المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصير للكاتبة مها الجهني


أبو زيود
04-02-2003, 11:50 PM
الباب

ماذا يوجد وراء الباب البني ؟ سؤال طرق ذهني مرات عديدة حتى أصبح هاجسا في الأيام الأخيرة .. لكن أمي تقول دائما .. (حذار أن تفتحى الباب ! ) .

ــ لماذا ؟ (قات لا تفتحيه يعني لا تفتحيه ) .

هذا الغموض وهذا الغطاء الذي يرميه الآخرون على عقلي يحرك الطفلة المشاكسة داخلي فلا أستطيع إسكاتها أو إسكانها عبأت شجاعتي أخيرا وبحثت طويلا عن المفتاح لم يعد هناك أي خزانة في المطبخ في الصالة وغرفة أمي وأبي ــ لم أفتش فيها ولكني لم أجده .

جلست على طرف السرير منهكة يكاد الغيظ والتعب يبكياني كانت نظراتي تجول حول الخزانة الكبيرة سارحة في يومي المدرسي المقيت ومعلمة العلوم الضخمة التي لم تفارق مسطرتها كفى الصغيرة منذ عرفتها شعرت بحكة تدغدغ يدي رفعت عيني عاليا ورأيتها تلك العلبة الصغيرة المزركشة بالبني كلون الباب عاملتها بكثير من الحذر في الماضي وهى ترفعها عاليا فوق الخزانة .

((نعم ! )) قلتها لنفسي وأنا أؤكد وجود المفتاح قربت الكرسي صعدت فوقه وأنا أرتعش فرحة لضمي هذا الصندوق وضعته في حجري تأملته وقتا حيث كلن يستهويني التشويق الذي طالما أحطت نفسي به .

(الباب .. الباب ) رددتها كثيرا هذه الكلمة وأنا أحرك غطاء العلبة حيث وجدت الأوراق الملفوفة بعناية ، وبعض أقلام ، وخاتما ذهبيا محمرا علقت بأطرافه بقايا ماض فركته وضعته بإصعبي ، فتدحرج على الأرض .. بد الحجر الأحمر فيه يلمع ، وخيل إليه أنه خاتم سليمان وأنا أعيده تحت الأوراق ، حيث وجدت هناك مفتاحا كبيرا صدئا .

قدماى الآن تطيران نحو الباب .. كم نظرت كم نظرت في ثقبه الصغير المظلم ! .. كم تعلقت بالمزلاج لأتمكن من رؤية وجهي في المرأة المعلقة عليه ! .

(هيا .. هو ذا المفتاح ) !!

يداي ترتعشان فرحة وخوفا .. قلقا وأملا .. كل شيء داخلي تفجر ، إنه الحلم وفكرت : ( سأشتري مسطرة كبيرة أضرب بها معلمة العلوم ) .. أشعر أني أقوى ، وأن سحرا ما انبعث داخلي .. سأمتلك العالم ، فالمفتاح في ثقب الباب يكاد يفتحه ويفتح معه كل شجاعة الأبطال .

كان صوت المزلاج موسيقى تطرب أذني .. ينفتح .. فتغشاني الظلمة .. يدي تتلمس مكبس الضوء ، فيضيء النيون الأزرق الخافت أرجاء الحجرة الرمادية .

هو ذا سقفها المرصوص بقطع خشبية متوازنة .. وذا الجدار المتأكل الذي علاه بعض ثقوب كانت تدخل منها القطة الصفراء ! .. وهاهو السرير الوحيد الصدئ عن يمينمي أتكئ عليه فيرتفع صريره ، أتمدد على الغطاء فتنبعث رائحة الذكريات وتتسلل دموعي فيحضنها المكان .. لم تعد لي قدرة على التحكم بجسدي الذي يلهو في الأركان .. يشم عبق الماضي وأريج العود المتبقي في قنينة صغيرة وضعت على طاولة قرب السرير .

سكن في طرف الحجرة جاعد قديم بجواره منقل منطفئ .. اقتربت منه .. فاشتعلت بقايا الفحم كالسحر . فتح الجدار عن حديقة صغيرة علق في طرفها حبل غسيل مهترىء ، بينما استندت مسنتدان وحيدتان على الجدار القريب .. بينهما متكأ عليه تفاصيل أيد متعبة .

بدأ الدفء يسري في أوصالي ، فأمد رجلي على الوسادة الحمراء المزركشة ، التي كانت تسبح فيها خيالاتي وتشكل منها وطنا مليء بالمحبين في وحدتي .. وقف جسدي مشدودا وارتجى العباءة ثم الملثم .. لم يكن على الجدار سوى صورة لرجل كبيرة لم أره من قبل .

في الجهة المقابلة كان يقبع صندوق قديم ، بجواره ارتمت خزانة معبأة بالأواني المعدنية القديمة وبعض أكواب وهدايا أعراس تكوم عليها الكثير من الغبار ومزهرية صغيرة فارغة إلا من بعض ثقوب !

