

وكان أول ما سقط من حصونهم ناعم والصعب بمنطقة النطاة وأبي النزار بمنطقة الشق ، وكانت هاتان المنطقتان في الشمال الشرقي من خيبر ، ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة ، وهو حصن ابن أبي الحقيق ، ثم اسقطوا حصني منطقة الوطيح والسلالم.

وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون ، منها حصن ناعم الذي استشهد تحته محمود بن مسلمة الأنصاري ، حيث ألقى عليه مرحب رحى من أعلى الحصن ، والذي استغرق فتحه عشرة أيام ، فقد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق ، ولم يفتح الله عليه ، وعندما جهد الناس ، قال رسول الله إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله و رسوله ، ولا يرجع حتى يفتح له ، فطابت نفوس المسلمين ، فلما صلى الفجر في اليوم التالي دفع اللواء إلى علي ، ففتح الله على يديه.

وكان علي يشتكي من رمد في عينيه عندما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرئ.

ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم ، وقال له : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وعندما سأله علي : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس ؟ قال : ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

وعند حصار المسلمين لهذا الحصن برز لهم سيده وبطلهم مرحب ، وكان سبباً في استشهاد عامر بن الأكوع ، ثم بارزه علي فقتله ، مما أثر سلبياً في معنويات اليهود ومن ثم هزيمتهم.

وقد أبلى علي بلاء حسناً في هذه الحرب. ومن دلائل ذلك : روى ابن إسحاق من حديث أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن علياً عندما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ.

قال الراوي – أبو رافع : فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه.

وروى البيهقي من طريقين مرفوعين إلى جابر رضي الله عنه قصة علي والباب ويوم خيبر. ففي الطريق الأول أن عليا رضي الله عنه حمل الباب حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها ، ولم يستطع أربعون رجلاً أن يحملوا هذا الباب. وفي الطريق الثانية أنه اجتمع عليه سبعون رجلاً ، فأعادوه إلى مكانه بعد أن أجهدهم.

وتوجه المسلمون إلى حصن الصعب بن معاذ بعد فتح حصن ناعم ، وأبلى حامل رايتهم الحباب بن المنذر بلاء حسناً حتى افتتحوه بعد ثلاثة أيام ، ووجدوا فيه الكثير من الطعام والمتاع ، يوم كانوا في ضائقة من قلة الطعام ، ثم توجهوا بعده إلى حصن قلعة الزبير الذي اجتمع فيه الفارون من حصن ناعم والصعب وبقية ما فتح من حصون يهود – فحاصروه وقطعوا عنه مجرى الماء الذي يغذيه ، فاضطروهم إلى النزول للقتال ، فهزموهم بعد ثلاثة أيام ، وبذلك تمت السيطرة على آخر صحون منطقة النطاة التي كان فيها أشد اليهود.

ثم توجهوا إلى حصون الشق ، وبدأوا بحصن أبيّ ، فاقتحموه ، وأفلت بعض مقاتلته إلى حصن نزار ، وتوجه إليهم المسلمون فحاصروهم ثم افتتحوا الحصن ، وفر بقية أهل الشق من حصونهم وتجمعوا في حصن القَمُوص المنيع وحصن الوطيح وحصن السلالم ، فحاصرهم المسلمون لمدة أربعة عشر يوماً حتى طلبوا الصلح.

نتائج الغزوة :

وهكذا فتحت خيبر عنوة ، استناداً إلى النظر في مجريات الأحداث التي سقناها ، وما روى البخاري ، ومسلم وأبو داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر وافتتحها عنوة.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فقبل ذلك منهم. فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وقتل من اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعون رجلاً. وسبيت النساء والذراري ، منهن صفيه بنت حيي بن أخطب ، التي اشتراها الرسول صلى الله عليه وسلم من دحية حيث وقعت في سهمه فأعتقها وتزوجها. وقد دخل عليها في طريق العودة إلى المدينة ، وتطوع لحراسته في تلك الليلة أبو أيوب الأنصاري.

واستشهد من المسلمين عشرون رجلاً فيما ذكر ابن إسحاق وخمسة عشر فيما ذكر الواقدي.

وممن استشهد من المسلمين راعي غنم أسود كان أجيراً لرجل من يهود. وخلاصة قصته أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم يرعاها لبعض يهود خيبر ، فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم ، ثم استفتاه في أمر الغنم ، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضرب وجوهها ، فسترجع إلى أصحابها ، فأخذ الراعي حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها ، فرجعت إلى أصحابها ، وتقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجي بشملة ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه ، وعندما سئل عن إعراضه قال:(إن معه الآن زوجتيه من الحور العين).

واستشهد أعرابي له قصة دلت على وجود نماذج فريدة من المجاهدين. وخلاصة قصته أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وطلب أن يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما كانت غزوة خيبر – وقيل حنين – غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج له سهمه ، وكان غائباً حين القسمة ويرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوا إليه سهمه ، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما هذا يا محمد؟ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قسم قسمته لك). قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا ، وأشار إلى حلقه بسهم ، فأدخل الجنة ، قال : (إن تصدق الله يصدقك) ، ولم يلبث قليلاً حتى جيء به وقد أصابه سهم حيث أشار ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) ، فكفنه الرسول صلى الله عليه وسلم في جبة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفنه.


وبعد الفراغ من هذه الغزوة حاول اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم. فقد أهدته امرأة منهم شاة مشوية مسمومة ، وأكثرت السم في ذراع الشاة عندما عرفت أنه يحبه ، فلما أكل من الذراع أخبرته الذراع أنه مسموم فلفظ اللقمة ، واستجوب المرأة ، فاعترفت بجريمتها ، فلم يعاقبها في حينها ، ولكنه قتلها عندما مات بشر بن البراء بن معرور من أثر السم الذي ابتلعه مع الطعام عندما أكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتم الصلح في النهاية بين الطرفين وفق الأمور الآتية :

- بالنسبة للأراضي والنخيل – أي الأموال الثابتة : دفعها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يعملوا عليها ولهم شطر ما يخرج منها.
- أن ينفقوا من أموالهم على خدمة الأرض.
- أما بالنسبة لوضعهم القانوني فقد تم الاتفاق على أن بقاءهم بخيبر مرهون بمشيئة المسلمين ، فمتى شاؤوا أخرجوهم منها.

وقد أخرجهم عمر بن الخطاب إلى تيماء وأريحاء ، استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وتكرر منهم الاعتداء على المسلمين. ففي المرة الأولى اتهمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل عبد الله بن سهل ، فأنكروا فلم يعاقبهم ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. وفي هذه المرة الثانية أكدت الأولى – كما أشار عمر – أنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر ، وفدعوا يديه.

- واتفقوا على إيفاد مبعوث من قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر ليخرص ويقبض حصة المسلمين.

أما بالنسبة للأموال المنقولة ، فقد صالحوه على أن له الذهب والفضة والسلاح والدروع ، لهم ما حملت ركائبهم على ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً ، فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكاً لحيي بن أخطب ، وقد كان قتل في غزوة خيبر ، وكان قد احتمله معه يوم بني النظير حين أجليت.

وعندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سعية – عم حيي – عن المسك ، قال : (أذهبته الحروب والنفقات) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (العهد قريب المال أكثر من ذلك) ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ، فاعترف بأنه رأى حيياً يطوف في خربة ها هنا ، فوجدوا المسك فيها ، فقتل لذلك ابني أبي الحقيق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقتل محمد بن مسلمة ابن عم كنانة هذا الذي دل على المال ، قتله بأخيه محمود بن مسلمة.

وبالنسبة للطعام فقد كان الرجل يأخذ حاجته منه دون أن يقسم بين المسلمين أو يخرج منه الخمس ما دام قليلاً ، وكانت غنائم خيبر خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين ، كما في قوله تعالى : ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، فسيقولون بل تحسدوننا ، بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً ).

ولم يغب عن فتح خيبر من أصحاب بيعة الرضوان أحد سوى جابر بن عبد الله ، ومع ذلك أعطي سهماً مثل من حضر الغزوة – غزوة الحديبية.

وأعطى أهل السفينة من مهاجرة الحبشة الذين عادوا منها إلى المدينة ، ووصلوا خيبر بعد الفتح ، أعطاهم من الغنائم. وكانوا ثلاثة وخمسين رجلاً وامرأة بقيادة جعفر بن أبي طالب. وتقول الرواية : إنه لم يقسم لأحد لم يشهد الفتح سواهم. وهم الذين فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بقدومهم ، وقبل جعفر بين عينيه والتزمه ، وقال : (ما أدري بأيهما أنا أسر ، بفتح خيبر أو بقدوم جعفر).

وربما يرجع سبب استثنائهم إلى أنهم حبسهم العذر عن شهود بيعة الحديبية ، ولعله استرضى أصحاب الحق من الغانمين في الإسهام لهم ، ولعله رأى ما كانوا عليه من الصدق وما عانوه في الغربة ، وهم أصحاب الهجرتين.

وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وبعض الدوسيين من الغنائم برضاء الغانمين ، حيث قدموا عليه بعد فتح خيبر.

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء مسلمات فأعطاهن من الفيء ولم يضرب لهن بسهم.

وكذلك أعطى من شهدها من العبيد ، فقد أعطى عميرًا ، مولى أبي اللحم ، شيئاً من الأثاث.

وأوصى صلى الله عليه وسلم من مال خيبر لنفر من الداريين ، سماهم ابن إسحاق.

وكان كفار قريش يتحسسون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر ، ويسألون الركبان عن نتيجة المعركة ، وقد فرحوا عندما خدعهم الحجاج بن علاط السلمي وقال لهم : إن المسلمين قد هزموا شر هزيمة وإن اليهود أسرت محمداً ، وستأتي به ليقتل بين ظهراني أهل مكة ثأراً لمن كان أصيب من رجالهم ، وما لبثوا قليلا حتى علموا بأن الأمر خدعة من الحجاج بن علاط ليحرز ماله الذي بمكة ويهاجر مسلماً. فحزنوا لتلك النتيجة التي كانوا يراهنون على عكسها.

وبعد الفراغ من أمر خيبر توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وحاصرهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم ، فبرز له الزبير فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، ثم قاتلهم حتى أمسوا ، وفي الصباح استسلموا ، ففتحت عنوة. وأقام فيها ثلاثة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها.

فلما بلغ يهود تيماء ما حدث لأهل فدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم. فلما كان عهد عمر أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام.

وثبت في الصحيح أن مدعماً – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصابه سهم فقتله وذلك حين كان يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصلوا وادي القرى ، فقال الناس : هنيئاً له بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه ناراً . فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شراك أو شراكان من نار).

بعض فقه وحكم ودروس غزوة خيبر :

1- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلول : وأن من يموت وهو غال يدخل النار. وقد جاء ذلك في خبر الرجل الذي قال عنه الصحابة إنه شهيد ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (كلا ! إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة …) وخبر مدعم مع الشملة.

2- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية.

3- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم البغال.

4- النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخلب من الطير.

5- النهي عن وطء الحبالي من السبايا حتى يضعن.

6- النهي عن ركوب الجلالة والنهي عن أكل لحمها وشرب لبنها.

7- النهي عن النهبة من الغنيمة قبل قسمتها.

8- وأجرى الله على نبيه بعض المعجزات دليلاً على نبوته وعبرة لمن يعتبر ، فإضافة إلى ما ذكرنا من قصة بصقه على عيني علي فصحتا ، وإخبار ذراع الشاة المسمومة إياه بأنها مسمومة ، فقد ثبت أنه نفت ثلاث نفثات في موضع ضربة أصابت ركبة سلمة بن الأكوع يوم خيبر ، فما اشتكى بعدها.

9- وفي خبر الإسهام لأهل السفينة أنه إذا لحق مدد الجيش بعد انقضاء الحرب ، فلا سهم لهم إلا بإذن الجيش ورضاه.

10- جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من تمر أو زروع ، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك ، وهو من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة ، فمن أباح المضاربة ، وحرم ذلك ، فقد فرق بين متماثلين.

11- عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من مالهم.

12- خرص الثمار على رؤوس النخيل وقسمتها كذلك ، وأن القسمة ليست بيعاً ، والاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد.

13- جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء.

14- جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يغيبوا ولا يكتموا ، كما في قصة مسك حيي.

15- الأخذ في الأحكام بالقرائن والإمارات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : (المال كثير والعهد قريب) ، فاستدل بذلك على كذبه في قوله : (أذهبته الحروب والنفقة).

16- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغنى عنهم ، وقد أجلاهم عمر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

17- لم يكن عدم أخذ الجزية من يهود خيبر لأنهم ليسوا أهل ذمة ، بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد.

18- سريان نقض العهد في حق النساء والذرية ، وجعل حكم الساكت والمقر حكم الناقض والمحارب كما في حالة كنانة وابني ابن الحقيق ، على أن يكون الناقضون طائفة لهم شوكة ومنعة ، أم إذا كان الناقض واحداً من طائفة لم يوافقه بقيتهم ، فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده.

19- جواز عتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ، ولا لفظ نكاح ولا تزويج ، كما فعل صلى الله عليه وسلم بصفية.

20- جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين والمشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك بالكذب.

21- إن من قتل غيره بسم يقتل مثله قصاصاً ، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء.

22- جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم وقبول هديتهم ، كما في حادثة الشاة المسمومة.

23- الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة إن شاء قسمها وإن شاء وقفها وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ، ولم يقسم مكة ، وقسم شطراً من خيبر وترك شطرها الآخر.

طليفيح
19-08-2006, 11:34 AM
المــــوضوع صـــلح الحـــديبية (1)


المبحث الأول: أحداث الحديبية:

خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأداء العمرة في يوم الاثنين هلال ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية .

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخشى أن تعرض له قريش بحرب أو يصدوه عن البيت الحرام ، لذلك استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ، فأبطؤوا عليه ، فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار وبمن لحق به من العرب.

وقد كشف القرآن عن حقيقة نوايا الأعراب، فقال: { سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا. يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أردا بكم نفعاً ، بل كان الله بما تعملون خبيراً. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا).

وقد ذكر مجاهد أن الأعراب الذي عنتهم الآية هم أعراب جهينة ومزينة ، وذكر الواقدي أن الأعراب الذي تشاغلوا بأموالهم وأولادهم وذراريهم هو بنو بكر ومزينة وجهينة.

ويفهم من رواية البخاري أن المسلمين كانوا يحملون أسلحتهم استعداد للدفاع عن أنفسهم في حالة الاعتداء عليهم.

لقد اتفق خمسة من الذين كانوا في هذه الغزوة على أن عدد من خرج فيها كانوا ألفا وأربعمائة رجل.

ولقد صلى المسلمون وأحرموا بالعمرة عندما وصلوا إلى ذي الحليفة ، وقلد الرسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره ، وعددها سبعون بدنة. وبعث بين يديه بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي عينا له إلى قريش ليأتيه بخبرهم.

وعندما وصل المسلمون الروحاء جاءه نبأ عدو بضيقة ، فأرسل إليهم طائفة من أصحابه ، فيهم أبو قتادة الأنصاري ، ولم يكن محرماً ، فرأى حماراً وحشياً ، فحمل عليه فطعنه ، ورفض أصحابه أن يعينوه عليه ، ولكنهم أكلوا منه وهم حرم ، ثم شكوا في حل ذلك ، فعندما التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في السقيا ، استفتوه في الأمر ، فأذن لأصحابه بأكل ما جاؤوه به من بقية اللحم ما داموا لم يعينوا على صيده.

وعندما وصلوا عسفان جاءهم بسر بن سفيان الكعبي بخبر قريش فقال: ( يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور ، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبداً ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا كراع الغميم). فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أن يغيروا على ديار الذين ناصروا قريشاً واجتمعوا معها ليدعوا قريشاً ويعودوا للدفاع عن ديارهم ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ( يا رسول الله ، خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد ، فتوجه له ، فمن صدنا عنه قاتلناه). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( امضوا على اسم الله).

وعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بقرب خيل المشركين منهم صلى بأصحابه صلاة الخوف بعسفان.

ولتفادي الاشتباك مع المشركين ، سلك الرسول صلى الله عليه وسلم طريقاً وعرة عبر ثنية المرار ، وهي مهبط الحديبية ، وقال عندما وصلها : (من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل) ، فكان أول من صعدها خيل بني الخزرج ، ثم تتام الناس.

وعندما أحس بتغيير المسلمين خط سيرهم رجع إلى مكة ، وخرجت قريش للقاء المسلمين ، فعسكرت ببلدح ، وسبقوا المسلمين إلى الماء هنا.

وعندما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديبية بركت ناقته القصواء ، فقال الصحابة رضي الله عنهم : (خلأت القصواء) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل). ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)، ثم زجرها فوثبت، ثم عدل عن دخول مكة وسار حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد – بئر – قليل الماء، ما لبثوا أن نزحوه ثم اشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فجاش لهم بالري فارتووا جميعاً ، وفي رواية أنه جلس على شقة البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر. ويمكن الجمع بأن يكون الأمران معا وقعاً ، كما ذكر ابن حجر. ويؤيده ما ذكره الواقدي وعروة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهماً من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت.

ولخصائص قريش ومكانتها بين العرب ، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إسلامهم ، وتحسر على عنادهم وخسارة أرواحها في الحروب مع المسلمين ، فها هو يعبر عن هذه الحسرة بقوله : ( يا ويح قريش ، أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ، فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهو وافرون ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فماذا تظن قريش ، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة …).

بذل الرسول صلى الله عليه وسلم ما في وسعه لإفهام قريش أنه لا يريد حرباً معهم، وإنما يريد زيارة البيت الحرام وتعظيمه، وهو حق المسلمين، كما هو حق لغيرهم، وعندما تأكدت قريش من ذلك أرسلت إليه من يفاوضه ويتعرف على قوة المسلمين ومدة عزمهم على القتال إذا ألجئوا إليه، وطمعاً في صد المسلمين عن البيت بالطرق السليمة من جهة ثالثة.

فأتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، وبينوا أن قريشاً تعتزم صد المسلمين عن دخول مكة، فأوضح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب مجيئه وذكر لهم الضرر الذي وقع على قريش من استمرار الحرب، واقترح عليهم أن تكون بينهم هدنة إلى وقت معلوم حتى يتضح لهم الأمر، وإن أبوا فلا مناص من الحرب ولو كان في ذلك هلاكه، فنقلوا ذلك إلى قريش، وقالوا لهم: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، إن محمداً لم يأت لقتال وإنما جاء زائراً هذا البيت، فاتهموهم وخاطبوهم بما يكرهون، وقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فلا والله ولا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تتحدث بذلك العرب.

وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤكد هدفه من هذه الزيارة ويشهد على ذلك كل العرب،لذا أرسل إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي على جمله( الثعلب) ولكنهم عقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله ، فمنعته الأحابيش ، لأنهم من قومه.

ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال عمر : (يا رسول الله ، إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان).

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إليهم. فنزل عثمان في حماية وجوار أبان بن سعيد بن العاص الأموي حتى أدى رسالته ، وأذنوا له بالطواف بالبيت ، فقال : (ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم) واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل. ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت شجر سمرة ، فبايعوه جميعاً على الموت ، سوى الجد بن قيس ، وذلك لنفاقه.و في رواية أن البيعة كانت على الصبر ، وفي رواية على عدم الفرار ، ولا تعارض في ذلك لأن المبايعة على الموت تعنى الصبر عند اللقاء وعدم الفرار.

وكان أول من بايعه على ذلك أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي ، فخرج الناس بعده يبايعون على بيعته ، فأثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أنتم خير أهل الأرض) ، وقال : ( لا يدخل النار إن شاء الله ، من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها).

وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يده اليمنى ، وقال (هذه يد عثمان) ، فضرب بها على يده اليسرى ، وقال : (هذه لعثمان). فنال عثمان بذلك فضل البيعة.
وقبل أن تتطور الأمور عاد عثمان رضي الله عنه بعد البيعة مباشرة.

وعرفت هذه البيعة بـ (بيعة الرضوان) ، لأن الله تعالى أخبر بأنه رضي عن أصحابها ، في قوله : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}.

أرسلت قريش عدداً من السفراء للتفاوض مع المسلمين ، بعد سفارة بديل بن ورقاء. فقد أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي ، وقبل أن يتحرك خشي أن يناله من التعنيف وسوء المقالة ما نال من سبقه ، فبين لهم موقفه منهم ، وأقروا له بأنه غير متهم عندهم ، وذكر لهم أن الذي عرضه عليهم محمد هو خطة رشد. ودعاهم إلى قبولها، فوافقوا على رأيه.

وعندما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال له ما قال لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى ، فإني والله لا أرى وجوهاً وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ … وكان كلما تكلم كلمة أخذ بلحية الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس البني صلى الله عليه وسلم ومعه السيف ، فيضربه بنعل السيف ويقول : أخّر عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم … ولحظ عروة تعظيم الصحابة للرسول صلى الله عليه سلم وحبهم له وتفانيهم في طاعته ، فلما رجع إلى قريش ، قال لهم : (أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً).

ثم بعثوا الحليس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه) ، فلما رأى الحليس الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، رجع إلى قريش قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك إعظاماً لما رأى ، وقال لقريش : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت ، فقالوا : اجلس ، إنما أنت أعرابي لا علم لك. فغضب وقال : يا معشر قريش ، والله ما على هذا حالفناكم ، أيصد عن بيت الله من جاءه معظما له !! والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد، قالوا : مه ، كف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هذا مكرز وهو رجل فاجر) … فجعل يكلم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو رسولاً من قبل قريش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم متفائلاً : ( لقد سهل لكم أمركم). وقال : ( قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل) ، وكانت قريش قد قالت لسهيل بن عمرو : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح.

طليفيح
19-08-2006, 11:35 AM
صـــلح الحـــديبية (2)


وعندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إملاء شروط الصلح على علي بن أبي طالب ، كاتب الصحيفة ، اعترض سهيل على كتابة كلمة (الرحمن) في البسملة ، وأراد بدلاً عنها أن يكتب (باسمك اللهم) ، لأنها عبارة الجاهليين ، ورفض المسلمون ذلك ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق على اعتراض سهيل. ثم اعترض سهيل على عبارة (محمد رسول الله) ، وأراد بدلاً عنها عبارة : ( محمد بن عبد الله) ، فوافقه أيضاً على هذا الاعتراض.

وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به) اعترض سهيل قائلاً : لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة قهراً ولكن ذلك في العام المقبل ، فنخرج عنك فتدخلها بأصحابك فأقمت فيها ثلاثاً معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب . فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط .

ثم قال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله ! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟! فبينما هو كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا لم نقض الكتاب بعد) ، فقال سهيل : والله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً.

وألح الرسول صلى الله عليه وسلم على سهيل أن يستثني أبا جندل ، فرفض على الرغم من موافقة مكرز على طلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم بداً من إمضاء ذلك لسهيل.

ثم بعد هذا تم الاتفاق على بقية الشروط وهي : ( على وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وأن بينهم عيبة مكفوفة ، فلا إسلال - سرقة - ولا إغلال – خيانة- ، وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ). فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن مع عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم.

لقد تبرم كثير من الصحابة من معظم هذه الشروط. ومن الأدلة على ذلك أن علياً اعتذر عن محو كلمة ( رسول الله) التي اعترض عليها سهيل بن عمرو ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرني مكانها) ، فأراه مكانها فمحاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتب على مكانها (ابن عبد الله). وغضبوا لشرط رد المسلمين الفارين من قريش إلى المسلمين ، فقالوا : ( يا رسول الله ، نكتب هذا؟ ) قال : ( نعم إنه من ذهب إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً).

