المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الملف الكامل لقضية الدكتوركيلي


احسـ العالم ـاس
21-08-2003, 11:46 AM
كيلي انتحر وإن نحر!!

مفكرة الاسلام

لن ندعي الفراسة وصدق التنبؤ إن زعمنا أن نتائج التحقيق في قضية خبير الأسلحة البيولوجية البريطاني ديفيد كيلي الذي وجد مقتولا في طريق زراعي يوم السابع عشر من شهر يوليو الماضي ستثبت ـ بعد مدة طويلة ـ أن الرجل قد انتحر بقطع شرايين يده بعد أن استبد به اليأس من وجود من ينصفه في محنته التي تعرض لها من لجنة التحقيق التي شكلت بسبب تحدثه لوسائل الإعلام عن 'مبالغة الحكومة البريطانية' في أدلتها المزعومة بشأن ما قيل عن برنامج العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل .

وغالب الظن أن القضاء البريطاني سيتجاهل الأدلة الطبية الشرعية التي ربما تثبت أن الرجل الذي ظلم العراق كثيرا بسبب تقاريره الاستخبارية الملفقة قد نحره الذين استخدموه من ضباط الاستخبارات البريطانية M.I.5 .

كيلي وجد مقتولا , ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود في العالم تقول إن غالب الظن أنه انتحر , هل يقدم رجل في مكانة كيلي على الانتحار لمجرد تحقيق سيثبت في النهاية أنه كان على حق وإن تجاوز الحد في تصريحاته الصحفية ؟

ما الذي دفع أجهزة الإعلام في العالم إلى المرور سريعا على القضية مفضلة ترجيح الشرطة البريطانية لانتحاره ؟ ما الذي جعل السلطات البريطانية تحث وسائل الإعلام البريطانية على عدم تغطية وقائع جنازة كيلي ؟ وما الذي جعل تلك الوسائل تذعن لهذا المطلب الغريب ؟

الولايات المتحدة قتلت عدي وقصي صدام حسين وكان بإمكانها اعتقالهما بسهولة , هل أرادت أن تطمس معالم جريمتها في العراق ؟ أم أن ثمة ما ينبغي إخفاءه في الملف العراقي يتجاوز قضية الأسلحة المزعومة ؟ لماذا قتل كيلي إذا كان ما قاله لا يتجاوز وجود فقط مبالغة في الأدلة بشأن امتلاك العراق للأسلحة ؟ لماذا استغرق القضاء البريطاني كل هذه المدة الطويلة ثم يترك الباب مشرعا للقيل والقال بشأن ما زعم عن انتحار الممثلة المصرية سعاد حسني التي كانت تعرف أكثر مما ينبغي عن جهاز المخابرات المصري ؟ هل يحتاج إثبات الانتحار من عدمه كل هذه الفترة ؟ أو يسهل على طالب الطب العادي حسم هكذا قضية في سويعات وتعجز بريطانيا العظمى عن ذلك في شهور ؟ لماذا ظل إلى اللحظة لغز اغتيال الأميرة ديانا عصيا على الحل برغم مرور أكثر من خمس سنوات على حدوثه ؟ وظل احتمال تعامي القضاء البريطاني 'النزيه' عن كل الأدلة المثبتة أن الليدي قتلت للحؤول دون زواج الأميرة من مسلم يكون مستقبلا شقيقا لملك بريطانيا ؟

كل هذه الأسئلة تجعلنا أكثر ثقة بأن الخبير البريطاني سيصير رغما عنه في نهاية المطاف منتحرا وإن نحر .

وهذا ما ذهبنا إليه ربما يعززه هذا الملف الذي يتضمن هذه المواضيع :



اقسام الملف



§ الاغتيال أقرب من الانتحار

§ رحلة كيلي من البداية حتى النهاية

§ مفردات المؤامرة

§ مأزق بلير ومأزق 'واحة الديمقراطية' بسبب كيلي



>>>>>>>>>>

احسـ العالم ـاس
21-08-2003, 11:48 AM
حبكة درامية بريطانية شديدة الإحكام علي الرغم من أنها مكررة وتشبه الأفلام الهابطة حدثت مع مقتل الخبير البريطاني ديفيد كيلي وهي غالبا تبدأ بالإعلان عن اختفاء شخص ما ثم تبدأ الشرطة بحثها المكثف والحثيث ليتم العثور علي الشخص جثة هامدة وبجواره ما يثبت بالدليل القاطع وبما لا يدع مجالا لأي شك أنه انتحر‏,‏ سيناريو بريطاني مأخوذ من القصص الأمريكية ذات الباع الطويل في هذا المجال‏,‏ والسيناريو هذه المرة يحكي قصة الخبير البريطاني ديفيد كيلي الذي عثر علي جثته في الغابات المتاخمة لمنزله في أكسفورد شاير‏,‏ وقد قطعت شرايين يده اليسري وألقي بالسكين إلي جواره‏,‏ إضافة إلي علبة من الأدوية المسكنة للألم والتي كان يكفي أخذ عدد من أقراصها لإنهاء الحياة في سهولة ويسر!!‏.‏لكن الشيء المؤكد أن رئيس الوزراء توني بلير يواجه أزمة عاصفة بسبب الاغتيال الانتحاري وليس أدل علي ذلك من السؤال القاتل الذي وجهه له أحد الصحفيين أثناء مؤتمره الصحفي في طوكيو عما إذا كانت يده لطخت بدماء الخبير البريطاني أم لا؟

السؤال بالطبع يحمل في ثناياه دلالات ومعان كثيرة‏,‏ إذ ما الذي يدفع بشخصية مرموقة مثل كيلي للانتحار؟ ولماذا الانتحار في هذا التوقيت بالذات والذي تزامن مع انتهائه من شهادته أمام لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم في إطار التحقيقات الجارية بشأن استخدام معلومات استخباراتية تمس الغزو الأمريكي‏-‏ البريطاني للعراق؟ والحكاية ببساطة أن كيلي تحدث إلي أحد أصدقائه وهو أندرو جيلجيان والذي يعمل مراسلا لـ بي بي سي‏,‏ وقال له إن هناك مبالغة ما في تصوير التهديدات التي تمثلها الأسلحة العراقية علي العالم‏,‏ وأن ما حدث كان رغبة في اجتياح العراق فقط لأسباب أخري بعيد كل البعد عن الأسباب المعلنة‏.‏