ارتفعت حشرجة المذياع القديم قرب النار وبقربة فناجين قهوة رنينها يبعث الدفء في الروح .. ربما دفئ النار سرى في جسده أيضا وبدأ يغني ! .

تنفث حورية الليل أشهى عطورها المسائية في وجهي .. فلا أصدق أنى هنا أرتشفت .. الماضي أضمخ جسدي بروائح المساء والذكرى والحنين فيكبر .. اصنع من انثناءاته التي ملأتني أشرعة للسفر .. الجدران الرمادية تتسع والباب البني لا زال مغلقا .. أم الأخر فإنه يركض حتى يصير بحجم الحجرة .. فتمدد ظلال النخلة الوحيدة في الحديقة حتى السرير .. وكأنها تحرضني على الرحيل .. يسري هواء شمالي لذيذ .. يراوغ الغطاء الذي بد أيستجيب له فيحلق .. تعتريني رعشة الخوف ممزوجة بالنشوى التي تغدق على في لحظات الإكتشاف الأولى .. يطير اللحاف بي رويداً رويدا كقصة علاء الدين .. يودعني زهر حورية الليل مصافحا طرف الغطاء ، فأرتفع فوق ظلال النخلة التي امتدت قامتها مودعة .. تصغر الأشياء في حجرتي .. حتى لم أعد أرى سوى السرير والمنضدة والباب البنى الذي انثنى وكأته يبكيني .. ها أنا أسبح بين السحاب الأبيض الندى وأحلق لأرى النجوم تلمع أقوى من ذي قبل .. تناديني لأحترق بعوالمها .. أما القمر فيبدو شاحبا اليوم .. مصفرا كقطتي التي غادرتني من سنين .. بدأ البرد يتسلل إلى روحي .. فتمنيت أن أعود إلى حجرتى الدافئة .. وعبثا حاولت الرجوع ! .

لقد كان الغطاء يطير بي حيث يشاء .. يمررني على براكين هادئة حينا ومزمجرة حينا أخر ..

الجبال الشاهقة موحشة في الليل .. أما الإنسان فلم يعد له وجود إلا في مخيلتي .. أتشبث به خوفا منه ومن سرعته المجنونة .. فتجرح أطرافي العارية أشجار شوكية .. يهدنني بالبحر الشاسع الذي أوشك على السقوط به .. لم تعد عيناي تبكيان .. لقد تجمد الدمع فيهما ..

الطرقات أفاع طويلة لا تنتهي .. وأنا عاجزة عن العودة أصرخ فيختبئ صوتي خائفا عند أول وتر .. سأهوى متى تعبت يداى .. للحظة حاولت أن أستجمع شجاعتي قرب أول مرتفع لأقترب منه لأترك الغطاء المجنون .. لكن الخوف يشدني نحوه بجنون يضاهيه .. وأخيرا نمت لأستفيق في حجرتي فرب الخزانة .. تمتد يدى تخرج صرة صغيرة .. أفتحها فتنتشر رائحة القرنفل والهيل الزكى .. أمسك بالدلة .. أقرب منها علبة الحليب القديمة التي تكدس فيها بن لذيذ أضع بعضه ثم أفرغ علها الماء .. أتركها على النار إلى أن تنضج ثم أبهرها . .

ــ ( أمي .. يمى .. ) ! .

هذا صوت أبي ! .. يا إلهى ! لا أستطيع التحرك .. جسدي يسيرني ؟

يفتح الباب يأتي أبي ويقبل يدي فتبتسم عيوني رغما عني .. يأتي اخوتي الصغار يقبلون رأسي ويصرخون ( نريد الحلوى يا جدة ) .

ــ يا جدة ! ؟ .. أردت أ، أصرخ أنا أختكم .. ولكن صوتى الجبان هرب .. وهم حولي يعبثون بالخزانة .. يتقافزون على غطاء السرير ..

سكب أبي بعض القهوة وقال : (يالله ! ليس هناك ألذ من من قهوتك يا أمي ) كنت على وشك النهوض لأمنعه من الطيران على الغطاء المجنون حين انفتح الباب بقوة .. ودخلت ! .. كنت صغيرة بظفائر مجدولة .. ركضت نحوي أحتضن جسدي .. أداعب الملثم على فمي بيد أخرى كانت لصغيرة تشبهني .. جريت نحو الباب البنى ولكني تسمرت في مكاني حين رأيت الشبح الذي ظهر على مراَة الباب أمامي فجأة ! .

لقد كثرت الانحناءات والتعرجات في وجهي .. وظهر أطراف عري شائبا من تحت الملثم الذي نزعته .

ــ ( إنها أنا .. امرأة في الثمانين !! ) ..
http://www.madinahnet.net/culture/kasira_fr.htm

Power Speak
18-02-2003, 08:59 AM
قصة روعه

تسلم ابو زيود على النقل الطيب

الملك
20-02-2003, 12:55 AM
على هذه المشاركه


...
..
.
.
..
...

وننتظر منك مشاركات جديده