المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تيمور الشرقية .. ماذا تبقى من ديمقراطية أرض الصلبان؟؟؟


mOh2ooo
28-08-2006, 03:09 PM
تحتفظ تيمور الشرقية بخصوصية في الذهنية العربية، التي رأت في مأساة انفصالها عن الجسد الاندونيسي ، وكأنها نسخة مكررة من نكبة الأندلس التي انتهت هي الأخرى ليس بانفصالها عن الدولة الإسلامية، ولكن بطرد المسلمين أنفسهم من أراضيها.

تيمور الشرقية التي تضافرت كل القوى الغربية وعلى رأسها الفاتيكان من أجل انفصالها، وتنصيرها، تشهد الآن ـ وبعد 7 سنوات من الانفصال ـ حرب شوارع ، وحالات نزوج جماعية. فيما باتت مخازن الحبوب والغلال والمتاجر مطمع لكل ناهب ولص.

أهمية الأزمة التيمورية تكمن في أنها تمثل بحق فشلا ذريعا للقوى الاستعمارية الغربية، التي أرادت أن تجعل من تيمور الشرقية ـ الإقليم الـ27 لإندونيسياـ مثلا يحتذى به لبقية الأقاليم التي تطمح إلى الانفصال عن إندونيسيا.





فلاش باك .. مظاهرة الجنود

رغم أن أصل القصة يعود إلى أيام الانفصال، إلا أنه وعلى طريقة صناع السينما، فإن إعادة رسم الصورة يحتاج إلى ما يمكن تسميته بـ'الفلاش باك' بحيث تبدأ القصة من لحظة النهاية ثم تكتمل رويدا رويدا مع العودة إلى الوراء .

ففي أواخر شهر مارس الماضي قام نحو 600 من جنود الجيش، والذين يبلغ عددهم 1400 جندي، بالإضراب للمطالبة بظروف عمل أفضل، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بطردهم من الخدمة.

وبعدها توجه الجنود المطرودون إلى التلال المحيطة بالعاصمة، وهددوا بإشعال حرب أهلية. وتطور الأمر إلى اشتباكات أودت بحياة خمسة أفراد في شهر أبريل الماضي.

هذا ما تناقلته شبكة البي بي سي البريطانية التي تغافلت عن عمد أو بدون عمد أمرين هامين، أولهما أن الجنود الغاضبون من سكان المنطقة الغربية في إقليم تيمور .. أما الأمر الثاني فهو أن مظاهرة الجنود كانت في الأصل سلمية، خاصة وأن أحد من الجنود لم يكن يحمل سلاحه أثناء التظاهرة.

ومن ثم فإن ما أرادت البي بي سي التغطية عليه، يكمن في وجود سياسة تفرقة عنصرية تنتهجها حكومة 'ماري الكاتيري' التي أرادت اختزال الأزمة في القول بأن هناك ثمة محالة انقلابية في البلاد.

الادعاء بأن أصل المشكلة يكمن في وجود مطامع عسكرية أو سياسية لفريق أو آخر في تيمور الشرقية يتغافل بشكل متعمد أصل الأزمة التي تكمن في تهميش وإقصاء سكان المناطق الغربية القريبة من إندونيسيا من الوظائف العليا في الدولة الوليدة وهو الأمر الذي تؤكده مظاهرة الـ 600 جندي الذي لم يخرجوا فقط من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، ولكن احتجاجا على ترقية زملائهم من سكان المناطق الشرقية من تيمور في حين بقى الجنود الذي ينتمون إلى المناطق الغربية على رتبهم العسكرية .



سنة أولى أزمة

مع سنة الاستقلال الأولى كانت تتنازع إقليم تيمور الشرقية ثلاث قوى رئيسية وذلك بعد إقصاء إندونيسيا، فبالإضافة إلى استراليا صاحبة النفوذ القوي في تيمور الشرقية، ظهرت البرتغال التي تحاول استرجاع بعضا من مجدها الاستعماري القديم، فضلا عن الحضور الأمريكي القوي سواء من خلال الكنيسة أو من طريق المساعدات المادية. فيما تقف إندونيسيا ترقب من بعيد التطورات السياسية في الدولة الجديدة المنتزعة من حدودها الشرقية.

القوى الثلاث [ استراليا، أمريكا، البرتغال] رغم اختلاف مطامعها إلا أنها توافقت على أمرين هامين، أولهما: قطع كل صلة كانت تربط الإقليم بإندونيسيا، وثانيا تكريس الهيمنة الغربية على الإقليم.