كيلي هو واحد من أبرز الخبراء البيولوجيين في بريطانيا‏,‏ إن لم يكن في العالم كله‏,‏ ولد في بريطانيا عام‏1944,‏ ورغم عمله في مجال العلوم الزراعية في بداية حياته ووصوله إلي كبير مسئولي الأبحاث العلمية في مجلس أبحاث البيئة الطبيعية‏,‏ فإنه تدرج في المناصب حتى وصل إلي رئيس قسم الأحياء الدقيقة في مركز الأبحاث حول الأسلحة الكيماوية عام‏1984‏ وظل فيها حتى عام‏1992,‏ حيث ذهب للتفتيش بعد ذلك علي البرنامج البيولوجي الروسي‏,‏ إثر الاتفاق الثلاثي الموقع بين واشنطن ولندن وموسكو‏,‏ وقد ظل يعمل في هذا التفتيش حتى عام‏1994‏ ليصبح مستشارا في الأسلحة البيولوجية لدي الأمم المتحدة حتى عام‏1999,‏ وبالتالي فقد كان واحدا من أهم الأشخاص الذين اعتمدت عليهم لندن وواشنطن في البحث عن الأسلحة العراقية أثناء حملات التفتيش العديدة التي قامت بها هناك‏,‏ وقد زار كيلي العراق‏37‏ مرة كانت كفيلة بكشف كل الحقائق والتأكد من أن الإدارة البريطانية والأمريكية أرادت أن تضخم من الحدث‏,‏ لكي يتسنى لهما غزو العراق من منطلق شرعي إلي هنا‏,‏ والإدارة البريطانية لا تعره أي اهتمام‏,‏ فالرجل لا يحب الشهرة أو الأضواء إنه قلما يتحدث‏,‏ لكن ها هو عندما تحدث دفع حياته ثمنا لذلك‏.‏ ورغم عدم تأكدنا حتى الآن مما إذا كان الرجل دفع حياته برغبته أو رغما عنه‏,‏ فإنها ليست المرة الأولي التي يدفع أحد فيها حياته ثمنا لصراحته‏,‏ فمن المؤكد أن ديفيد كيلي بكل ما يتمتع به من عقلية فذة لم يكن بالغباء الذي يجعله يتصور أن صحفيا مثل أندرو جيليجان لا يقل عنه ذكاء ولا عبقرية يمكن أن يصمت إزاء ما قاله له كيلي عن التضخيم الإعلامي عن الأسلحة العراقية المزعومة بهدف غزو العراق‏,‏ كان كيلي لابد أن يعرف أن مثل هذه المعلومة لشخص مثل مراسل الـ بي بي سي يمكن أن تمثل له سبقا صحفيا يقفز به إلي الصفوف الأولي‏,‏ وتجعل اسمه يتردد علي ألسنة الجميع‏,‏ وهذا هو ما حدث بالفعل‏,‏ إذ سرعان ما أخذ المراسل هذه المعلومات وسارع بنشرها في تقرير هز مبني رئاسة الحكومة البريطانية‏,‏ وكذلك البيت الأبيض علي السواء‏.‏ إذ سرعان ما انهالت الأسئلة علي رأس بلير تستوضح منه ما إذا كان غزو العراق تم للأهداف التي أعلنت فعلا أي الأهداف عبثية‏,‏ المشكلة أن هذه الأسئلة انهالت علي بلير في الوقت الذي كان الجميع يصفق له بحرارة علي تجربته الناجحة في عملية الغزو العراقي‏,‏ والمشكلة أنه بدلا من أن يؤكد مصداقيته أو يكشف عن الأوراق التي تدعم موقفه أمر بتشكيل لجنة تحقيق مع مراسل الـ بي بي سي لمعرفة المصادر التي استقي منها هذه المعلومات‏,‏ التي قلبت الأمور رأسا علي عقب‏,‏ ورغم إصرار المراسل علي سرية المصادر فإن اسم ديفيد كيلي تردد كأحد أهم هذه المصادر‏.‏ المشكلة أن اللجنة التي حققت مع كيلي لم تراع كبر سنه‏,‏ ولا مركزه‏,‏ فراحت تكلمه بشكل متعجرف‏,‏ وتكاد تكيل له الاتهامات علي الرغم من أن الـ بي بي سي لم تعلن رسميا في البداية أن كيلي هو مصدر معلومات تقريرها الشهير‏,‏ لكنها في نفس الوقت لم تنف ذلك الأمر الذي جعل لجنة التحقيقات مع كيلي تصفه في وجهه بأنه مغفل‏,‏ في حين أن الحقيقة تقول إن كيلي كان الحمل الذي ألقي به إلي الذئاب بالطبع كان لكل ذلك أسوأ الأثر علي نفسية الخبير البيولوجي الذي كاد يفقد النطق أثناء التحقيقات‏.‏ وتنتهي التحقيقات ويجد الرجل نفسه محاصرا بالأضواء الإعلامية التي ربما لم يواجهها من قبل والتي تطلب منه إعطاء المزيد من التفاصيل حول نتائج بحثه عن أسلحة الدمار الشامل في العراق للتأكد من ماهية الغزو‏,‏ إلي هنا شعر كيلي بالخطر المحدق به‏,‏ فلقد تورط في مشكلة هو في غني عنها تماما مثلما شعرت الإدارة البريطانية‏,‏ وأيضا الأمريكية بنفس الخطر فكان قرار التخلص من الحياة الذي اضطلعت فيه الإدارة البريطانية بدور مهم إن لم يكن الاغتيال.



>>>>>>>>>>

احسـ العالم ـاس
21-08-2003, 11:49 AM
منذ الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس 17/7/2003 لم يشاهد أحد من رواد حانة 'واجون اند هورس' البروفيسور ديفيد كيلي الذي يسكن قبالة هذه الحانة في قرية أوكسفورد شاير في ساوث مود والمعروفة بهدوئها الطاغي، كان رواد الحانة يعرفون كيلي جيداً، فقد اعتاد التردد عليها من حين إلى آخر، كما اعتاد أن يتردد مع زوجته جانيس على مكان آخر هو 'هندزهيد'.