ويحكي عمر بن الخطاب مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضباً عند كتابة ذلك الصلح ، قال : ( فأتيت نبي الله ، فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال : بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى ، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال: بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : قلت : لا . قال: فإنك آتيه ومطوف به). وأتى عمر أبا بكر وقال له مثل ما قال للرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو بكر : إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق ، وقال عمر : ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيراً ) ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل القرآن مبشراً بالفتح.

وعندما كان أبو جندل يستنجد بالمسلمين قائلاً : يا معشر المسلمين ، أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا أبا جندل ، اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجاً) ، كان عمر يمشي بجنب أبي جندل يغريه بأبيه ويقرب إليه سيفه ، لكن أبا جندل لم يفعل ، فأعيد إلى المشركين ، وذلك لحكمة تجلت للناس فيما بعد ، يوم كان أبو جندل وأصحابه سبباً في إلغاء شرط رد المسلمين إلى الكفار ، وفي إسلام سهيل وموقفه يوم كاد أهل مكة أن يرتدوا عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم فثبتهم على الإسلام بكلام بليغ.

وقال سهل بن حنيف يوم صفين : (اتهموا رأيكم ، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته).

وعندما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينحروا الهدي ويحلقوا رؤوسهم ، لم يقم منهم أحد إلى ذلك ، فكرر الأمر ثلاث مرات ، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها وحكى لها ما حدث من المسلمين ، فأشارت إليه بأن يبدأ هو بما يريد ، ففعل ، فقاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غماً ، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم لمن حلق منهم ثلاثاً ولمن قصر لمرة واحدة. وكان عدد ما نحروه سبعين بدنة ، كل بدنة عن سبعة أشخاص.

وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جملاً لأبي جهل من غنائم بدر ، نحره ليغيظ بذلك المشركين . ونحروا بعض الهدي في الحديبية في الحل والبعض الآخر نحره ناجية بن جندب داخل منطقة الحرم.

ولا شك أن هذا التصرف من عمر وغيره من المسلمين ما هو إلا اجتهاد منهم ورغبة في إذلال المشركين.

ولم تتوقف قريش عن التحرش بالمسلمين واستفزازهم خلال مفاوضات كتابة الصلح وبعد كتابته ، وقد تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بانضباط شديد إزاء هذه الأفعال. فعندما حاول ثمانون من رجال مكة مهاجمة معسكر المسلمين في غرة ، أسرهم المسلمين وعفا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكرر المحاولة ثلاثون آخرون من قريش أثناء إبرام الصلح ، فأسروا ، وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا سراحهم.

وبعد إبرام الصلح حاول سبعون من المشركين استفزاز المسلمين، فأسروهم وقبض سلمة بن الأكوع على أربعة من المشركين أساءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد إبرام الصلح ، فعفا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد نزلت في ذلك الآية { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}.

ثم رجع المسلمون إلى المدينة بعد أن غابوا عنها شهراً ونصف الشهر ، منها بضعة عشر يوماً ، ويقال عشرين يوماً ، مكثوها بالحديبية.

وفي طريق العودة تكررت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام والماء ، مثلما حدث في طعام جابر يوم الخندق ، وتكثير ماء بئر الحديبية ، فقد ذكر سلمة بن الأكوع أنهم عندما أصابهم الجوع وكادوا أن يذبحوا رواحلهم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بأزواد الجيش ، فلم يتجاوز ربضة العنز ، وهم أربع عشرة مائة ، فأكلوا حتى شبعوا جميعاً وحشوا جربهم ، ثم جيء له بأداوة وضوء فيها نطفة ماء فأفرغها في قدح ، فتوضأ منها كل الجيش.

ونزلت سورة الفتح ، وهم في طريق العودة : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} وقال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس). وقال عمر متعجباً: أو فتح هو ؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نعم) ، فطابت نفسه ورجع ، وفي رواية : ( نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح) وفرح المسلمون بذلك فرحاً غامراً ، وانجلت تلك السحابة من الغم ، وأدركوا قصورهم عن إدراك كل الأسباب والنتائج ، وأن الخير في التسليم لأمر الله ورسوله.

وعندما جاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة لم يردها إلى أهلها عندما طلبوها لما أنزل الله في النساء { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن … ولا هم يحلون لهن) فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا يختبرهن ، فإن كن خرجن بسبب الإسلام استبقاهن مع دفع مهورهن لأزواجهن ، وكان قبل الصلح لا يعيد إليهم مهور الزوجات.

وهذه الآية الواردة في عدم رد المهاجرات المسلمات إلى الكفار هي التي استثنت من شرط الرد وحرمت المسلمات على المشركين { ولا تمسكوا بعصم الكوافر}.

طليفيح
19-08-2006, 11:37 AM
صـــلح الحـــديبية (3)


المبحث الثاني : فقه وحكم ودروس في صلح الحديبية:

1- عندما وجد سبب مانع من أداء المسلمين لعمرتهم التي أحرموا لها تحللوا ، وبذلك شرع التحلل للمعتمر وأنه لا يلزمه القضاء.

2- أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه وهو محرم ، لأذى أصابه ، على أن يذبح شاة فدية أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين ونزلت الأية { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}.

3- إذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالصلاة في منازلهم عندما نزل المطر.

4- وقعت تطبيقات عملية لمبدأ الشورى في الإسلام ، حيث استشارهم في الإغارة على ذراري المشركين الذين يساندون قريشاً ، واستشار أم سلمة في أمر الناس عندما أبطؤوا في التحلل ، وأخذ برأيها.

5- ويستنتج من مدة الصلح أن الحد الأعلى لمهادنة الكفار عشر سنين ، لأن أصل العلاقة معهم الحرب وليس الهدنة.

6- جواز مصالحة الكفار على رد من جاء من قبلهم مسلماً.

7- استحباب التفاؤل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( سهل أمركم) وذلك عندما قدم عليهم سهيل بن عمرو مفاوضاً.

8- كفر من يقول : ( مطرنا بنوء كذا وكذا) والصواب أن يقول : ( مطرنا بفضل الله ورحمته ). قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة عندما صلى بهم الصبح إثر مطر هطل ليلاً.

9- جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم مثل التوضؤ بماء وضؤئه صلى الله عليه وسلم ، وهو خاص به خلافاً لآثار الصالحين من أمته.

10- السنة لمن نام عن صلاته أو نسيها أن يصليها وإن خرج وقتها ، وذلك لأن المسلمين ناموا عن صلاة الفجر وهم في طريق عودتهم من الحديبية ولم يوقظهم إلا حر الشمس ، ونام حارسهم بلال ، فصلوها حين استيقظوا.

11- في الصلح اعتراف من قريش بكيان المسلمين لأول مرة ، فعاملتهم معاملة الند للند.

12- ذهاب هيبة قريش ، بدليل مبادرة خزاعة الانضمام إلى حلف المسلمين دون خشية من قريش كما كان في السابق.

13- أتاح الصلح للمسلمين التفرغ ليهود خيبر خاصة ويهود تيماء وفدك بصفة عامة.

14- أتيح للمسلمين مضاعفة جهودهم لنشر الإسلام ، وفي ذلك قال الزهـري : ( فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضاً ، والتقوا فتفاضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل إلا دخل فيه ، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك) وعلق ابن هشام على هذا قائلاً :(والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة في قول جابر ، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف).

15- جاءت نتائج بعض الشروط في مصالح المسلمين من ذلك أن أبا بصير عندما فر من المشركين ولجأ إلى المسلمين رده الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم عندما طلبوه ، فعدا على حارسيه فقتل أحدهما ، وفر الآخر ، وعاد أبو بصير إلى المدينة ، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم : ( قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويل أمه مِسْعر حرب لو كان له أحد) ، ففهم أبو بصير نية الرسول صلى الله عليه وسلم في رده إلى المشركين ، فلجأ إلى سيف البحر، وفهم المستضعفون المسلمون في مكة إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مسعر حرب ولو كان له أحدا) ، ففروا من مكة ولحقوا بأبي بصير ، وعلى رأسهم أبو جندل. وتكونت منهم عصابة ، أخذت تتعرض لقوافل قريش ، فأرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تناشده أن يعطيهم الأمان بالمدينة ، فأرسل إليهم ، وهم بناحية العيص ، فجاؤوا ، وكانوا قريبا من الستين أو السبعين رجلاً.

16- في قصة أبي بصير وأبي جندل ورفقائهم في العيص ، نموذج يقتدى به في الثبات على العقيدة وبذل الجهد في نصرتها وعدم الاستكانة للطغاة.

طليفيح
19-08-2006, 11:38 AM
غـــزوة بني قـــريظة


وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة ، في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة الهجرية.

وواضح من سير الأحداث أن سبب الغزوة كان نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير لمعرفة نيتهم ، ثم أتبعه بالسعدين وابن رواحة وخوات لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

ولأن هذا النقض وهذه الخيانة قد جاءت في وقت عصيب ، فقد أمر الله تعالى نبيه بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح ، وامتثالاً لأمر الله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة ، وتوكيدا لطلب السرعة أوصاهم قائلاً : ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) كما في رواية البخاري ، أو الظهر كما في رواية مسلم.

وعندما أدركهم الوقت في الطريق ، قال بعضهم : لا نصلى حتى نأتي قريظة ، وقال البعض الآخر : بل نصلى ، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. وهذا اجتهاد منهم في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر : ( … وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين – البخاري ومسلم – باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر ، وبعضهم لم يصلها ، فقيل لمن لم يصلها : لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها : لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر ، وكلاهما جمع لا بأس به …).

خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح ، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء ، فرغبوا أخيرا في الاستسلام ، وقبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم. واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه ، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي ، حتى قبل الله توبته.

وعندما نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس ، لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة ، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ، ثم قال : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ). قال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قضيت بحكم الله تعالى .

ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم ، وكانوا أربعمائة على الأرجح . و لم ينج إلا بعضهم ، وهم ثلاثة ، لأنهم أسلموا ، فأحرزوا أموالهم ، وربما نجا اثنان آخران منهم بحصولهم على الأمان من بعض الصحابة ، أو لما أبدوه من التزام بالعهد أثناء الحصار. وربما نجا آخرون لا يتجاوزن عدد أفراد أسرة واحدة ، إذ يفهم من رواية عند ابن إسحاق وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا القرظي ، فاستحياهم ، منهم عبد الرحمن بن الزبير ، الذي أسلم ، وله صحبة.

وجمعت الأسرى في دار بنت الحارث النجارية ، ودار أسامة بن زيد ، وحفرت لهم الأخاديد في سوق المدينة ، فسيقوا إليها المجموعة تلو الأخرى لتضرب أعناقهم فيها. وقتلت امرأة واحدة منهم ، لقتلها خلاد بن سويد رضي الله عنه، حيث ألقت عليه ، جرحى ، ولم يقتل الغلمان ممن لم يبلغوا سن البلوغ. ثم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وذراريهم بين المسلمين.

مصير بعض سيي بني قريظة :
ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.

وذكر الواقدي في المغازي في شأن بيع سبايا بني قريظة قولين آخرين إضافة إلى ما ذكره ابن إسحاق ، والقولان هما :
1- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا ليبيعهم ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً.
2- اشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما جملة من السبايا … إلخ. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بأن ذلك كله قد حدث.

واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وأسلمت. وقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملك يمينه ، وكان ذلك باختيارها.

أحكام وحكم ودروس وعبر من غزوة بني قريظة :

1- جواز قتل من نقض العهد. ولا زالت الدول تحكم بقتل الخونة الذين يتواطؤون مع الأعداء حتى زماننا هذا.

2- جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم. كما في تحكيم ابن معاذ.