ففي البداية تم اعتماد البرتغالية كلغة رسمية للدولة الجديدة، باعتبار أن الإقليم كان يتكلم اللغة البرتغالية قبل ضمه لإندونيسيا في عام 1975.. وذلك رغم أن أغلبية الشعب التيموري كانت إما تتحدث الاندونيسية أو التيتومية، ولكنها رغبة السيد الجديد في فصم كل علاقة ثقافية أو تاريخية كانت تربط إندونيسيا بإقليم تيمور الشرقية.

اليد الاستعمارية الغربية لم تتوقف عند حد إقصاء اللغة والثقافة الاندونيسية، ولكنها سعت في الوقت ذاته إلى ربط الإقليم اقتصاديا بالدول والقوى الغربية، حتى لا يعود بشكل أو بأخر إلى أحضان الوطن الأم في إندونيسيا.



ربط الإقليم اقتصاديا لم يكن عن طريق مشروع مارشال جديد، يعيد بناء الإقليم وفق المنظومة الاقتصادية الغربية، ولكن الخطة الغربية كانت تهدف إلى ضح أكبر قدر من المعونات المالية للإقليم الذي تحول إلى أكبر متلقي للمساعدات الأجنبية في العالم.. فبحسب إحصائيات عام 2001 كانت ميزانية تيمور 305 ملايين دولار، لم تستطع الدولة الجديدة تدبير أكثر من 25 مليونا منها من الضرائب والرسوم الإدارية المفروضة، فيما تكفل المانحون بباقي الميزانية.

أما فيما يخص بالجسد التيمور ذاته فإنه كان يحتفظ بداخله كل عوامل الانفجار، منذ سنين الاستقلال الأولى.. فالدولة الجديدة رغم صغر حجم سكانها إلا أنها تضم بين جنباتها 12 جماعة عرقية متباينة، هذا فضلا عن وجود فسيفساء دينية تبدأ من الروم الكاثوليك الذين يشكلون 90% من إجمالي السكان؛ والمسلمون، 4%؛ والبروتستانت، 3%؛ والهندوس، 0.5%؛ والبوذيون وأصحاب المعتقدات الأخرى، 2.5%.

هذا التباين كان يمكن أن يتم تجاوزه لو أن الحكومة الجديدة ـ التي ادعت أنها كافحت من أجل تحرير البلاد من الاستعمار والعنصرية الاندونيسية ـ تعاملت بموضوعية مع هذا التباين العرقي والديني. لكنها وبدعم من القوى الغربية قامت بتهميش سكان المناطق الغربية الذين يرتبطون بشكل أو بأخر بإندونيسيا.

سياسة التفرقة العنصرية رغم أنها طالت غير المسلمين في الإقليم، إلا أن ما حدث مع الأقلية المسلمة التي فضلت البقاء في الإقليم بعد انفصاله، يعد شاهدا حيا على الديمقراطية الجديدة، حيث لم يبق من مساجد المسلمين في تيمور الشرقية سوى مسجدا واحد هو مسجد النور، فيما تهدم الباقي، فضلا عن تدمير حوانيت المسلمين بحجة إعادة الجمال إلى الشوارع.



تيمور .. أرض المتناقضات

المشهد في تيمور الشرقية قل الفوضى الأخيرة يعد بحق قمة التناقضات، فإذا ما أردت الخروج إلى الأسواق ـ في هذا البلد الجديد الذي خرج إلى النور بفعل الدور القوي لعصابات التنصير والكنيسة الغربية ـ فإنك ستصادف كثيراً من الشباب الذين يعلقون على صدورهم صورة تشي جيفارا المنظر الماركسي للثورة الكوبية، وذلك كراهية منهم للدول الغربية التي ساندت إندونيسيا في ضمها للإقليم في عام 1975.

وفي الأسواق تكثر البضائع الاندونيسية [ العدو الجديد] التي تأتي إلى البلاد بفعل القرب الجغرافي مع تيمور الغربية، أما عملة البيع والشراء فهي الدولار الأمريكي بعد إلغاء الروبية الاندونيسية. فيما باتت البرتغالية [ المستعمر القديم] هي اللغة الرسمية الجديدة في البلاد .

هذا التناقض الذي يجسده دولار أمريكي ولغة برتغالية ومنتجات اندونيسية وشعارات ماركسية تعكس حقيقة المشهد في تيمور الشرقية تلك الدولة التي خطتها الكنيسة، وشيدتها الأمم المتحدة، فيما تكفلت برعايتها القوى الغربية الرأسمالية .. لتكون المحصلة في النهاية حرب أهلية وهجرة جماعية وفوضى خلاقة على الطريقة الأمريكية.