كان ديفيد كيلي كتوماً فيما يخص عمله مع ذلك كان معروفاً للجميع انه مستشار علمي يعمل مع الحكومة وانه مفتش كبير في الأمم المتحدة في مجال مراقبة أسلحة الدمار في العراق.

في الأسبوع الثاني من شهر يوليو الماضي عرف سكان أوكسفورد شاير أشياء جديدة عن كيلي من ضمنها أن الظروف زجت به على غير إرادته إلى قلب الأحداث ليصبح موضوعاً للتنازع والتجاذب بين الحكومة البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية الـ 'بي بي سي' فيما يشبه الإجبار، مثل كيلي أمام لجنة في مجلس العموم ظلت تلاحقه بالأسئلة والاتهامات المختلفة، بينما ظل كيلي من خانة الدفاع ينفي كل ما ينسب إليه وفي مقدمة ذلك القول بأنه أخبر الصحفي البريطاني اندرو جيلجان أن الحكومة حرفت ما يسمى بملف سبتمبر بطريقة تخدم هدفها في شن الحرب على العراق.

قال الفلاح البريطاني بول ويفر انه فعلاً رأى ديفيد كيلي مؤخراً وانه اقترب منه وحياه فيما كان كيلي يسرع الخطى في حقول المنطقة المجاورة لمنزله لكن حسب رواية ويفر لم يكن على محيّا كيلي الذي ابتسم له وحياه أي علامات ارتباك.



كان طريق كيلي واضحاً حيث يشق مجموعة حقول بين قريته ولونجورث على طول ميلين بما يستغرق أكثر من الساعة مشياً على الأقدام، ثم بعد ذلك كان عليه أن يشق دروب قرية لونجورث الجميلة الواقعة فوق التلال.

يعرف 'كيلي' جيداً الفلاحين الذين تحيط مزارعهم بالطريق، كما يعرف ويعشق الحقول والغابات التي أصبحت مزارعه المعتادة.

ذكرت مصادر الشرطة أن كيلي تعاطى في وقت ما يوم الخميس ـ ربما بعد الظهر وربما في المساء ـ بعض أقراص الـ «كوبروكسامول» والذي اعتاد أن يأخذه ليخفف عنه بعض الآلام.

وفي وقت متأخر من المساء بدأ القلق يتسرب إلى زوجته 'جانيس' إذ لم يعد كيلي إلى البيت وبدأت تتصل بأصدقائه وعائلته الذين بدءوا رحلة البحث عنه بلا جدوى، في تمام الساعة 11.45 وبعد أن استبد القلق بجانيس اتصلت بالشرطة التي بادرت في البحث في كل مكان وانتهى الأمر إلى وجود جثة كيلي مرمية قرب مجموعة أشجار على الطريق الذي اعتاد السير فيه .

كانت القصة قد بدأت في وقت مبكر، فمنذ فترة وتحديداً في 22 مايو الماضي التقى رجلان لا يجمع بينهما شيء في ردهة فندق 'ذى فيكتوريان تاشرنج كروس أوتيل' في مكان يقع بين ستراند وثيمس امبانكمنت، كان الرجل الأول هو اندرو جيلجان المراسل العسكري لـ 'بي بي سي' والذي كان يحمل كافة الصفات التي كان لا يحملها عادة عموم الصحفيين مثل الهدوء والجدية الشديدة والانطوائية بينما كان على الطرف الآخر ديفيد كيلي.

دعا جيلجان كيلي لهذا اللقاء بغية سؤاله على خلفيات قرار الحكومة بالمشاركة في الحرب على العراق، وهي المسألة التي أصبحت هدفاً لمساءلة وتدقيق الرأي العام يوماً بعد يوم خاصة بعد أن فشلت قوات التحالف في البرهنة على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. كان محسوماً لدى جيلجان الفرض بأنه لو أن هناك شخصاً في جهة المعتدين يملك القول الفصل في حيازة الأسلحة البيولوجية، فلن يكون سوى كيلي ـ كبير مفتشي الأسلحة البيولوجية في بعثة الأمم المتحدة بالعراق ـ اليونيسكوم السابق ومستشار وزارة الدفاع البريطانية لشئون الأسلحة البيولوجية الأسبق.

كان اللقاء للرجلين يحمل دلالات مختلفة، فبالنسبة لـ 'جيلجان' كان يعني مزيداً من الإضافة عبر السماع لمصدر رفيع المستوى التقاه من قبل، أما بالنسبة لكيلي، فالأمر كان يعني مقابلة أخرى مع شخص المفترض بحكم منصبه السابق وشروط تعاقده مع وزارة الدفاع ألا يلتقيه وكلا الرجلين لم يكن بمقدورهما التنبؤ بالمخاطر التي يمكن أن يترتب عليها مثل هذا اللقاء.



هناك من يقول إن الأمر الذي استفز الحكومة ووزارة الدفاع إلى أقصى حد هو ما كتبه جيلجان تأثراً بالمقابلة بأنه كان المطلوب تأكيد المقولة المشكوك فيها بأن العراق قادر على نشر أسلحة الدمار الشامل خلال 45 دقيقة، لكن أيا كان الأمر ما كان لأحد أن يتصور أن تمضي الأمور إلى هذا الحد المرعب والشرير وان يوجد كيلي جثة.

وفي عالم تتقاطع فيه مسيرة العلم مع مآرب أجهزة المخابرات وتتقاطع فيه مآرب أجهزة المخابرات مع السياسة العامة كان لابد لكيلي العالم المخلص حتى النخاع وغير القادر على مجاراة الميكافيلية التي تسيطر على عالم السياسة كان لابد له أن يرتبك. كان تخصص كيلي الأساسي هو إنتاج المخصبات الزراعية والمبيدات الكيماوية، وهو تخصص نبغ فيه كيلي الذي كان معروفاً عنه حدة الذكاء، واقترب به إلى أن دخل مجالاً آخر موازياً لمجال تخصصه الأصلي وهو مجال البحث في إنتاج الأسلحة البيولوجية.

ولد ديفيد كيلي في جنوب ويلز، وحصل على شهادات علمية من جامعات 'ليدز' و'برمنجهام' أهلته بعد ذلك لأن يصبح خبيراً بيولوجياً في معهد اوكسفورد الميكروبيولوجي في عام 1984 ثم رئيس هيئة الموظفين العلميين في مجلس أبحاث البيئة الطبيعية وبعد توليه هذا المنصب تلقى عرضاً من مؤسسة بريطانية للأبحاث الكيماوية والبيولوجية الدفاعية المعروفة باسم 'بودتون داون' فوافق عليه على الفور ووصف هذه الموافقة فيما بعد في حواراته مع أصدقائه بأنها أهم قرار اتخذه في حياته.



