المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام تجاه الدولة


احسـ العالم ـاس
16-08-2003, 10:09 PM
د· أحمد عبد الملك

أكاديمي وإعلامي قطري



الاتحاد الاماراتية

العنوان أعلاه هو فصل في كتاب الدكتور سليمان صالح الذي يحمل عنوان أخلاقيات الإعلام·· وهو متن رائع يفيد كل إعلامي· ولقد جذبتني هذه الجزئية في الكتاب ورأيت مناقشتها· فبعد شرح الفصل لواقع العلاقة بين الإعلام والحكومة، وسيطرة الولايات المتحدة على وسائل الإعلام العالمية، ومحددات مفهوم السيادة على الإعلام وضرورة تحقيق صناعة وطنية للإعلام والاتصال، وحق المواطن في الاختلاف مع السلطة لحماية حقوق المجتمع ضد سوء استغلال السلطة، ووجود علاقة خصومة (Adversary relationship) بين وسائل الإعلام والحكومة في الغرب، يضع الباحث أربع نتائج خطيرة لتبعية الإعلام للحكومة كالتالي:

1- إعاقة تطور الصناعات الإعلامية في دول الجنوب، وتقييد نموها، وهو ما جعل هذه الدول مفتوحة أمام الغزو الثقافي والإعلامي الغربي، والأميركي بشكل خاص·

2- إن هذا الشكل قد أدى إلى تدهور مصداقية وسائل الإعلام في دول الجنوب، وبالتالي قلَّ تأثيرها على الجماهير·

3- إن الوظائف المجتمعية لوسائل الإعلام صارت محل شك وفقدت جماهيريتها المساندة في مواجهة الحكومة·

4- تناقص القدرات المهنية للإعلاميين، وتناقص ثقتهم في أنفسهم·



نحن في عالم لا نختلف على أنه متخلف من الناحية الفكرية والتكنولوجية، وطالما أن الإعلام فكر وتكنولوجيا، وهما وجهان لعملة واحدة، فإن إغفال أي من الوجهين يُفقد الإعلام قوته وقدرته على الممارسة المهنية·

فدول الجنوب- التي عانت من غبن تكنولوجي ومعرفي طوال خمسين عاماً، ولم تَفل فيها محاولات المؤسسات الدولية كالـيونسكو للخروج من أزمتها- لم تساعد نفسها في الخروج من الأزمة، كونها لم تقترب من النضج الديمقراطي الذي يحقق حرية التعبير، ويجعل من الإعلام مادة صالحة للتطور الصناعي والنمو الاقتصادي· ولقد دأبت مناهج التعليم في أغلب هذه الدول على تغييب العقل ومحاصرة الإبداع، لذلك لا نجد غرابة في أن طلابنا- الذين يرغمون على الحفظ- بعضهم يمارس الشيء ذاته عندما يكون استاذاً جامعياً· ولعل أخطر ما يهين الإنسان هو عندما يلغي المنهج فكره·· ويجعل منه روبوتاً أو ببغاء يردد حديث المدرس·· أو يحفظ الكتاب دون مشاركة أو رأي صالح·



فإذا كان هذا الإنسان هو نفسه الذي سيدير الإعلام، أو الصحافة فكيف نتوقع منه أن يحقق التطور الإبداعي، ويلتفت الى الطروحات الاستشرافية نحو تطوير العمل، وتشجيع المبدعين، بل وكيف يتقن إصلاح ذات البين بين الإعلام والسلطة·· والتي يختلف مضمونها في العالم الثالث عن مضمونها في الغرب من ناحية نظرية الخصومة، إذ لا نجد خصومة بين الإعلام والسلطة بل نجد هيمنة واضحة ليد السلطة على رأس الإعلام· لا يكتفى بذلك في الإعلام الرسمي، بل في دور الصحف التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والأخلاقية وتدافع عن الجمهور الذي يقرؤها حتى ولو اصطدمت مع السلطة، لكن في ذات الوقت، فإن الاصطدام مع السلطة لن يكون في صالح المؤسسة أو الدار·