3- مشروعية الاجتهاد في الفروع ، ورفع الحرج إذا وقع الخلاف فيها. فقد اجتهد الصحابة في تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يصلين أحد العصر أو الظهر إلا في بني قريظة) ، ولم يخطئ الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.

4- ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل ، وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه هو جالس ويمثلون قياما طوال جلوسه ، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا ، ثم قال : ( القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء في أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).

5- قال الدكتور البوطي : واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) ، لأن مشروعية إكرام الفضلاء لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته ، بل إن من أبرز صفات الصالحين أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء … (غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدود إذا تجاوزها ، انقلب الأمر محرما ، واشترك في الإثم كل من مقترفة والساكت عليه. فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس ، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل … ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه ، أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس … فالإسلام قد شرح مناهج للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها ، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقر).

طليفيح
19-08-2006, 11:40 AM
غـــزوة الخـــندق (الاحزاب) (1)

تاريخ الغزوة:
وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......................... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا...............................وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا...........................وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً......................على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

طليفيح
19-08-2006, 11:41 AM
غـــزوة الخندق (الاحزاب ) (2)


تاريخ الغزوة:
وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......................... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا...............................وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا...........................وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً......................على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

طليفيح
19-08-2006, 11:42 AM
غـــزوة احــــد (1)


تاريخ الغزوة :
اتفق كتاب السيرة على أنها كانت في شوال من السنة الثالثة الهجرية ، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه. وأشهر الأقوال أنه السبت ، للنصف من شوال.

أسبابها :
لقد كان السبب المباشر لها ، كما أجمع على ذلك أهل السير ، هو أن قريشاً أرادت أن تنتقم لقتلاها في بدر ، وتستعيد مكانتها التي تزعزعت بين العرب بعد هزيمتها في بدر. أما من بين الأسباب الأخرى الهامة التي يمكن استنتاجها من مجريات الأحداث ، فهي أن قريشاً تريد أن تضع حدا لتهديد المسلمين طرق تجارتهم إلى الشام ، والقضاء على المسلمين قبل أن يصبحوا قوة تهدد وجودهم.

عدة المشركين :
خصصت قريش قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين ، وأرباحها ، لتجهيز جيشهم لغزوة أحد ، وجمعت ثلاث آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ، ومعهم مائتا فرس ، وسبعمائة دارع ، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وخرجت معهم مجموعة من النساء لإثارة حماسهم وخوفهم من العار إذا فروا.
وذكر ابن إسحاق أنهن كن ثمانياً ، وقال الواقدي : إنهن كن أربع عشرة ، وقد سمياهن. وقال ابن سعد : إنهن كن خمس عشرة امرأة.

وأري الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ما سيحدث في أحد ، وذكره لأصحابه ، قائلا : ( رأيت في رؤياي أني هززته سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد كأحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت بقرا – والله خير – فإذا هم المؤمنون يوم أحد) وفي رواية أخرى : ( ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة). وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن هزيمته وقتلا سيقعان من أصحابه.

عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء جيش مكة لحرب المسلمين ، شاور أصحابه ، بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لملاقاة العدو خارجها. فقال جماعة من الأنصار: (يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ، فابرز إلى القوم ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، فاذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أمرنا لأمرك تبع) ، فأتى حمزة فقال : (يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا فقالوا : أمرنا لأمرك تبع ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز).

إن ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أن عبدالله بن أبي كان موافقاً لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء داخل المدينة ، فقد روى الطبري عن السدي خلاف ذلك ، وهو أثر إسناده صحيح ورجاله ثقات ولكنه مرسل ، وفيه من يهم ويكثر الخطأ ، ولذلك رجح الباكري رواية ابن إسحاق لصحتها ولإجماع أهل السير على ذلك ، وأن حجة ابن سلول في الرجوع عن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعه.

ومما ذكره أهل السير أن من دوافع الراغبين في الخروج ، إظهار الشجاعة أمام الأعداء والرغبة في المشاركة في الجهاد لما فاتهم من فضل الاشتراك في بدر. أما دوافع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان على رأيه في البقاء داخل المدينة فهو الاستفادة من حصون المدينة وطاقات كل المواطنين مما يرجح فرصة دحر المهاجمين.

وبعد أن حسم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخروج رفعت راية سوداء وثلاثة ألوية : لواء للمهاجرين ، حمله مصعب بن عمير ، وحمله بعد استشهاده علي بن أبي طالب ، ولواء للأوس حمله أسيد بن خضير ، ولواء للخزرج ، حمله الحباب ابن المنذر. وبلغ عدد من سار تحتها ألفاً من المسلمين ومن ظاهرهم ، وكان معهم فرسان ومائة دارع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرتدي درعين.

وعندما تجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد ثنية الوادع رأى كتيبة خشناء ، فقال : ( من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبدالله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع ، وهو رهط عبدالله بن سلام. قال : وقد أسلموا ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال : قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين). وإذا صح هذا الخبر يكون جلاء قينقاع بعد أحد.

وعندما وصل جيش المسلمين الشوط – وهو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن - ، انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين ، بحجة أنه لن يقع قتال المشركين ، ومعترضاً على قرار القتال خارج المدينة ، قائلا : ( أطاع الولدان ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا).

ورأت فرقة من الصحابة قتال هؤلاء المنافقين ، ورأت الفرقة الأخرى عدم ذلك ، فنزلت الآية الكريمة :{ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}. واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام عند انسحابهم ، وأخذ يقول لهم : ( أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ، وقد أشار القرآن إلى هذا الحوار في قوله تعالى :{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والله أعلم بما يكتمون } .
وكادت بنو سلمة – من الخزرج – وبنو حارثة – من الأوس – أن تنخذل مع المنافقين لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين ، وفيهم قال الله عز وجل : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما … } .

طليفيح
19-08-2006, 11:44 AM
غـــزوة احـــد (2)


ورد الرسول صلى الله عليه وسلم في معسكره بالشيخين جماعة من الفتيان لصغر أسنانهم، إذ كانوا في سن الرابعة عشرة أو دون ذلك، منهم: عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وأبو سعيد الخدري ، بلغ عددهم أربعة عشر صبيا ، وقد ذكرهم ابن سيد الناس. وقد ثبت أبن عمر كان منهم، وأجاز منهم رافع بن خديج لما قيل له إنه رام ، وسمرة بن جندب لأنه احتج بأنه أقوى من رافع ويصرعه.

وفي تلك الليلة قام ذكوان بن عبد القيس بحراسة الجيش ، ويقال : كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقه.

وعندما تحرك الجيش في صباح السبت لملاقاة العدو ، مروا بحائط مربع بن قيظي ، وكان أعمى البصر منافقا ، فأخذ يحثو التراب في وجوه المسلمين ، ويقول : ( إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي ، والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر) ، وقد شجه سعد بن زيد قبل هذا النهي.

وفي الطريق إلى ميدان المعركة طلب عمر من أخيه زيد أن يأخذ درعه، فقال له زيد: (إني أريد من الشهادة مثل الذي تريد)، فتركاه جميعا.

وعندما وصل جيش المسلمين إلى جبل أحد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم ظهورهم إلى الجبل ووجوههم إلى المدينة. وانتقى خمسين من الرماة تحت إمرة عبد الله بن جبير ، ووضعهم فوق تل عينين المقابل جبل أحد ، خشية أن يطوق المشركون المسلمين. وأصدر أوامره إليهم قائلاً: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا، حتى أرسل إليكم). وبذلك سيطر المسلمون على المرتفعات وتركوا الوادي لجيش مكة ليواجه أحد ظهره إلى المدينة.

وعند التحام الجيشين نادى أبو عامر – عبد عمرو بن صيفي – قومه من الأوس لينضموا معه للحرب في صفوف المشركين ، ولكنهم أغلظوا له في الرد قائلين له : (فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق) ولم يملك أن قال : (لقد أصاب قومي بعدي شر). وأخذ في قتالهم بالحجارة.

وبدأ القتال بمبارزة بين علي وطلحة بن عثمان ، حامل لواء المشركين ، فقتل علي طلحة. ثم التحم الجيشان واشتد القتال ، واستبسل المسلمون حتى تمكنوا من دحر المشركين إلى معسكرهم ، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في زيادة رفع روحهم المعنوية بأن أخذ سيفا وقال : (من يأخذ مني هذا ؟ ) فبسطوا أيديهم ، كل إنسان منهم يقول : أنا أنا. قال: من يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. فأخذه بحقه. فأخذه ففلق به هام المشركين.

وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أمت ، أمت ، فقد استماتوا تحت هذا الشعار ، وسجل التاريخ استماتة حمزة وبسالته في القتال. فقد تصدى في المبارزة لسباع بن عبدا لعزى فقتله، ولغيره من عتاة المشركين أمثال عثمان بن أبي طلحة، أبي شيبة، أحد حملة لواء المشركين يومذاك. وكان وحشي مولى جبير بن مطعم قد اشترط عليه مولاه أن يعتقه إن هو قتل حمزة ، ثأرا لعمه طعيمة بن عدي ، الذي قتله حمزة يوم بدر ، فمكن لحمزة تحت صخرة ، فلما دنا منه رماه بحربته فقتله غدراً.

وقاتل مصعب بن عمير حتى استشهد ، وأخذ الراية بعده علي ، وصدق المسلمون في اللقاء ، فأوقعوا في المشركين القتل ، وقتلوا أصحاب اللواء ، حتى تركه المشركون وما يدنو منه أحد منهم. وانتصروا عليهم في هذه الجولة الأولى من القتال ، وفي ذلك يقول القرآن الكريم { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه}.

وعندما انهزم المشركون بنسائهم وقد بدت سوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن، قال أصحاب ابن جبير: الغنيمة ، أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصبين من الغنيمة. ثم هرعوا إلى جمع الغنائم.

وكانت هذه فرصة مواتية لابن الوليد ليلتف حول المسلمين ، فيراه المشركون فيعودوا إلى ميدان القتال مرة أخرى ، محيطين بالمسلمين. وارتبك المسلمون إلى الحد الذي لم يقدر أن يميز بعضهم المسلم من الكافر. في هذه اللحظات قتل المسلمون اليمان والد حذيفة، وابنه حذيفة يصرخ فيهم: (أي عباد الله، أبي، ثم قال لهم عندما قتلوه: يغفر الله لكم).

واستشهد من المسلمين خلق كثير ، وغاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن أعينهم ، وشاع أنه قد قتل.

وفر جمع من المسلمين من الميدان. وجلس بعضهم دون قتال ، وتصدى آخرون للمشركين وحرضوا المؤمنين على القتال حتى نالوا الشهادة. ومن هؤلاء: أنس بن النضر الذي كان يتشوق لتعويض ما فاته من فضل بدر. فقال عندما رأى بعض المسلمين قعودًا: (الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد). وعندما انجلت الغمة وجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة ورمية وطعنة، ولم يعرفه أحد إلا أخته الربيع، عرفته ببنانه، وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بعد المعركة ليتفقده، فوجده وبه رمق، فرد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: (أجدني أجد ريح الجنة، وقل لقومي من الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف) ودمعت عيناه. ونزلت فيه وفي أمثاله من المجاهدين الصادقين الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.

وكان الفارون لا يلوون على شيء على الرغم من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالثبات معه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم}. وقد عفا الله عن الذين فروا. قال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم}. وذكر ابن الجوزي أن أحد سببي فرارهم هو سماعهم إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان أول من علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بعد الانتكاسة، هو كعب ابن مالك ، فنادى مبشرا بذلك ، فأسكته الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا ينتبه المشركون له. وتمكن بعض المشركين من الوصول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال: ( من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة ؟ فتقدم واحد تلو الآخر للدفاع عنه حتى استشهد الأنصار السبعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبيه القرشيين: (ما أنصفنا أصحابنا).