في عام 1989 أصبح ديفيد كيلي رئيس قسم الميكروبيولوجي في 'بورتون داون' وذاع صيته بعد ذلك أهم خبير بريطاني في مجال الأسلحة البيولوجية ليس فقط بسبب خبراته ومعارفه التي لاقت الاعتراف الواسع في بورتون داون، بل لأن الجهاز الأمني المعروف باسم إم 16 اعتبره واحداً من العلماء القلائل القادرين على انتزاع المعارف من العلماء الفارين من الاتحاد السوفييتي أو من أي مكان آخر في العالم.

كان من ضمن هؤلاء العلماء الباحث الروسي المعروف فلاديمير باسيشينك، خبير أبحاث الحرب الجرثومية الذي ارق المخابرات الغربية بأبحاثه السرية في مجال الأسلحة البيولوجية والذي انتهى به المطاف إلى اللجوء إلى بريطانيا عام 1989.

وفي عام 1990 عندما أعلنت روسيا عن موافقتها بالسماح للولايات المتحدة باختيار مصانع إنتاج الأسلحة البيولوجية لديها كان اختيار كيلي أن يكون ممثلاً لبريطانيا بدون أدنى تفكير في اللجنة الأميركية البريطانية المشتركة التي أنشئت لهذا الغرض كانت مشاركته في هذه اللجنة أولى مساهمات في هذا النوع من اللجان الذي اقترب به كعالم من عوالم أخرى لا يشغلها في المقام الأول الوصول إلى الحقائق الصلبة، وهي عوالم السياسة والمخابرات، عوالم انتهت دهاليزها غير الواضحة بالسقوط التراجيدي لهذا الرجل.

في عام 1991 وعقب حرب الخليج كان ديفيد كيلي الذي انتقل من نجاح إلى نجاح هو المرشح الأول بلا منازع لترؤس إحدى فرق التفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق ولتجريد العراق من هذه الأسلحة طبقاً لاتفاق إطلاق النار الذي انتهت به الحرب وطبقاً لهذه المهمة سافر كيلي إلى العراق 36 مرة على مدى سبع سنوات وهو يبحث في صبر عن أدلة تتعلق بالأسلحة البيولوجية.

كانت آراء كيلي حول تملك صدام حسين لأسلحة بيولوجية مؤيدة لهذه الفرضية وبشكل أرثوذكسي رغم كل ما يتردد من آراء عكس ذلك، كان يعتقد في نهاية المطاف أن صدام تبنى برنامجاً لإعادة بناء أسلحته البيولوجية بعد الحرب، وهي وجهة نظر ولو من الزاوية الشكلية لا تختلف كثيراً عما يقوله توني بلير ومستشاروه.



لكن على أصعدة أخرى كان لكيلي آراء مختلفة وكان كلما اقتربت الحرب من نهايتها يبدو أكثر قوة وصراحة في التعبير عن آرائه خاصة في لقاءاته مع الصحفيين.



اختلف كيلي على سبيل المثال بشكل واضح مع مزاعم بوش وبلير حول اكتشافهما أدلة على أسلحة دمار عراقية بعد الحرب، وصرح للأوبزرفر فيما يشبه التحدي انه فحص المعامل المزعومة شخصياً وليس لديه أي شكوك في أنها كانت كما يقول العراقيون بالضبط مخصصة لملء البالونات بالهيدروجين، كان كيلي يبدو أثناء أحاديثه الأخيرة مرحاً واثقاً من نفسه ومطمئناً للأرض التي يقف عليها.

لم يكن يبدو غاضباً من الصحافة وفي أحايين كثيرة كان يقترح على من يلتقيه من الصحفيين تدبير لقاء آخر لإعطائه المزيد من التوضيحات إذا تطلب الأمر ذلك. كان كيلي يبدو حاسماً ومنسجماً مع ما يقوله من حقائق، ولم يبدو عليه في أي لحظة انه يعاني من أي تهديدات.

الغريب في الأمر أن كيلي وبالرغم من نفيه المتجدد لمزاعم بلير حول اكتشاف المعامل البيولوجية المتحركة كان لديه قناعة أكيدة بأن الأيام المقبلة ستشهد اكتشافاً لبرنامج أسلحة دمار شامل كان يخفيه صدام في العراق.

في الفترة الأخيرة وعلى مدى أسبوعين كاملين ظل كيلي تحت حالة من الحصار الفعلي بعد اتهامه بأنه مصدر تقرير آخر لجيلجان.

أنكر كيلي أمام مجلس العموم انه كان المصدر المخابراتي الذي قدم التقييم اللعين للسلوك الحكومي في الحرب، وهو أمر حتى الـ 'بي بي سي' رفضت الاعتراف به، ولكن بمرور الأيام بدأت الأدلة تتجمع وبدأت الاحتمالات تجمع أن ما قاله كيلي لجيلجان كان يمثل قلب الادعاءات ضد كامبل و10 داوننج ستريت.

هناك أمر آخر لا يحتاج إلى تأكيد هو أن كيلي تحدث إلى صحفيين آخرين غير جيلجان وكما اعترف صديق عمره مانجولد بعد وفاته فإن كيلي كان قلقاً من أن يؤول جيلجان أقواله، ومع هذا كان يؤكد كيلي في كل أحاديثه الخاصة لب ما قاله لجيلجان من أن هناك شكوكاً عميقة في إمكانية تحقيق الفرضية التي أذاعتها الحكومة البريطانية في أن عراق صدام كان قادراً على استخدام أسلحته البيولوجية والكيماوية خلال 45 دقيقة، وطبقاً لما قاله مانجولد فإن كيلي سخر من الفكرة ،وقال إن هذه الفترة غير كافية حتى لأن يحمل العراقيون رؤوس الأسلحة. تحدث كيلي للعديد من الصحفيين وأكثر هذه المحادثات حساسية كانت مع سوزان وات زميلة جيلجان والمحررة العلمية للـ 'بي بي سي' وقد أشارت سوزان في تدليلها للجنة الشئون الخارجية على تحريف وسترن كامبل للملف على حوارها مع كيلي.