كما أن التضحية بالمال من أجل مبادئ الصحافة ما عادت تفيد الدار أو الصحيفة، فكان لزاماً على الدار كسب ود السلطة، والتبشير بعهودها المنيرة، لأنَّ القارئ لن يفيد الدار عندما تتوقف الجريدة· من هنا تضعف المسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام نحو المتلقي وتزداد توهجاً نحو السلطة· ونظراً لتردي أوضاع الإعلام وفقدان المصداقية كما أشار الباحث فقد قلّ تأثيرها على الجماهير، ولنا خير أمثلة في نكسة يونيو وحرب الكويت، وقد نستثني حالات محددة في الحرب الأخيرة على العراق، حيث مارست بعض الفضائيات دوراً مسؤولاً نحو نقل الخبر اليقين، وعدم تضليل المشاهد، فيما قامت فضائيات أخرى، بأكثر مما قام به أحمد سعيد في حزيران ·1967 ويخطئ كل المتحدثين باسم الغزو الإعلامي بإرجاع التخلف الإعلامي في دول الجنوب إلى الغرب· أبداً، بل إن السبب الرئيسي لذلك التخلف هو عدم استيعاب الحكومات لدور الإعلام الأشمل، وتركيز هذا الإعلام على مدح السلطة ورموزها·· وإغراق المتلقين برسائل فوقية من القصر أو الديوان، دون أن يكون هنالك (Feedback) تغذية راجعة لمضامين ذاك الخطاب· وما زاد في تردي أوضاع ذاك الإعلام هو الرؤية المحددة والقاصرة لدى القائمين عليه في تهميش صورة المواطن الإنسان، وإلغاء فكره وآماله، أمام تلميع صورة الحاكم ورموز النظام، والتستر على الممارسات غير الشرعية أو الأخلاقية التي يمارسها رموز النظام، والتي تنال من حق المواطن· إن الذين أداروا النظام الإعلامي في معظم دول الجنوب يحتاجون إلى محاكمات علنية كونهم لم يطبقوا المسؤولية الإعلامية على الطرفين الحاكم والمحكوم وكانوا دوماً مع الحاكم ضد المحكوم· فكيف يمكن أن تنشأ مصداقية لإعلام كهذا؟



وفي مناخ غير ديمقراطي تتخلف وتضمحل الوظائف المجتمعية لوسائل الإعلام، ويتحدد دورها في وسائل التبجيل والتلميع للحكومات، وصرف أغلب الميزانيات على رغبات الحاكمين لهذا الإعلام، وجلها مباريات كرة القدم أو حفلات غنائية، وهذا يُغيّب الإعلام عن دوره المجتمعي، وإن اعترفنا بدور الترفيه كإحدى وظائف الإعلام، لكن هذا الاعتراف لا يُغيب الأدوار الأخرى كالثقافة والنماء الاجتماعي وتعميق الوحدة الوطنية والاهتمام بالمبدعين في كافة المجالات· لقد حصر الإعلام الجنوبي وظائف الإعلام في زاوية محددة جداً، وأحاطها بكهنوتية حديدية، فاستقبالات الحاكم تأخذ ثلاثة أرباع وقت النشرة الاخبارية، وسفر الحاكم يغطى مباشرة، والكلمات الوزارية- التي هي من صلب عمل الوزير- تأكل النشرات الاخبارية، بينما يمنع بث خبر حريق قتل فيه شخصان، أو قيام مجرم بقتل جاره نتيجة ثأر أو مال، أو حتى بث توقيع معاهدة عسكرية لها تأثيرها على الأجيال القادمة· بل لا يجد المواطن نفسه في هذا الإعلام الفوقي، الذي يأتي دون نقاش، ودوماً في صورة إيجابية، ويُغيب حق المواطن حتى في أدق تفاصيل حياته وحياة الأجيال من بعده·



كيف تتحقق الوظائف المجتمعية لوسائل الإعلام في ظل كبت الحريات، وهيمنة مراكز القوى على دور النشر، وتدخل الوزارات في عمل رئيس التحرير، ووضع مديرين للإذاعة والتليفزيون لا يمتلكون المواهب والعمق الفكري لأهداف وسائل الاتصال، ويظل يشغلهم دوماً بقاؤهم على الكرسي· من هنا، نلاحظ التسرب من الوظائف الإعلامية إلى وظائف أخرى أكثر أمناً وإنتاجية، ونلاحظ أيضاً عدم انخراط خريجي كليات الإعلام في الإعلام·



ونلاحظ عدم إيلاء تدريب الإعلاميين تدريباً متخصصاً، كما نلاحظ سوء إدارة وتغييرات متلاحقة لمنفذي السياسة الإعلامية في بلدان الجنوب·



المسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام تجاه الدولة تتحدد - في أغلب دول الجنوب- في الأمن الوظيفي بالنسبة لمنفذي السياسات الإعلامية في الإعلام الرسمي، وفي تبادل المنفعة أو العلاقة التجارية بالنسبة للإعلام الأهلي المتمثل في الصحافة· لكننا نختلف مع مقولات غربية تقول الصحافة تحتاج إلى أخبار، والحكومة تحتاج إلى النشر، وبالتالي يمكن أن يخدم كل منهما الآخر لما فيه صالح المجتمع·· لأن مجتمع الجنوب يختلف عن مجتمع الشمال، وتلك هي اشكالية تحديد مسؤولية أخلاقية لوسائل الإعلام تجاه المواطن·