وممن قاتل دون الرسول صلى الله عليه وسلم قتالا عظيما سجله التاريخ : طلحة ابن عبيد الله ، حتى شلت يده التي وقي بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وسعد بن أبي وقاص ، الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يناوله السهام ويقول له :( ارم يا سعد فداك أبي وأمي) ولم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك بن أبي وقاص ، كما قال علي رضي الله عنه ، وكما قال هو نفسه، وأبو طلحة الأنصاري ، أمهر الرماة ، والذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مر به أحد بجعبته نبل ، يقول له ، (انثرها لأبي طلحة) وعندما يشرف النبي صلى الله عليه وسلم على القوم له أبو طلحة : (بأبي أنت وأمي ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم ، ونحري دون نحرك) وهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم معجبا به : ( لصوت أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة) ، و أبو دجانة ، الذي كان يحمي الرسول صلى الله عليه وسلم بظهره ، حتى كثر النبل فيه وهو منحن عليه.

وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت طرفها فأخذها قتادة بن النعمان ، فكانت عنده. وأصيب يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما.

وفي هذه الظروف العصيبة اضطرت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية أن تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى جرحها ابن قمئة جرحاً أجوف له غور على عاتقها.

وقاوم الرسول صلى الله عليه وسلم مقاومة شديدة ، فأصيب إصابات كثيرة ، فكسرت رباعيته وشج في وجهه ، وسال دمه ، فجعل يمسحه ويقول : ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الإسلام) فأنزل الله عز وجل { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طمع في إسلامهم: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وفي روايات عند البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه.

وقال صلى الله عليه وسلم عندما فعل به المشركون ذلك: (اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا بنبيه - يشير إلى رباعيته - اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله) وفي رواية : (اشتد غضب الله على من قتله النبي في سبيل الله ، اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت فاطمة ابنته تغسل دماءه وعلي يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة من حصير وأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم.

وقد ظهرت بطولات إيمانية كثير في هذه الغزوة ، ومن ذلك :

- قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال : في الجنة) فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى نال الشهادة.

- وقال عبد الله بن جحش ، قبل المعركة : (أني أقسم أن نلقى العدو فإذا لقينا العدو أن يقتلوني ثم يبقروا بطني ثم يمثلوا بي ، فإذا لقيتك سألتني : فيم هذا ؟ فأقول: فيك) وعندما لقي العدو وفعل بهم ما فعل وجدوه بالحالة التي وصفها.

- وشهد عمرو بن الجموح القتال مع أبنائه الأربعة على الرغم من محاولتهم إثناءه عن الخروج بحجة أن الله يعذره لشدة عرجه ، وطلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوه ما دام راغبا في الشهادة ، ومما قاله للرسول صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قتلت اليوم أأطأ بعرجتي هذه الجنة قال: ( نعم ) ، قال : فوالذي بعثك بالحق لأطأن بها الجنة اليوم إن شاء الله. ثم قاتل حتى نال ما أراد من الشهادة.

- وعلى الرغم من أن الله قد عذر الشيوخ الضعفاء إلا أن اليمان وثابت بن وقش أبيا البقاء مع الذرية في الحصون فلحقا بالميدان طلباً للشهادة، وقد استشهد ثابت على يد الكفار وقتل المسلمون اليمان خطأ، ووداه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ابنه حذيفة تصدق بدية أبيه، مما زاده عند الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً.

- وكان حنظلة بن أبي عامر عروساً ليلة أحد، فعندما سمع النداء عجل بالخروج ولم يغتسل، وقاتل حتى استشهد. وعندما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن صاحبكم لتغسله الملائكة)؛ ولذا عرف بعد ذلك بـ (غسيل الملائكة) أو (الغسيل).

- وقاتل مخيريق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، وكان مثالاً وقدوة حسنة لليهود الذين أسلموا. وحين خرج إلى المعركة قال: (إن أصبت فمالي لمحمد صلى الله عليه وسلم، يصنع فيه ما يشاء) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مخيريق خير يهود).

- وكان أصيرم بني عبدالأشهل عمرو بن أقيش كارها للإسلام حتى كان يوم أحد ، أسلم ولحق المسلمين في أحد ، فقاتل حتى نال الشهادة ، وما صلى لله صلاة واحدة.

- وإن كان قد فات حسان بن ثابت رضي الله عنه شرف الجهاد بالسيف في هذه الغزوة وغيرها، إلا أنه لم يفته شرف الكلمة القوية في تخليد ذكرى بطولات المسلمين في هذه الغزوة وغيرها.

لقد كان حسان من أصحاب الأعذار. فقد ذكر الكلبي أن الجبن لم يكن من عادة حسان، بل كان شجاعا لسناً، فأصابته علة منعته من شهود القتال. وأوضح الواقدي هذه العلة، وهي أن أكحله – عرق في اليد- كان قد قطع، فلم يكن يستطيع الضرب بيد. وهذا يفسر لنا الروايات التي وردت في تخلفه عن القتال، مثل رواية الطبراني التي فيها أنه كان مع الذرية في حصن فارع يوم أحد، فجاء يهودي وأخذ يطل على الحصن، فطلبت صفية بنت عبد المطلب من حسان أن يقوم إليه فيقتله: ما ذاك فيّ لو كان لكنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلته صفية وطلبت من حسان أن يرمي برأسه إلى اليهود أسفل الحصن، فاعتذر أيضاً ، فرمته إليهم ، فتفرقوا لأنهم ظنوا أن بالحصن رجلا محاربين. وذكر البلاذري واليعقوبي كذلك أن القصة كانت يوم أحد، والذي ذكره إسحاق وغيره أنها كانت يوم الخندق.

لم تأت قصة حسان مع صفية بطريق يحتج بها، ومما يجعلنا نقبل رواية الواقدي والكلبي على ما بهما من علل لأننا نعلم أن حسانا كان يهاجي الشعراء في الجاهلية والإسلام، ولم يرمه أحد منهم بجبن، ولو كان مثل حديث الطبراني صحيحا لكان مما يذكر في الشعر ويذم به كما ذم هو غير واحد، وهجاه بالفرار من القتال والجبن، إضافة إلى أن عدم شهود حسان القتال كان لكبر سنه كما ذكر محققا سيرة ابن هشام . وزاد ابن عبد البر ما قيل في تفسير تخلف حسان عن المواقع ، فقال : (ولهجي بذلك ابنه عبد الرحمن ، فإنه كان كثيرا ما يهاجي الشعراء العرب مثل النجاشي وغيره) .

- وممن قاتل يوم أحد، وليس بنية الجهاد في سبيل الله، ولكن بنية حماية الأحساب، فكان من أهل النار : قزمان ، الذي قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له يقول : (إنه لمن أهل النار) ، ولما كان يوم أحد قتل نفسه عندما أثخنته الجراح ، وكان هذا من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودليل على أن النية في الجهاد هي الأساس.

- لقد رافقت بعض النسوة جيش المسلمين ليسقين العطشى، ذكر منهن أم عمارة، وحمنة بنت جحش الأسدية، وأم سليط ، وأم سليم ، وعائشة أم المؤمنين.

وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى.

وقد أرسل الله تعالى جبريل وميكائيل ليقاتلا دفاعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الله قد وعد المؤمنين إن هم صبروا واتقوا وأتوا الأعداء من فورهم فسيمدهم بالملائكة، ولما لم يحصل ذلك منهم فلم يتحقق الوعد، وفي هذا يقول تعالى: { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}.

طليفيح
19-08-2006, 11:45 AM
غــــزوة احـــد (3)


وأنزل الله تعالى النعاس على طائفة المؤمنين الذين اغتموا بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانهم يوم بدر فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد قذف الله في قلوبهم الطمأنينة، التي أعادت لهم بعض نشاطهم ليواصلوا الدفاع عن نبيهم.

وكان أبو طلحة الأنصاري فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفه من يده مراراً فيأخذه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم)، أما طائفة المنافقين، سواء التي انسحبت مع ابن سلول أو فلولهم التي سارت مع المؤمنين فقد قال الله عنهم في الآية نفسها: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ).

لقد حاول المشركون جهد طاقتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله عصمه منهم. فقد روي أن أبيا بن خلف كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بأنه سيقتله يوما ما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا أقتلك إن شاء الله)، فلما كان يوم أحد لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وهو يقـول : أي محمد ، لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة مال منها على فرسه مرارا، ورجع إلى قريش وبه خدش غير كبير، فاحتقن الدم، فقال : ( قتلني والله محمد !) وطمأنة قومه بأن ليس به بأس، فقال لهم ما قال له محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم قال : ( فوالله لو بصق علي لتقلني). فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة. وهذا من علامات ودلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما صمد المسلمون واستماتوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فشل المشركون في محاولات الاختراق إليه، وأعيتهم المجالدة، ولم يملك أبو سفيان إلا أن يتوعد المسلمين بحرب أخرى في العام القادم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ثبت أن أبا سفيان أشرف على المسلمين، وقال: أفي القوم محمد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال: لا تجيبوه ، قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ، قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: والله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، وفي رواية عند أحمد وابن إسحاق قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وعندما انصرف المشركون مكتفين بما نالوه من المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له: ( اخرج آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقو الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم) ، وفعل علي ما أمر به ، فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة ، وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين ، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما به: ( لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعمل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. ونزل قول الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

وعن قصة التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنه، فقد روى موسى بن عقبة أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها.

وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقطرتها وحشياً.

وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم.

وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي في الإمتاع رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون.

أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة التي ذكرها بعض أهل المغازي والسير لها أصل.

وسجلت لبعض النساء المسلمات مواقف إيمانية رائعة في تقبلهن مصابهن في أهليهن وفرحهن بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان. هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) أي صغيرة.

وعندما أقبلت صفية أخت حمزة لتنظر إليه ، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير أن يرجعها حتى لا ترى ما بأخيها من مثلة ، فقالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأ حتسبن ولأصبرن إن شاء الله. وعندما أخبر الزبير النبي صلى الله عليه وسلم بقولها ، أمره بأن يخلي سبيلها ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به فدفن.

وقد روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير لأحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا، ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، فأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. وبعد الدفن، صف الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأثنى على ربه ثم دعا الله أن يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة وأن يقتل الكفرة والمكذبين.

وكان يتمنى أن يمضي شهيدا مع أصحابه الذين استشهدوا يوم أحد، وقد أثنى عليهم عندما سمع عليا يقول لفاطمة: هاك السيف فإنها قد شفتني، فقال له: ( لئن كنت أجدب الضرب بسيفك، لقد أجاد سهل ابن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأقلح والحارث بن الصمة.
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بما نال الشهداء من عظيم الأجر، فقد قال عندما سمع بكاء فاطمة بنت عبدا لله بن عمرو والد جابر: (ولم تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).

ونزل في شهداء أحد قول الله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون). فقد روى مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: (أما أنا قد سألنا ذلك. فقال: أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)؛ ولذا قال العلماء إن حياة الشهداء حياة محققة حسبما جاء في هذا الحديث.