تقدم تغطية سوزان وات لبرنامج نيوز نايت في الـ 'بي بي سي تو' إشارة مشابهة لرواية مانجولد لقصة الـ 45 دقيقة. قالت وات إن هذا الزعم تخطى كل الحدود وسبب ذلك أن الحكومة وصلت إلى حالة من اليأس في البرهنة على عدالة موقفها في تبني خيار الحرب، من ثم تبدو ثمة إمكانية أن يكون كيلي قد عبر عن الأمر نفسه لجيلجان بعد تسارع هذه الوقائع أطبقت الشباك بقوة حول كيلي.

وتقول مصادر وزارة الدفاع أن كيلي عرف أول مرة انه يمكن أن يكون الشخص الرئيسي في النزاع بين الحكومة والـ 'بي بي سي' عندما التقى صديقاً قديماً في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في نهاية يونيو وقال له هذا الصديق إن بعضاً مما جاء في تقرير جيلجان يشبه بعضاً مما تقوله.

>>>>>>>>>>>

احسـ العالم ـاس
21-08-2003, 11:50 AM
ما الذي يدفع رجلا مرموقا كهذا إلي أن يفكر في الانتحار؟ فذلك العالم البيولوجي البارز ديفيد كيلي‏,‏ كان قد أرضي ضميره للتو من قسوة منظومة الأكاذيب التي أصبح جزءا منها رغم إرادته‏,‏ ولم يشك أقرانه في وزارة الدفاع البريطانية أو محرر‏BBC‏ الذي نقل عنه معلومات تقرير توني بلير المزيف‏,‏ أو حتى نواب مجلس العموم الذين استجوبوه سرا أن رجلا يتمتع بهذه الكفاءة النفسية‏,‏ يمكن أن يقدم على خطيئة الانتحار‏,‏ أو أن يفقد غريزة الحياة إلي هذا الحد الذي يضع فيه النهاية بنفسه‏.‏البديل الوحيد الذي يليق بهذا الرجل هو القتل العمد عن سبق الإصرار والترصد‏,‏ لا الانتحار في الغابات الريفية بعيدا عن الأهل والأصدقاء الذين حارب كيلي أكاذيب الحكومة البريطانية من أجلهم‏.‏

البديل الوحيد للانتحار هو المؤامرة‏,‏ وهو بديل لن يغيب عن لائحة البحث الجنائي لشرطة سكوتلانديارد أو أي جهة أمنية أخري من هيئات التحقيق القضائي في بريطانيا ـ إن كانت بالفعل هذه الجهات تبحث عن الحقيقة ـ ولائحة البحث قد تشمل بالضرورة كل أصحاب المصلحة المباشرة في قطع لسان كيلي قبل أن يتكلم‏,‏ أو الأسهل‏,‏ إنهاء حياته بالكامل‏,‏ فلا لسان ينطق ولا إصبع يشير ولا ضمير قادرا علي الاعتراف بالجريمة‏.‏

وربما لا يبدو الانحياز لتفسيرات المؤامرة في مصرع كيلي مجرد مبالغة من عقول تنتمي للعالم الثالث‏,‏ فهذه المأساة الأخيرة تتطابق تفاصيلها مع سيناريوهات المؤامرة سطرا بسطر وحرفا بحرف‏,‏ الأمر الذي يدعو بلا تردد إلي استعادة هيبة هذه النظرية‏,‏ وإعادة الاعتبار للتفسير التآمري‏,‏ لسلوك بعض أنظمة الحكم في أوروبا‏,‏ فالذين يرفضون نظرية المؤامرة تلقائيا يستندون إلي رغبة حقيقية في تفادي التكاسل والإحباط والجبرية لدي الشعوب المظلومة علي الأرض‏,‏ في الوقت نفسه الذي يتعاملون فيه مع الواقع السياسي العالمي علي اعتبار أنه قائم علي المصالح‏,‏ ومن ثم فلن يكون غريبا أو شاذا أن يسعى كل بلد لمصلحته الخاصة‏,‏ ثم ينظر فيما يمتلكه من أدوات لتحقيق هذه المصالح الوطنية‏,‏ ووفق هذا التصور لا يجوز إطلاقا وصف أو تفسير كل حدث سياسي علي خريطة العالم باعتباره مؤامرة‏.‏

غير أن جبهة الرفض لهذه النظرية قد يحالفها التوفيق والرجحان كثيرا في حين يبطل مفعول حججها المنطقية أحيانا عندما تتحرك السياسة من دائرة العلن إلي أوكار العمليات القدرة‏!‏

ومقتل كيلي هو أحد الأحداث التي تفوح منها رائحة العمليات القذرة إذ لا تستقيم فكرة الانتحار في حالة كهذه حيث تتضاعف الفضائح والضغوط ضد حكومة توني بلير التي قامت ـ بحسب‏BBC‏ ـ بتزوير بعض المعلومات في تقرير أسلحة العراق وقدرات الدمار الشامل لدي الرئيس السابق صدام حسين‏.‏

ولا تستقيم فكرة الانتحار لرجل كان قد قرر طوعا أن يخوض هذه المواجهة متحصنا بالرأي العام وبنفوذ مؤسسة إعلامية عملاقة هي هيئة الإذاعة البريطانية‏.‏

كان كيلي يعرف يقينا أنه لن يكون وحده في المواجهة‏,‏ وأن‏BBC‏ لن تبيعه بسهولة للحكومة وتؤكد أنه صاحب المعلومات التي فجرت الأزمة‏,‏ ثم كان يوقن أيضا أن الإطاحة به من وزارة الدفاع حال انكشاف أمره ستجعل منه أسطورة سياسية وتدر عليه بملايين الدولارات من عوائد نشر الكتب التي تروي مذكراته والموافقة علي الظهور في برامج التوك شو في كل المحطات العالمية‏.‏

ثم كان يعرف أيضا‏,‏ وفوق كل ذلك‏,‏ أن خصمه هو الأضعف لأنه هو الذي ارتكب جريمة الكذب علي البريطانيين والعالم‏,‏ وأن الرأس المرشح للإطاحة هو رأس توني بلير ومدير مكتبه المثير للجدل كامبل وليس رأس ديفيد كيلي‏.‏