طليفيح
19-08-2006, 11:50 AM
غـــزوة احـــد (4)


أحكام وحكم وعظات وعبر من غزوة أحد:

عقد ابن القيم فصلاً فيما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام الفقهية، ننقلها هنا باختصار لتعميم الفائدة:

1- إن الجهاد يلزم بالشروع فيه، حتى إن استعد له وتأهب للخروج، وليس له أن يرجع عن ذلك حتى يقاتل عدوه.
2- إنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم، ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم، كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.
3- جواز سلوك الإمام بالعسكر في أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقة، وإن لم يرض المالك، كما كان حال مربع بن قيظي مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه.
4- إنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين، بل يردهم إذا خرجوا، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
5- جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن فيما دون القتال مثل السقي والتطبيب.
6- جواز الانغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
7- إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بأصحابه قاعداً، وصلوا وراءه قعدواً، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
8- جواز دعاء الرجل وتمنيه أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، كما فعل عبد الله بن جحش.
9- إن المسلم، إذا قتل نفسه، فهو من أهل النار، كما في حال قزمان.
10- السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يكفن في غير ثيابه، بل يدفن فيها بدمه، إلا أن يسلبها العدو، فيكفن في غيرها. والحكمة في ذلك كما روى الترمذي ( حتى يلقوا ربهم بكلومهم – جروحهم - ، ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم). كما روى ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يدمى جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح مسك).
11- أما الصلاة على الشهيد فقد اختلف فيها العلماء وقد رجح ابن القيم أن الإمام مخير بين الصلاة عليه وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.
وقد خرّج محققا الزاد تلك الآثار وبينا درجتها من الصحة ، ثم قالا : ( ففي هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب ، لأن كثيرا من الصحابة استشهد في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ولو فعل لنقل عنه ، وقد جنح المؤلف [ أي ابن القيم ] رحمه الله في (تهذيب السنن : 4/3295) إليه .
12- السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
13- إن من عذره الله في التخلف عن الجهاد ، لمرض أو عرج (شديد أو شيخوخة) يجوز له الخروج إليه ، وان لم يجب عليه ، كما خرج عمرو بن الجموح ، وهو أعرج ، (واليمان والد حذيفة وثابت بن وقش وهما شيخان كبيران).
14- إن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً، فعلى الإمام دفع ديته من بيت المال ، كما في واقعة قتل اليمان.

وذكر ابن القيم بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في غزوة أحد.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال …) إلى تمام ستين آية من هذه السورة.

نذكر هنا باختصار ما ذكره ابن القيم:
1- تعريف المؤمنين بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن الذي أصابهم هو لذلك السبب ، كما قال تعالى : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازعهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
2- إن حكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة ، خاصة وان هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان : (هل قاتلتموه ؟ قال : نعم. قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى. قال : كذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة).
3- ميزت محنة أحد بين المؤمن والمنافق الذي دخل الإسلام ظاهراً بعد انتصار المسلمين ببدر، وفي ذلك قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون ، فهم عبيده حقاً ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
5- لا يصلح عباده إلا السراء والضراء، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، فهو (سبحانه) إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره ، وهذا ما وقع للمسلمين ببدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وبحنين ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .
6- إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
7- إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركوناً إلى العاجلة ، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والآخرة ، فإذا أراد الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من الابتلاء ما فيه دواء وشفاء لذلك المرض.
8- إن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو وغيره.
9- إن في الابتلاء من الله تمحيص وتكفير لذنوب عباده وفرصة لهم لنيل الشهادة ، قال تعالى : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).
10- إن الأنبياء (عليهم السلام)، إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام تعظيماً لأجرهم تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين ، وهذه سنة الله فيهم.
11- إن اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال مثله كأي فرد من أفراد جيشه دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تميزه عن جنده ومساواة نفسه بهم. وفيه دليل على شجاعته وصبره وتحمله الأذى في سبيل دعوته.

طليفيح
19-08-2006, 11:52 AM
غــــزوة بـــدر (1)


عندما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي سفيان مقبلاً من الشام في تجارة لقريش، ندب المسلمين إليه، وقال لهم : ((هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها)).

وفي رواية عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: ((إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير ، لعل الله يغنمناها ؟ قلنا: نعم. فخرج وخرجنا معه)).

ولم يستنفر الرسول صلى الله عليه وسلم كل الناس، بل طلب أن يخرج معها من كان ظهره حاضراً، ولم يأذن لمن أردا أن يأتي بظهره من علو المدينة، لذا لم يعاتب أحداً تخلف عنها. وكان عددهم ما بين 313 والـ 317 رجلاً، منهم ما بين الـ 82 والـ 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخزرج، معهم فَرَسان وسبعون بعيراً، يتعقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد.

وكان أبو لبابة وعلي بن إبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما جاء دوره في المشي ، قالا له: ((نحن نمشي عنك)). فقال لهما : ((ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)).

وفي الطريق ، عندما بلغوا الروحاء ، رد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأمّره على المدينة ، وسبق ذلك أن جعل عبدالله بن أم مكتوم على الصلاة ، وأصبح مكانه في زمالة الرسول صلى الله عليه وسلم على البعير ، مرثد بن أبي مرثد. ولذلك فلا خلاف بين رواية ابن إسحاق ورواية أحمد.

وعندما علم أبو سفيان بالخطر المحدق بقافلته ، أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنجد بقريش.

وجاء ضمضم مسرعاً إلى مكة ، وعندما دخلها وقف على بعيره ، وقد جدع أنفه ، وحول رحله، وشق قميصه ، وهو يصيح : ((يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة , أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث ، الغوث)).

وخرجت قريش مسرعة لإنقاذ عيرها ورجالها ، ولتلقي بالمسلمين في حرب تراها قاضية على قوة المسلمين التي ظلت تهدد تجارتهم. ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب ، فإنه أرسل مكانه العاص بن هشام ، مقابل دين كان عليه ، مقداره أربعة آلاف درهم. و لم يتخلف من بطون قريش سوى بني عدي.

وبلغ عددهم في بداية مسيرهم نحو ألف وثلثمائة محارب، معهم مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة، بقيادة أبي جهل.

وعندما خشوا أن تغدر بهم بنوبكر لعدواتها معهم ، كادوا أن يرجعوا عماأرادو ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي ، سيد بني كنانة ، وقال لهم : ((أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فخرجوا من ديارهم كما حكى عنهم القرآن (بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله)).

رأت عاتكة بنت عبدالمطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بخبر أبي سفيان بثلاث ليال ، فقالت : رأيت رجلاً أقبل على بعير له فوقف بالأبطح ، فقال : انفروا يا آل بدر لمصارعكم في ثلاث ، فذكرت المنام وفيه : ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل ، فأقبلت تهوي حتى ترضضت فما بقيت دار ولا بنية إلا ودخل فيها بعضها. وفي القصة إنكار العباس على أبي جهل قوله : ((حتى حدثت فيكم هذه النبية)) ، وإرادة العباس أن يشاتمه ، واشتغال أبي جهل عنه بمجيئ ضمضم يستنفر قريشاً لصد المسلمين عن عيرهم ، فتجهزوا وخرجوا إلى بدر ، فصدق الله رؤيا عاتكة.

لقد كان أبو سفيان متيقظاً للخطر المتكرر من جانب المسلمين. ولذا عندما اقترب من بدر لقى مجدي بن عمرو وسأله عن جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، فأفاده مجدي بأنه رأى راكبين أناخا إلى تل، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فبادر أبو سفيان إلى مناخيهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففته ، فعرف منه أنه من علائف المدينة ، فأسرع تاركاً الطريق الرئيس الذي يمر على يسار بدر ، واتجه إلى طريق الساحل غرباً ، ونجا من الخطر. ثم أرسل رسالة أخرى إلى جيش قريش ، وهم بالجحفة ، يخبرهم فيها بنجاته ، ويطلب منهم الرجوع إلى مكة.

وهم جيش مكة بالرجوع ، ولكن أبا جهل رفض ذلك ، قائلا : ((والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم بها ثلاثا ، فننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف لنا القيان ، وتسمع بنا العرب وبميسرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا. فامضوا)).

فأطاعه القوم ما عدا الأخنس بن شريق ، حيث رجع بقومه بني زهرة ، وطالب بن أبي طالب ، لأن قريشاً في حوارها معه ، اتهمت بني هاشم بأن هواهم مع محمد صلى الله عليه وسلم. وساروا حتى نزلوا قريباً من بدر ، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى ، على حدود وادي بدر.

وبلغ خبر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستشار أصحابه. وخشي فريق منهم المواجهة في وقت لم يتوقعوا فيه حربا كبيرة ، ولم يستعدوا لها بكامل عدتهم وعتادهم ، فجادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليقنعوه بوجهة نظرهم. وفيهم نزل قول الله تعالى: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهو ينظرون. وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين)).

وتكلم قادة المهاجرين، وأيدوا الرأي القائل بالسير لملاقاة العدو، منهم أبوبكر وعمر والمقداد بن عمرو.و مما قاله المقداد: (( يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه)). وفي رواية قال : ((لا نقول كما قال قوم موسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك)) ، وسر النبي صلى الله عليه وسلم من قوله.

وبعد سماعه كلام قادة المهاجرين ، قال : ((أشيروا علي أيها الناس)) ، وكان بذلك يريد أن يسمع رأي قادة الأنصار ، لأنهم غالبية جنده ، ولأن نصوص بيعة العقبة الكبرى لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ، وأدرك سعد بن معاذ – حامل لواء الأنصاء – مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنهض قائلا : ((والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل. قال : فقد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول اله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله)).

فسر رسول صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا: فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم)).

وفي الطريق وعند بحرة الوبرة أدركه رجل من المشركين ، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ، أراد أن يحارب معه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) ، ثم عرض له مرة ثانية بالشجرة ، ومرة ثالثة بالبيداء ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله أول مرة ، وأخيراًأقرالإسلام ، فقبله والرسول صلى الله عليه وسلم.

وعندما وصل قريباً من الصفراء ، بعث بسبس بن الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان وعيره.

ويروى أنه خرج هو وأبوبكر لهذا الغرض ، ولقيا شيخا فسألاه عن جيش قريش ، فاشترط عليهما أن يخبراه ممن هما ، فوافقا ، وطلبا منه أن يخبرهما هو أولاً ، فأخبرهما بأنه قد بلغه أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن صدق الذي أخبره فم اليوم بمكان كذا وكذا – للمكان الذي به جيش المسلمين – وإن صدق الذي أخبره بجيش قريش فهم اليوم بمكان كذا – للمكان الذي به جيش قريش.

ولما فرغ من كلامه قال : ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء ، ثم انصرفا عنه، وتركاه يقول : من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟

وفي مساء ذلك اليوم أرسل علياً والزبير وسعداً بن أبي وقاص في نفر من أصحابه لجمع المعلومات عن العدو ، فوجدوا على ماء بدر غلامين يستقيان لجيش مكة ، فأتوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وأخذوا في استجوابهما. فأفادا أنهما سقاة جيش قريش، فلم يصدقوهما ، وكرهوا هذا الجواب ، ظنا منهم أنهما لأبي سفيان ، إذ لا يزال الأمل يحدوهم في الحصول على العير. وضربوهما حتى قالا إنهما لأبي سفيان.

وعندما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته عاتب أصحابه لأنهم يضربونهما إذا صدقا، ويتركونهما إذا كذبا. ثم سألهما الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكان الجيش المكي ، فقال : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.
وعندما سألهما عن عدد جيش مكة وعدته لم يستطيعا تحديد ذلك ، لكنهما حددا عدد الجزور التي تنحر يومياً بأنها ما بين التسعة والعشرة ، فاستنتج الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم بين التسعمائة والألف ، وذكرا له من بالجيش من أشراف مكة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها)). وأشار إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش ، فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأنزل الله تعالى في هذه الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم ، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين. وفي هذا قال تعالى : ((وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم له ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)).

ومن نعمة على المسلمين يوم بدر أيضاً أن غشيهم النعاس أمنة منه ، كما في صدر آية نعمة إنزال المطر : ((إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام)).

روى في ذلك الإمام أحمد بسنده إلى أنس بن مالك أن أبا طلحة ، قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم بدر ، فكنت فيمن غشيه النعاس يومئذ فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه.

وزاد الله المؤمنين فضلاً بان أوقع الخلاف في صفوف عدوهم. فقد روى أحمد أن عتبة بن ربيعة أخذ يثني قومه عن القتال محذرا من مغبته ، لأنه علم أن المسلمين سوف يستميتون، فاتهمه أبو جهل بالخوف. وروى البزار ، أن عتبة قال لقومه يومذاك : إن الأقارب سوف تقتل بعضهم بعضاً ، مما يورث في القلوب مرارة لن تزول، فاتهمه أبو جهل بالخوف ، وليريه شجاعته ، دعا أخاه وابنه وخرج بينهما داعياً إلى المبارزة.

وكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى عتبة على جمل أحمر ، فقال : ((إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا)). وشاء الله أن يعصوه ، وضاع رأيه وسط إثارة أبي جهل الثارات القديمة.

سبق الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين إلى ماء بدر، ليحول بينهم وبين الماء. وهنا أبدى الحباب بن المنذر رأيه قائلاً : ((يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحـرب والمكيدة ؟))قال : (( بل هو الرأي والحرب والمكيدة )) ، قال : ((يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم – قريش – فننزله ونغور – نخرب – ما وراءه من القلب – الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد أشرت بالرأي)). وفعل ما أشار به الحباب بن المنذر.

وعندما استقروا في المكان ، قال سعد بن معاذ مقترحاً : ((يا نبي الله ، ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك)) ، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الاقتراح.

ويفهم من النصوص الواردة في شأن القتال ببدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك في القتال ، ولم يمض كل وقته داخل هذا العريش أو في الدعاء ، كما فهم بعض كتاب السيرة.

فقد روى الإمام أحمد عن علي ، قال : ((لقد رأيتنا في يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا من العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً)) ، وفي موضع آخر بالسند نفسه : ((لما حضر البأس يوم بدر ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من أشد الناس ، ما كان أو لم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه)).

وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر : ((لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)). وقال ابن كثير: ((وقد قاتل بنفسه الكريمة قتالاً شديداً ببدنه ، وكذلك أبوبكر الصديق ، كما كانا في العربش يجاهدان بالدعاء والتضرع ، ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال ، وقاتلا بالأبدان جمعاً بين المقامين الشريفين)).

طليفيح
19-08-2006, 11:53 AM
غـــــزوة بـــدر (2)


بعد أن اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كل الوسائل المادية الممكنة للنصر في حدود الطاقة البشرية ، بات ليلته يتضرع إلى الله تعالى أن ينصره ، ومن دعائه كما جاء في رواية عند مسلم : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلام لا تعبد في الأرض) وتقول الرواية : ( فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبوبكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).

ومما رواه البخاري من دعائه في ذلك اليوم : ( اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم) ، وتقول الرواية : ( فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك ، وهو يثب في الدرع فخرج وهو يقول : (سيهزم الجمع ويولون الدبر).

وروى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة أنه قال : لما نزلت ( سيهزم الجمع ويولون الدبر) ، قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (سيهزم الجمع ويولون الدبر)) فعرفت تأويلها يومئذ.

وفي صباح يوم الجمعة ، السابع عشر من رمضان – السنة الثانية من الهجرة وعندما تراءى الجمعان ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قائلاً : (اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة).

وعندما وقف المسلمون في صفوف القتال ، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في تعديل صفوفهم وفي يده قدح ، فطعن به سواد بن غزية في بطنه ، لأنه كان متنصلا من الصف ، وقال له : ( استو يا سواد ، فقال سواد : يا رسول الله : أوجعتني فأقدني ، فكشف عن بطنه ؟ قال : استقد ، فاعتنقه سواد وقبل بطنه ، فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ، قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدك جلدي). فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.

ثم أخذ في توجيههم في أمر الحرب ، قائلا : إذا أكثبوكم – أي قربوا منكم - فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. وحرضهم على القتال ، قائلا : ( والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ) ، وفي رواية عند مسلم أنه عندما دنا المشركون قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض). عندما سمع ذلك عمير بن الحمام الأنصاري ، قال : يا رسول الله ! أجنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : ( نعم) قال : بخ بخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال : لا ، والله ! يا رسول الله ! إلا رجاءه أن أكون من أهلها. قال : ( فإنك من أهلها ) ، فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن. ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال : فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل.

وقال عوف بن الحارث – بن عفراء - : يا رسول الله ، ما يضحك الرب من عبده ، قال : (غمسه يده في العدو حاسراً ) ، فنزع درعا كانت عليه ، فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل.

وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، قبل بدء المعركة ، ألا يقتلوا نفرا من بني هاشم وغيرهم لأنهم خرجوا مكرهين ، وسمى منهم أبا البختري بن هشام – الذي كان ممن سعى لنقض صحيفة المقاطعة ولم يؤذ النبي صلى الله عليه وسلم – والعباس بن عبدالمطلب. وعندما سمع أبو حذيفة ذلك قال : (أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوننا وعشيرتنا ونترك العباس ، والله لئن لقيته لألحمنه – أو لألجمنه – بالسيف) ، فبلغت مقالته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمر : ( يا أبا حفص ؟ أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالسيف ؟ ) فقال عمر : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه بالسيف ، فوالله لقد نافق). فكان أبو حذيفة يقول : (ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة) ، فقتل يوم اليمامة شهيداً.

وقبل ابتداء القتال خرج الأسود بن عبدالأسد المخزومي ، فقال : ( أعاهد الله لأشربن من حوضهم ، أو لأهدمنه ، أو لأموتن دونه) ، وتصدى له حمزة ، وضربه ضربة أطارت قدمه بنصف ساقه ، ثم حبا إلى الحوض مضرجا بدمائه ليبر قسمه ، واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

المبارزة:

بعد هذا خرج ثلاثة فرسان قريش يطلبون المبارزة وهو عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة والوليد بن عتبة ، فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث – وأمهما عفراء – وعبدالله بن رواحة ، فلم يقبل فرسان قريش بغير بني أعمامهم من المهاجرين ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي أن يبارزوهم. وكان حمزة لعتبة ، وعبيدة للوليد ، وعلي لشيبة. وقتل علي وحمزة صاحبيهما وأعانا عبيدة على قتل الوليد ، واحتملا عبيدة الذي أثخنه الوليد بالجراح. وفي هؤلاء الستة نزل قول الله تعالى : (هذان خصمان اختصموا في ربهم ، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم).
ثم طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي أن يناوله كفا من حصى ، فناوله ذلك ، فرمى به وجه القوم ، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء ، فنزلت الآية الكريمة (وما رميت إذ ميت ولكن الله رمى).

والملائكة تشهد بدراً :

ونزل المسلمون ساحة المعركة بقوة إيمانية كبيرة ، وشدوا على المشركين ، وأخذوا في اقتطاف رؤوسهم، وأمدهم الله بالملائكة لينصرهم على عدوهم ، كما في قوله تعالى : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) الآيات ، و (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) و (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم ، فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب). الآية .

وكما روى من الأحاديث في هذا الشأن. فقد روى مسلم في هذا : ( بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه ، فخر مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة). وروى أحمد أن رجلا من الأنصار قصير القامة جاء بالعباس أسيراً ، فقال العباس : ( يا رسول الله ، إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها ، على فرس أبلق ، ما أراه في القوم) ، فقال الأنصاري : (أنا أسرته يا رسول الله. فقال : (اسكت ، فقد أيدك الله تعالى بملك كريم). وروي الأموي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه ، فقال : ( أبشر أبا بكر ، أتاك نصر الله ، هذا جبريل معتجر بعمامة ، آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع ، أتاك نصر الله وعدته).

ورويت أحاديث في مشاركة الملائكة المسلمين يوم بدر ولم تصرح بالقتال. فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : (هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) ، وقال في رواية أخرى : (جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها – قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة). وروى الحاكم أنه كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء معتجر بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.

لقد أكرم الله عباده المؤمنين يوم بدر ببعض الكرامات. فقد روى أن عكاشة بن محصن قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب ليقاتل به ، فإذا هو في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض الحديدة ، فقاتل به يوم ذاك وفي المعارك الأخرى التي شهدها بعد ذلك ، وآخرها يوم اليمامة – أحد أيام حروب الردة – حين قتل شهيداً.

وعندما رأى إبليس – وكان في صورة سراقة بن مالك – ما تفعل الملائكة والمؤمنين بالمشركين ، فر ناكصاً على عقبيه ، حتى ألقى بنفسه في البحر.

مصرع الطغاة :

أ) أبو جهل : روى البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه قال : ( إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، فما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، فتعجبت لذلك. قال : وغمزني الآخر فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه ، قال : فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، قال : هل مسحتما سيفكما ؟ فقالا : لا . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين ، فقال : كلاكما قتله ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء).

وروى ابن إسحاق ، من حديث معاذ بن الجموح أنه قال : ( سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة – أي الشجرة الكثيرة الأغصان - ، وهم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه ، قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه ، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه … وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل – وهو عقير – معوذ بن عفراء – فضربه حتى ثبته فتركه وبه رمق ، وقاتل معوذ حتى قتل).

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عندما انجلت المعركة : ( من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : أنت أبوجهل ؟ قال : فأخذ بلحيته ، قال : وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه ؟ ) وفي رواية أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل ، وقال : ( كان هذا فرعون هذه الأمة ) . وفي رواية ابن إسحاق إن أبا جهل قال لابن مسعود عندما جثا عليه : (لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم).

ب) أمية بن خلف : تمكن عبد الرحمن بن عوف من أسر أمية ، وعندما رآه بلال معه ، قال : ( رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ) ،وحاول عبد الرحمن أن يثنيه عن عزمه فلم يستطع ، بل استنفر بلال الأنصار فلحقوا به معه وقتلوه على الرغم من أن ابن عوف ألقى عليه نفسه وأمية بارك.
وعندما طرح قتلى المشركين في القليب ، لم يطرح معهم ، لأنه انتفخ في درعه فملأها ، وعندما ذهبوا ليحركوه تفرقت أعضاؤه ، فتركوه في مكانه ، وألقوا عليه ما غيبه من الحجارة والتراب .

ج) العاص بن هشام بن المغيرة : كان العاص بن هشام بن المغيرة خال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولذا حرص عمر على قتله ، فقتله حتى يعلم أن ليس في قلبه ولاء إلا لله وحده.

لقد انجلت معركة بدر عن نصر كبير للمسلمين. إذ قتلوا سبعين من المشركين ، وأسروا سبعين ، ولم يقتل من المسلمين سوى أربعة عشر رجلا ، ستة من قريش وثمانية من الأنصار.

طليفيح
19-08-2006, 11:54 AM
غـــزوة بـــدر (3)


دفن قتلى المشركين في القليب :

روى البخاري ومسلم وأحمد وابن إسحاق وغيرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه ، وقالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركية فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : ( يا فلان ابن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ ) فقال عمر : ( يا رسول الله ، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).

وعندما ألقوا في القليب ، وفيهم عتبة بن ربيعة ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجه ابنه أبي حذيفة ، فإذا هو كئيب قد تغير لونه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ) ، فقال : لا والله يا رسول الله ، ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام ، فلما رأيت ما أصابه ، وذكرت ما مات عليه من الكفر ، بعد الذي كنت أرجو له ، أحزنني ذلك. فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيراً.

وبعد نهاية المعركة وانتصار المسلمين وأخذ الأسرى ، قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : (عليك بالعير ، ليس دونها شيء). فناداه العباس أن ذلك لا يصلح له ، قال : ( ولم ؟ ) قال : لأن الله عز وجل إنما وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك.

الغنائم :
وقع خلاف بين المسلمين حول الغنائم ، لأن حكمها لم يكن قد شرع يومذاك. وقد حكى عبادة بن الصامت ما حدث ، قائلا : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا. فالتقى الناس ، فهزم الله تبارك وتعالى العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم ، يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على المعسكر يحوونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة ، حتى إذا كان الليل ، وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق بها منا ، فنحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : لستم بأحق بها منا ، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة ، واشتغلنا به ، فنزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فُوَاق المسلمين – أي بالتساوي.