لا يبدو الانتحار هو الأرجح هنا؟

المؤامرة هي الأكثر اقترابا من الواقع لأسباب مختلفة‏:‏

‏1‏ـ لوبي المخابرات والسياسة كان قد مارس المؤامرة من قبل في القصة نفسها حين أضاف أسطر كاذبة تزعم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه قادر علي إنتاج قذائف نووية في‏45‏ دقيقة‏.‏

‏2‏ـ هذا اللوبي لم يعمل في مؤامرة تزوير التقارير وحده لكنه تواطأ أيضا مع مؤسسة أخري هي السي‏.‏ آي‏.‏ إيه التي تولت زرع المعلومات الكاذبة في خطاب الرئيس لتدفع بأنباء الولايات المتحدة نحو الحرب في العراق‏.‏

‏3‏ـ المؤامرة تضمنت كذبا متعمدا واختلاق وقائع ووثائق غير صحيحة‏,‏ ولم يكن هناك شك في أن الكشف عن هذه المعلومات يطيح بكل المتواطئين في المؤامرة‏.‏

‏4‏ـ بلير ورجاله لم يصدقوا أنهم من حيث أرادوا تقديم أنفسهم كصناع الحرية وملائكة الرحمة في العالم تحولوا إلي حفنة من محترفي الكذب والخداع وبين صفوفهم من يشهد علي ذلك‏.‏

نظرية المؤامرة إذن تحتاج إلي إعادة اعتبار بعد هذه الوقائع‏,‏ وقد تتعزز هذه الصورة بمزيد من الفحص لملف المخابرات البريطانية بشقيها الداخلي‏MI5‏ والخارجي‏MI6,‏ فالعميل البريطاني السابق ديفيد شايلر اعترف من علي الأراضي الفرنسية بما أدي إلي انفراط عقد الكثير من خفايا العمليات القذرة للمخابرات البريطانية‏,‏ فشايلر اعترف بتفاصيل قيام المخابرات البريطانية بتمويل مؤامرة لاغتيال القذافي‏,‏ وتطوع شايلر لتأكيد أن بريطانيا لا تزال الدولة الرائدة في مجال صنع الجاسوسية ومحاربتها علي السواء‏,‏ وأن ملفات المخابرات غارقة بتفاصيل عمليات الاغتيالات التي تم تنفيذها بالفعل أو التي لم يتم دفعها إلي حيز التنفيذ بعد‏.‏

وملف المخابرات البريطانية غارق بالتفاصيل التي لا تتورع بعض التقارير الإعلامية البريطانية عن كشفها‏,‏ فبعض قيادات المعارضة العراقية كانوا قد أشاروا إلي احتمال سقوط الرئيس السابق صدام حسين ضحية مؤامرة المعلومات مضللة عبر المخابرات البريطانية كانت السبب وراء مغامرته بغزو الكويت‏,‏ والقصة تقول إن بريطانيا سهلت سرقة جهاز كمبيوتر محمول بحجم صغير خاص بوزير الدفاع آنذاك وتردد أن كل أسرار منطقة الخليج والصراعات العسكرية المحتملة في هذا الإقليم موجودة علي القرص الصلب لهذا الجهاز‏,‏ بالإضافة إلي تسريب معلومات لدوائر عراقية من ملفات اللجنة المشتركة لأسرار الأمن والدفاع في البرلمان البريطاني وهي أعلي جهة برلمانية في مجلس العموم واللوردات مسئولة عن السياسيين الدفاعية والأمنية بما فيها المخابرات الداخلية والخارجية‏,‏ وكانت هذه المعلومات تبشر بغداد وقتها بأن الغزو إن حدث فلن تستطيع المنظمة الدولية أو الولايات المتحدة مواجهته أو التصدي للجيش العراقي المحتل وسوف تضطر للتعامل مباشرة مع صدام حسين فيما يتعلق بملف النفط الكويتي .

ورغم أن هذه المعلومات لا تبرئ صدام من خطيئة الغزو‏,‏ فإنها تضاعف من احتمالات وجود عمليات قذرة سبقت الغزو لتدفع صدام إلي هذا القرار‏.‏

هل يمكن اليوم أن نعتبر هذه الأفكار مجرد هواجس شائعة ناتجة عن ضعف العقل العربي المؤمن بنظرية المؤامرة؟ أم أن التقارير الكاذبة التي أشعلت الحرب‏,‏ وموت علماء كبار كان من المفترض أن يكونوا تحت الحماية يؤكد عكس ذلك تماما؟

صحيح أن نظرية المؤامرة تمثل تفسيرا معلبا جاهزا علي الرف نمد أيدينا إليه بحركة لا إرادية كلما تعثرنا في أحداث أو هزائم نعجز عن تفسيرها‏,‏ خاصة أن هذا التفسير يفضي إلي الراحة والسكينة في مواجهة العجز والتخلف‏,‏ لكن بات يقينيا أيضا أن المؤامرة هي اختراع تحتكر براءته مؤسسات السياسة والأمن في أوروبا والولايات المتحدة‏,‏ ولا يجوز استبعاد هذا التفسير في قراءة الكثير من المواقف والتطورات السياسية في علاقتنا ببلدان العالم المتقدم والمتآمر أيضا‏.‏

فهل فعلتها المخابرات البريطانية لإنقاذ سمعة الملكية البريطانية وحتى لا تنجب ديانا من عشيقها أخا عربيا لملك بريطانيا المرتقب؟

وهل كان شراء زعماء قبائل الأفغان للانقلاب علي الطالبان سوي مؤامرة مكتملة سجلها بوب وودوارد في كتابه عن الحرب واصفا حقائب بملايين الدولارات كانت توزع بدقة لتأليف قلوب الأفغان علي طاعة الولايات المتحدة ومساعدتها في الحرب‏.‏

ثم لماذا نفذت واشنطن المهمة بالكامل حتى إسقاط كابول ‏,‏ ثم لماذا تكرر السيناريو نفسه في بغداد ليتم توزيع الملايين كرشاوي علي قيادات العسكر وبعض القوي النافذة فتسقط بغداد ويختفي صدام ؟‏!‏ بعد المعلومات الكاذبة في التقارير الرسمية فلا شيء مستبعدا‏,‏ وقد يكون كل ما يجري من حولنا هو مؤامرة مكتملة أيضا‏.‏

أما كيلي‏,‏ فالذين قتلوا آلاف العراقيين بتقارير مزيفة‏,‏ دون خوف من كل العالم‏,‏ ربما لن يخشوا من قتل رجل واحد دون خوف من الـ‏BBC‏ أو من الشعب البريطاني‏!!

احسـ العالم ـاس
21-08-2003, 11:51 AM
كانت حالة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير النفسية ومظهره الخارجي عند هبوط طائرته الخاصة في مطار طوكيو يوم 18 يوليو 2003, تعكس بالضبط موقف حكومته, وبالتحديد وزارة الدفاع, وأجهزة المخابرات البريطانية الذي يعبر عن الاضطراب وفقدان السيطرة على تطورات تناحر شديد خرج عن الطوق بشأن سياسة حكومته ومصداقيتها. فقد هبط من الطائرة حزينا أشعث ويبدو الاضطراب عليه بعد أن كان فخورا بل وأسعد إنسان قبل ساعات من هبوطه في العاصمة اليابانية بعد أن كان يلقي خطبة نارية استرضائية أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي في واشنطن عقد تكريما لصداقته للولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها ودوره في دعمها في الحرب ضد العراق واحتلاله.

قبل هبوط طائرة توني بلير في مطار طوكيو ببضع ساعات, ابلغوه النبأ الصاعقة الذي قد يكون آخر قشة قاصمة لبعير حقبة توني بلير والعمال الجدد في السياسة البريطانية. فقد عثر على جثة الدكتور ديفيد كيلي, الذي قدمته وزارة الدفاع على انه المصدر المحتمل لخبر هيئة الإذاعة البريطانية الذي اتهم حكومة بلير بتضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية, أي إن الحكومة البريطانية كذبت لحشد الرأي العام البريطاني لدعم وتبرير الحرب ضد العراق واحتلاله.

وتشكلت على الفور لجنة طوارئ مخابراتية وسياسية لتطويق الأزمة وإدارتها لتقليل الخسائر والمخاطر السياسية والأمنية بعد أن تسارعت الأحداث على جميع الأصعدة وازدادت الضغوط على الحكومة العمالية ورئيس وزرائها الذي تركز التحليلات والتعليقات على مسؤوليته المباشرة عن تدهور ثقة الرأي العام البريطاني والأوروبي بقيادته وتدني مصداقيته. ويبدو من المؤشرات الحالية أن رئيس الوزراء قد يفقد منصبه من خلال انقلاب سياسي داخل حزبه من اجل إنقاذ سمعة حزب العمال وسلطته. وذلك يذكرنا بما جرى للسيدة مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الحديدية التي جرى انقلاب داخل حزبها فانتخبوا جون ميجور كي لا يفقد الحزب سدة الحكم.

والمعروف أن رئيس الوزراء بلير قد ساند الحرب ضد العراق وشارك فيها رغم معارضة الرأي العام البريطاني الذي خرج في ما أصبح يعرف باحتجاج المليونين إذ شهدت العاصمة البريطانية اضخم تظاهرة ولأول مرة في تاريخها مناهضة للحرب والموقف البريطاني المساند لها. وركز المحللون على أن حكومة بريطانيا الديمقراطية قد خرقت أبسط أصول الديمقراطية باتخاذ قرار خطير وهو الحرب دون الخضوع للمبادئ الديمقراطية التي تلزم الحكومة والسياسيين بالانصياع لرأي الأغلبية التي عبرت عن رفضها لتلك الحرب. والملفت للنظر أن الديمقراطية التي تنادي بها الدول الغربية, وأرفعها صوتا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية, لمناهضة الدكتاتورية والتسلط والانفراد بالرأي وأحادية القرار, قد أصبحت ضحية قرار أحادي ومنفرد على جانبي المحيط الأطلسي في كل من لندن وواشنطن.

وازدادت حدة المشاكل التي تحيق برئيس الوزراء بلير بعد احتلال العراق والفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت أحد وأهم الأسباب التي ساقها بلير لتبرير خروجه عن قرار الأغلبية البريطانية وشن الحرب على العراق رغم مرور أكثر من مئة يوم على احتلال العراق. وحاول بلير أن يعيد صياغة موقفه بالقول انه لم يتحدث عن أسلحة دمار شامل وإنما عن برامج أسلحة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل, فكان هذا التعديل في الموقف وبالاً على مصداقيته التي انحدرت إلى أقل من ثلاثين بالمئة وفقد بريقه البلاغي وتأثيره الجماهيري. ولو كانت المعارضة البريطانية [المحافظون أو الأحرار] يتمتعون بقوة نسبية لسقطت حكومة حزب العمال منذ كشف النقاب عن تغيرات وتعديلات أدخلتها حكومة بلير على معلومات استخبارية في ملفات نشرتها الحكومة في شهر سبتمبر وفبراير الماضي لتأكيد أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل.

لكن التناحر اتسع واتخذ أبعادا خطيرة بين ثلاث جهات فاعلة وجميعها تعمل جاهدة على الاستحواذ على الرأي العام: وهي الصحافة والمخابرات والمؤسسة السياسية الحاكمة. وكانت الشرارة الأولى بتقرير نقلا عن مصادر مخابراتية, يبدو أنها ضاقت ذرعا بالتحويرات والتعديلات التي أضيفت على تقاريرها, أشارت إلى أن المؤسسة السياسية, وبالتحديد مكتب رئيس الوزراء ومستشاره, كامبل المسؤول عن الاتصالات, قد ضخما خطر العراق واحتمالات تهديده للجيران ولبريطانيا بالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية من اجل تبرير الحرب واحتلال العراق. وقد نفى كامبل في جلسات استماع للجنة البرلمان للشؤون الخارجية قيامه بذلك.