ومما يدل على أن الغنائم قد خمست ووزعت على المشاركين فيها ما رواه البخاري عن علي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ.

وقد أسهم الرسول صلى الله عليه وسلم لتسعة من الصحابة لم يشهدوا بدرا لأعمال كلفوا بها في المدينة أو لأعذار مباحة ، منهم عثمان بن عفان ، لأنه كان يمرض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان تقسيم الغنائم في منطقة الصفراء في طريق العودة إلى المدينة وأخذت الأسرى إلى المدينة. وقد أرسل زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ليزفا البشرى إلى أهل المدينة. وقد تلقوا النبأ بسرور بالغ مشوب بالحذر من أن لا يكون مؤكداً ، قال أسامة بن زيد : فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى . ودهشت سودة رضي الله عنها عندما رأت سهيل بن عمرو ويداه معقودتان إلى عنقه بحبل فقالت : أبا يزيد ، أعطيتم بأيديكم ، ألا متم كراما !! ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أعلى الله وعلى رسوله) ؟ !! أي تؤلبين – فقالت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما ملكت حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بالحبل أن قلت ما قلت.

الأسرى :
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في أمر الأسرى. فأشار أبوبكر بأخذ الفدية منهم بحجة أن في ذلك قوة للمسلمين على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم للإسلام. ورأى عمر قتلهم ، لأنهم أئمة الكفر. ومال الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي أبي بكر. فنزل القرآن موافقا لرأي عمر ، وهو قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ، والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) إلى قوله تعالى : {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا}.

وكان أخذ الفداء حلالا في أول الإسلام، ثم جعل فيما بعد الخيار للإمام بين القتل أو الفداء أو المنّ ما عدا الأطفال والنساء ، إذ لا يجوز قتلهم ، ما داموا غير محاربين. قال تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.

وقد تباين فداء الأسرى. فمن كان ذا مال أخذ فداؤه أربعة آلاف درهم. وممن أخذ منه أربعة آلاف درهم أبو وداعة. وأخذوا من العباس مائة أوقية. ومن عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية ، ودفعها عنه العباس ، وأخذوا من آخرين أربعين أوقية فقط.

وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم سراح عمرو بن أبي سفيان مقابل أن يطلقوا سراح سعد بن النعمان بن أكال ، الذي أسره أبو سفيان وهو يعتمر.

ومن لم يكن لديهم مقدرة على الفداء ، وكانوا يعرفون الكتابة ، جعل فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. فقد روى أحمد عن ابن عباس ، قال : ( كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة ، فجاء غلام يوما يبكي إلى أبيه ، فقال : ما شأنك ؟ قال: ضربني معلمي ، قال : الخبيث ! يطلب بذحل بدر ! – أي بالثأر والعداوة - والله لا تأتيه أبدا) .

وكانوا يقبلون من بعض الأسارى ما عندهم إذا تعذر المفروض ، فقد أرسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة لها لتفدي زوجها أبا العاص بن الربيع ، فردوها لها ، وأطلقوا لها أسيرها لمكانتها عند والدها محمد صلى الله عليه وسلم ، وبهذا كان ابن الربيع ممن أطلق بدون فداء ، وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يقدر على الفداء بأي شكل من الأشكال ، منهم : المطلب بن حنطب المخزومي وصيفي بن أبي رفاعة وأبو عزة الشاعر.

ومما يدل على أنه كان بالإمكان إطلاق سراحهم جميعا بدون فداء ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له). وذلك لما قام به من حماية للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عاد من هجرته إلى الطائف ، ودوره في تمزيق صحيفة المقاطعة.

وعندما استأذن رجال من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم في ترك فداء العباس قال : ( والله لا تذرون منه درهما ) وذلك على الرغم من أن العباس ذكر أنه كان مسلما وأنه خرج مستكرها.

وفي طريق العودة إلى المدينة ، قتل النضر بن الحارث بمنطقة الصفراء – قتله علي – وقتل عقبة بن أبي معيط بمنطقة عرق الظبية – قتله عاصم بن ثابت ، ويقال : قتله علي. وذلك لعدواتهما الشديدة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتلك نهاية الجبروت والشجاعة الزائفة. فقد رأينا عقبة ، لصيق قريش ، واليهودي الأصل ، يعود إلى حقيقته عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم مسترحما : ( من للصبية يا رسول الله ؟ فأجابه : النار) .

أما بقية الأسرى فقد استوصى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً ، فقد حكى أبو عزيز – شقيق مصعب بن عمير – وهو بين رهط من آسريه الأنصار – أن آسريه كانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوه بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرى ، حتى ما تقع في يد أحد هم خبزة إلا ناوله إياها ، فيستحي فيردها على أحدهم ، فيردها عليه ما يمسها.

وأسلم كثير من هؤلاء الأسرى على فترات مختلفة قبل فتح مكة وبعدها ، منهم : العباس ، عقيل بن أبي طالب ، نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، خالد بن هشام ، عبد الله بن السائب ، المطلب بن حنطب بن الحارث ، أو وداعة الحارث بن صبيرة ، الحجاج بن الحارث بن قيس ، عبد الله بن أبي خلف ، وهب بن عمير ، سهيل بن عمرو ، عبد بن زمعة ، قيس بين السائب ، نسطاس مولى أمية بن خلف ...

طليفيح
19-08-2006, 11:55 AM
غـــزوة بـــدر (4)


كانت موقعة بدر ذات أثر كبير في إعلاء شأن الإسلام ، ولذا سميت في القرآن بيوم الفرقان. وأوضحت الأحاديث فضل البدريين وعلو مقامهم في الجنة. فقد عقد البخاري بابا في فضل من شهدها. وفيه قصة حارثة بن سراقة الذي أصابه سهم طائش يوم بدر ، وهو غلام ، وجاءت أمه تسأل عن مصيره يوم القيامة ، فبشرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن له جنانا كثيرة وأنه في جنة الفردوس.

وفيه قصة حاطب بن أبي بلتعة الذي أرسل إلى قريش يخبرهم بنية الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، فكشفه الوحي ، وعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال لعمر حين طالب بقتله : ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم). ولما قال عبد من عبيد حاطب : ( يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذبت ، ولا يدخلها ، فإنه شهيد بدرا والحديبية ).

وكان لبدر الأثر العميق في المدينة وبقية حواضر وبوادي الجزيرة العربية ، وكان لبدر الأثر العميق في المدينة على اليهود وبقايا المشركين. فانخذل اليهود ، وجاهروا بالعداوة مما كان سببا في إجلاء بني قينقاع عن المدينة.
وأسلم من زالت الغشاوة عن عينيه ، ونافق من أضله الله حفاظا على مصالحة الخاصة ، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول ، الذي قال حينذاك : ( هذا أمر قد توجه – أي استقر- فلا مطمع في إزالته ).

أحكام وحكم من غزوة بدر :

لقد تضمنت أحداث عزوة بدر أحكاماً وحكما كثيرة ، من أهمها :

1-جواز النكاية بالعدو ، بقتل رجالهم وأخذ أموالهم وإخافة طرقهم التي يسلكونها ، لما في ذلك من إضعافهم معنويا واقتصاديا.

2-جواز استخدام العيون لكشف أحوال العدو وإفشال خططه.

3-تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على مبدأ الشورى لأهل الحل والعقد وعامة المسلمين ، وقد وردت أدلة على حجية الشورى في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين.

4-جواز المبارزة بإذن الأمير ، وهذا قول عامة أهل العلم.

5-المساواة بين الجندي وقائده في السلم والحرب سواء ، وقد اتضح ذلك من قصة سواد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطنه ليقتاد منه سواد.

6-جواز فداء الأسارى أو المن عليهم.

7-لا حرج من قتل الأسير قبل أن يصل إلى يد الإمام ، كما فعل بلال ومن معه من الأنصار عندما قتلوا أمية بن خلف وهو في أسر عبد الرحمن بن عوف.

8-أحلت الغنيمة لهذه الأمة ، وقسمتها على المقاتلين بعد تخميسها.

9-من قتل قتيلا فله سلبه ، على شرط : أن يكون المقتول من المقائلة وليس ممن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلهم ، وهم النساء والصبيان والشيوخ الفانون … إلخ ، وأن يكون في المقتول منفعة وغير مثخن بالجراح ، أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول ، وأن يقرر بنفسه في قتله فأما إن رماه بسهم من صف المسلمين فقتله فلا سلب له.

10-دلت واقعة قضية الأسرى على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد ، والذين ذهبوا إلى هذا استدلوا على ذلك بمسألة أسرى بدر. وإذا صح للرسول صلى الله عليه وسلم أن يجتهد ، صح منه بناء على ذلك أن يخطئ في الاجتهاد ويصيب. غير أن الخطأ لا يستمر ، بل لا بد من أن تنزل آية من القرآن تصحح له اجتهاده ، فإذا لم تنزل آية فهو دليل على صحة اجتهاده صلى الله عليه وسلم.

11- الأصل أن يبذل المسلمون كافة جهودهم في الإعداد للمعركة وفي مجابهة العدو ، قال تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل …) ومع ذلك فان الله يؤيد جنده بخوارق لتعينهم على النصر ، إذا كانوا أهلاً له ، كما حصل بإمداد الملائكة في بدر ، وبأن غشى النعاس عيون المؤمنين ، وأنزل عليهم المطر.

12- نبه الله المؤمنين إلى حقيقة هامة وهي أن لا يجعلوا حب المال يسيطر عليهم عند النظر في قضاياهم الكبرى التي قامت على أساس النظرة الدينية وحدها ، مهما كانت الحال والظروف ، ولذا عالج الله تجربة رؤية الغنائم مع الحاجة والفقر واختلافهم فيها ، ومسألة الأسرى ، بوسائل تربوية دقيقة ، كما في قوله تعالى : (يسألونك عن الأنفال ، قل الأنفال لله والرسول ، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم …)،و ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى … تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة…).

13- إن أهل بدر مغفور لهم يوم القيامة ، أما أحكام الدنيا فإنها تؤخذ منهم ، ويعاقبون عليها إن أتوها كما وقع لقدامة بن مظعون ، عندما حد في الخمر.

14- إن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء المعركة أن يقيم في العرصة – مكانها – ثلاثة أيام.

15- السنة في الشهداء أن يدفنوا في مضاجعهم ، كما حدث لشهداء بدر وأحد ولا يصلي عليهم كما ثبت بالنسبة لشهدا أحد ، ولم يذكر أنه صلى على شهداء بدر.

16- لقد تجلت في بدر بطولات إيمانية كثيرة : على سبيل المثال ما روي من أن أبا عبيدة عامر بن الجراح قتل والده الجراح يوم بدر. فقد جعل والد أبي عبيدة يتصدى لابنه أبي عبيدة يومذاك فيحيد عنه الابن ، فلما أكثر قصده قتله ، فنزلت الآية : (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله…).

وروى ابن إسحاق من حديث أبي عزيز بن عمير ، قال : مر بي أخي معصب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني ، فقال : شد يديك به فإن أمه ذات متاع ، لعلها تفديه منك ! … وزاد ابن هشام على هذه الرواية فقال : فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر ، وهو الذي أسره ، ما قال ، قال له أبو عزيز : يا أخي ، هذه وصاتك بي ! فقال له مصعب : إنه أخي دونك.

مستر كيوي
20-08-2006, 07:15 PM
هــ وغلا ــلا

أخوي طليفيح

على الموضوع

الرائع
سي يو

سامي الشمري
20-08-2006, 08:29 PM
طليفيح


الله يجزاك ألف خير على الموضوع الرائع


تحياتي لك ..

مـا مـثلـے أحـد
21-08-2006, 12:44 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله الف خير اخوي طليفيح

الله يجعلها في الميزان حسناتك


ودمـتــــــــــــــــم

أبو عبادي
21-08-2006, 05:47 PM
جزاك الله الف خير اخوي