غير أن الحكومة اضطربت وسعت إلى الوصول إلى مصدر تلك المعلومات السرية في إطار حملة لتقليل حجم الضرر الذي سيلحق برئيس الوزراء والمؤسسة الحاكمة. لكن سعيها قد أتى بنتائج عكسية قد تقضي على المؤسسة الحاكمة: فارتكبت خطأين الأول هو الدخول في لعبة الكشف عن معلومات حساسة ومخابراتية والثانية الكشف عن شخصيات تتولى مهمات حساسة لها مساس بالأمن القومي. ويبدو أنها ارتأت أن الأولوية في إنقاذها وترميم سمعتها على حساب بعض الضرر للجانب المخابراتي فوجدت نفسها في تصادم وتناحر مع المؤسسة المخابراتية البريطانية التي تتمتع بسياقات عمل وتقاليد صارمة إلى درجة أنها إلى فترة قريبة كانت ترفض الكشف عن رؤساء الأجهزة المخابراتية والأمنية. إضافة إلى أن تلك الأجهزة بقيت دائما بعيدة عن الأضواء العامة والصحفية فأجبرتها المؤسسة على أن تكون في دائرة الضوء.

وكانت الخطيئة الأولى بإعلان وزارة الدفاع عن اسم الدكتور ديفيد كيلي, خبير الأسلحة البيولوجية في وزارة الدفاع, على انه المصدر المحتمل لمزاعم أن الحكومة قد تكون ضخمت الخطر العراقي المحتمل وبضمنه إمكانية العراق بالقيام بهجوم بأسلحة بيولوجية وكيمياوية خلال [45] دقيقة. بل إن وزير الدفاع جيفري هون, الذي تحدثت التقارير الصحفية عن إعلانه نتائج حربية ونقيضها, قدم الدكتور كيلي للمثول أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية. وكانت المفاجأة أن اللجنة قالت بعد الاستماع إليه, انه ليس المصدر المزعوم. فعادت الأنظار إلى الأجهزة المخابراتية.

ومن ثم تم العثور على جثة الدكتور كيلي في متنزه واسع لم يكن قريبا من بيته, كما يقول البعض, وإنما يبعد حوالي سبعة أميال [اثني عشر كيلومترا] عن منزله في [أوكسفوردشاير]. كيف وصل إلى هناك وهو الذي قال لعائلته عند الثالثة عصرا انه سيتمشى في الجوار. هل كان الدكتور كيلي على موعد مخابراتي أم موعد حكومي سياسي؟

فهل كان الدكتور كيلي القربان والضحية؟ إذا كان الأمر كذلك فمن الذي اتخذ القرار لإسكاته إلى الأبد؟ وكان قد ابلغ اللجنة البرلمانية وعائلته أنه يتعرض إلى ضغوط لم يفصح عن فحواها, وأعلنت الأجهزة الأمنية البريطانية أنها عرضت عليه بعد الكشف عن اسمه أن تسكنه في بيت آمن. قصة تحمل جميع بصمات الاغتيال المخابراتي والتصفية السياسية لإسكات صوت وإغلاق ملف دون اعتبار للديمقراطية ومفاهيمها التي توجب محاسبة السياسيين والأجهزة أمام مؤسسات الشعب. ولكن العامل الثالث في ذلك التناحر, وهو الصحافة, أصبح أكثر قدرة على جذب الرأي العام إليه لأن سعي المواطنين لمعرفة الحقيقة أصبح أكثر إلحاحا. فإذا أسكت صوت عالم واحد, فكيف يمكن إسكات أصوات صحفية متعددة الأفواه والمصادر.

وذلك بالتحديد ما يفسر اضطراب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي غادر واشنطن سعيدا ومزهوا بجائزته الأمريكية ليبدأ جولة في جنوب شرقي آسيا. ولن تستطيع المؤسسة السياسية أن تجبر العامل الثاني في المعادلة: أجهزة المخابرات على تقديم ضحايا من أجل بقاء مؤسسة حزب العمال في سدة الحكم. ولذلك قد تكون تلك المؤسسة, وبالتحديد رئاسة توني بلير للحكومة البريطانية, تعيش الآن أيامها الأخيرة إذا لم تبتكر خطة خلاقة لتطويق الأضرار السياسية والمخابراتية وتهدئة الأضواء الإعلامية كي يركن الناخبون إلى رأي المؤسسة بأن جميع تلك الأحداث مجرد مصادفات سيئة لم يكن توني بلير وحزب العمال محظوظين فيها, أو أنها مؤامرة لإسقاط حكومته من جهات وأجهزة لا يمكن الكشف عن هويتها. ويقول الساخرون إنها قد تكون أجهزة وجهات عراقية سعت إلى الانتقام من رئيس الوزراء بلير لدوره في الحرب ضد العراق واحتلاله.

من المتوقع أن تزداد الدعوات لاستقالة رئيس الوزراء خصوصا وأن العديد من أركان حزبه في البرلمان وخارجه يحبذون استبداله لأنه ربما أصبح الآن عبئا على الحزب وعلى فرصه بالاحتفاظ بالحكم في الانتخابات القادمة. كما أن البعد العراقي لن يختفي لأن الفوضى مستمرة والمقاومة العراقية تتصاعد بأشكال متعددة بعضها مسلح, وبأساليب متنوعة أدت إلى خسائر منظورة للقوات الأمريكية والبريطانية, وأخرى سياسية آخذة بالاتساع حتى في أوساط الذين رحبوا بإسقاط نظام الرئيس المخلوع صدام حسين. يضاف إلى ذلك الهم الأكبر: الإخفاق في العثور على أسلحة دمار عراقية أو في الأقل برامج أسلحة دمار كما يزعم رئيس الوزراء بلير في صيغته المعدلة حديثا. ولعل الدكتور كيلي أفضل العارفين ببواطن البرامج العراقية لأنه كان أحد مفتشي الأسلحة الذين عملوا ضمن لجنة أنسكوم للتفتيش في ظل رئاسة بتلر, وزار العراق عشرات المرات وأصبح كبير خبراء الأمم المتحدة في الأسلحة الجرثومية والبيولوجية بين عامي 1994و1999. وقد تكون معرفته الوثيقة ما جلب الوبال عليه ففقد حياته التي يرجح المراقبون أن السلطات البريطانية ستقول إنها كانت نتيجة انتحار وليست تصفية. والأمران سيان: التناحر يقود إلى ضحايا, والضحية القادمة رئيس الوزراء توني بلير

Power Speak
24-08-2003, 02:38 AM
لا حول ولا قوة إلا بالله


هذي تبيلها جلسه


اطفي الانترنت واقرأاااااا

احسـ العالم ـاس
24-08-2003, 02:39 PM
شكرا رمز على مرورك

اذا عندك بحث طفي الانترنت واقرا


تحياتي